عباس... عباس الفاسي طبعا، جاء إلى رئاسة الحكومة بعد حادثة سير انتخابية صوت فيها أقل من ربع المغاربة، لذلك لا أحد يفهم سر هجوم الكثيرين على هذا الرجل وكأنهم كانوا ينتظرون أن يرأس الحكومة المغربية رجل اسمه تشرشل أو باتريس لومومبا. إن الذين ينصبون رؤساء الوزراء في المغرب يعرفون لماذا نصبوا عباس، لأن انتخابات لم يشارك فيها سوى 20 في المائة من المغاربة لا يمكن أن يكون على رأس حكومتها سوى رجل يشبهه. ماذا يمكن إذن لهذا الرجل أن يفعله وهو يعرف أنه عقوبة ضد الذين لم يصوتوا؟ طبعا يمكنه أن يفعل الكثير. فبالإضافة إلى أسفاره الكثيرة ونهره للمصورين الصحافيين الذين يريدون أن يلتقطوا له صورا وهو يخاطب شعبه، عفوا يخطب في مؤتمر حزبه، يمكنه أيضا أن يصدر قرارات مصيرية بالنسبة إلى المغاربة، وهذه القرارات لا تتعلق لا بقضية الصحراء ولا بسحب السفراء أو تعيينهم، ولا بالزيادة في الأسعار أو تخفيضها، لأنه لا يملك في ذلك أي شيء، ولا يمكنه طبعا أن يطالب بالإصلاح الدستوري ولا حتى بالإصلاح المدرسي. وبما أن عباس لا يمكنه أن يفعل شيئا في أي شيء، أي أنه وزير أول للأقلية التي صوتت في الانتخابات، وبما أنه آخر من يعلم في حكومة الأصهار والأصدقاء، إلا أنه بالمقابل يمكن أن يربح شعبية جارفة ويتحول من زعيم تأزيمي إلى زعيم كاريزمي لو تزعم حملة وطنية كبرى من أجل القضاء على الأكياس البلاستيكية السوداء، هذه الأكياس التي لا يدرك خطورتها إلا الذين يعرفون أن الأضرار التي تلحقها الميكة الكْحلة بالبيئة والحقول والصحة تتشابه في الكثير من تفاصيلها مع ما يلحقه مرض السرطان الخبيث بجسد الإنسان. مشكلة عباس أن حاله سيستمر على ما هو عليه. وبعدما كان يجلس في مسجد في فاس وجيء له بلائحة حكومته ووافق عليها، وكما ارتفعت الأسعار وقال إنه لا يعرف، وكما انقلبت سيدي إفني رأسا على عقب وقال إنه لم يحدث فيها شيء، فإنه سيستمر في لعب دور الوزير الأول المخدوع الذي تدور الأحداث من وراء ظهره، وسيخرج عباس من الحكومة الحالية من دون أي إنجاز، لذلك يمكنه أن يجعل من البلاستيك الأسود قضية وطنية، وهي فعلا كذلك لأن الميكة الكحلة تنتظر 400 سنة حتى تتحلل، وإذا استمر انتشارها على ما هو عليه الآن فإن المغرب سيتحول مستقبلا إلى صحراء قاحلة، بالإضافة إلى أن البلاستيك الأسود يصيب بالحمى والملاريا ويسمم المياه الجوفية ويقتل كل أشكال الحياة في المنطقة التي يتحلل فيها. وفي عاصمة الهند يعاقب بالسجن 5 سنوات كل من يضبط مستعملا الأكياس البلاستيكية. أليست كل هذه أسباب كافية لكي يجعل عباس الميكة الكْحلة قضيته الكبرى؟ اترك يا عباس كل ما في يدك لأنك لا تحكم شيئا، وابحث معنا في معضلة الميكة الكحلة. وإذا انتهيت منها في السنتين المقبلتين، سنطلب منك وضع حد لسيبة كلاب البيتبول في الشوارع. وإذا انتهت فترة رئاستك للحكومة، نقسم بالله الواحد الأحد أننا سنصوت عليك لولاية ثانية لمواجهة رعونة دراجات الجيتسكي في الشواطئ.. وثالثة لتحليل نقصان حلاوة البطيخ الأصفر. وهكذا دواليك دواليك.. وستظل وزيرنا الأول إلى الأبد. نرجوك يا عباس لا تخذلنا.