هل أتانا مصير ستمائة شجرة في مركز إسطنبول في نهاية الأسبوع ب«ربيع تركي»؟ وهل سيصبح ميدان تقسيم بالنسبة إلى الأتراك كما كان ميدان التحرير بالنسبة إلى المصريين؟ من السابق لأوانه جدا أن نعلم، واحتمال الجواب ب«لا» كبير. لكن أردوغان المنتشي بالفوز في ثلاث معارك انتخابية (الفعل 2 والفعل 7 والفعل 11) تلقى -في أقصى أعمال شغب منذ أصبح رئيس وزراء- ضربة جدية. إن الاحتجاج الكبير، الذي شاركت فيه كل التيارات الإيديولوجية في الدولة تقريبا، امتد إلى أنقرة وأزمير وأنطاليا، وأصبح مصباح إنذار لأردوغان. ليس واضحا إذا ما كان آلاف المتظاهرين سينقذون الأشجار في متنزه غازي (وهو المتنزه الرئيس في إسطنبول) من القطع، لكنهم أعطوا أردوغان درسا في حدود القوة. إن حلمه بأن يصبح في 2014 رئيسا، بعد إصلاح دستوري تتحول فيه تركيا إلى نظام رئاسي، لم يعد فجأة يبدو محققا كما كان قبل يوم الجمعة. يا للمفارقة أن يقوم أردوغان نفسه، الذي أعطى الزعماء العرب دروسا في الأخلاق وقت الربيع العربي، بإعطاء قواته الأمنية الأوامر بأن تستعمل القوة لتفريق المظاهرات بصورة مبالغ فيها؛ وهو نفس أردوغان الذي أوصى في 2011 صديقه بشار الأسد بأن يستعمل اللطف مع المتظاهرين. وقد رحم وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، وهو «صديق» آخر في منطقتنا، الشعب التركي الذي لا يستحق «بربرية» أردوغان، كما قال؛ وهو نفس أردوغان، أيضا، الذي أوصى الرئيس المصري محمد مرسي بفصل الدين عن الدولة، لكنه في تركيا أمضى في الأسبوع الماضي قانونا جديدا يحد من بيع الخمور، في خطوة أخرى يفترض أن تغير وجه تركيا وأن تنسي منزلة العاصمة في تركيا الكمالية. تتجاهل تركيا أردوغان تماما رغبات جزء كبير من السكان، فقد حدثت في تركيا مع قانون الخمور في غضون أيام عدة أحداث محيرة أخرى، مثل دعوة رئيس بلدية أنقرة سكان مدينته «إلى لزوم سلوك يناسب القيم الأخلاقية»، وحكم محكمة تركيا على مثقف أرمني (بثلاث عشرة سنة سجنا بسبب المس بالنبي محمد)؛ كل ذلك لا يسهم في تعزيز صورة تركيا الديمقراطية. ويشير القضاءُ على الجيش، حامي الديمقراطية، وتقوية الشرطة على عهد أردوغان إلى اتجاه واضح نحو الأسلمة. إن المشروع الفخم لرئيس بلدية إسطنبول (صديق أردوغان الكبير) في موقع منتزه غازي، الذي هو رئة المدينة الكبيرة التي يعيش فيها سبعة عشر مليون ساكن، كان سببا جيدا لخروج سكان إسطنبول إلى الشوارع، فقد تحول الحفاظ على البيئة إلى قاسم مشترك بين عشرات آلاف الأتراك. وقد نشأت مشكلة أردوغان حينما حلت محل هتافاتِ «أنقذوا الأشجار» هتافاتُ «استقل يا أردوغان». تحدث أردوغان يوم الأحد في خطبته عن كون تركيا ديمقراطية (أثبتت وسائل الإعلام المحلية التي تجاهلت الاضطرابات عكس ذلك في الحقيقة)، ومن ثم فهو لا يقبل استبداد الأقلية. بيد أن الأقلية في تركيا، وهي 49 في المائة، أثبتت انها تعرف كيف تصرخ، وأنها لا تخشى استبداد الأكثرية، بل استبداد أردوغان. ونقول، بالمناسبة، إن سكان إسطنبول أثبتوا للعالم أيضا أن النماء الاقتصادي في مدينتهم ليس كل شيء.. المال بغير الحرية لا يكفي. إن تركيا المستقرة شديدة الأهمية في المنطقة، ولاسيما في هذه الأيام المجنونة. ولا ينقص واشنطن التي تراهن على ورقة اللعبة التركية في سورية إلا هذا. سيعرض خامنئي نفسه في هذا الإيقاع على أنه البالغ صاحب المسؤولية. ونقول إن أردوغان لم يطلب مغفرة شعبه حتى كتابة هذه السطور. عن «إسرائيل اليوم»