وجد المعطي بوعبيد نفسه، وهو على رأس الحكومة، محاصرا بين مطرقة إملاءات البنك الدولي وسندان سياسة التقويم الهيكلي. في سنة 1983 كان المغرب يعيش وضعا أفظع مما هو عليه الآن، نسبة عجز في الميزانية بلغت حوالي 12 في المائة، وفاقت الديون نسبة 82 في المائة، كما أن الاحتياطي من العملة الصعبة كان في الحضيض، والتضخم وصل إلى حدود 10 في المائة. وهو وضع وصفه الاقتصاديون بالكارثي، لاسيما أن الشعب لا يتحمل أي زيادة في الأسعار، بعد أن انتفض ضد الغلاء في أشهر عصيان مدني في تاريخ المملكة الحديثة. لكن قبل هذا التاريخ عاش المغرب وضعا استثنائيا عجل بتعديل حكومي، إذ تكالبت عوامل خارجية وداخلية وطبيعية على تجربة المعطي بوعبيد في الحكومة، فزادت من قساوتها، إذ وجد نفسه محاصرا بسنوات الجفاف التي ضربت اقتصاد البلاد، وساهمت في ارتفاع الزحف القروي نحو المدن مع ما ترتب عنه من انتشار أحزمة الفقر في ضواحي المدن الكبرى، فنبتت مدن الصفيح كالفطريات عند هوامش المدن. لم يكن المعطي بوعبيد وهو يحمل حقيبتي الوزارة الأولى والعدل، يعتقد أن غاراته تحت قبة البرلمان، قبل ثماني سنوات من توليه عمادة الفريق الحكومي، حين كان ممثلا للأمة ورئيسا لبلدية الدارالبيضاء، واتهامه لحكومة أحمد ابا حنيني بالفشل في تدبير الشأن العام، ستنتهي به في نفس قفص الاتهام ذاته، حين داهمه البرلمانيون الاتحاديون، وهم رفاق الأمس، بأسئلة تحمله سوء تدبير الشأن الحكومي.، حينها ردد خصومه، «باش ما قتلتي تموت». ولأن المعطي كان نقيبا للمحامين بالدارالبيضاء فقد تأبط في سنة 1977 حقيبة وزارة العدل، ولم يمر سوى عام واحد حتى تولى الوزارة الأولى، مع احتفاظه بحقيبة العدل، بعد أن طلب أحمد عصمان من الحسن الثاني إعفاءه من المسؤولية الحكومية، حين أصبح زعيما لحزب التجمع الوطني للأحرار. عندما اقترح المعطي على الحسن الثاني إسناد وزارة التشغيل لنقابي من قيمة أرسلان الجديدي، لقد كان يعتقد أن ابن دكالة قادر على تدبير ملف المعطلين بروح نقابية، والوقوف في وجه نقابة حديثة الولادة اسمها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بزعامة نوبير الأموي. ذهبت حسابات النقيب عبثا وحصلت مواجهات شرسة بين نقابة الأموي ورفيقه السابق في درب القوات الشعبية المعطي بوعبيد، في يونيو 1981، أو ما بات يعرف بإضراب «كوميرة». وما تلاه من مضاعفات خطيرة نتيجة موقف زعيم الاتحاد الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد الذي عارض قرار الملك الحسن الثاني الرامي إلى إجراء استفتاء في الصحراء، إذ رأى أنه يجب استفتاء الشعب المغربي أولا إن كان يقبل إجراء استفتاء في الصحراء أم لا. ومن نتيجة هذا الرفض الزج بثلاثة قياديين من الاتحاد الاشتراكي في سجن ميسور، وهم الكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد ومحمد لحبابي ومحمد اليازغي. فقد المعطي بوعبيد منصب وزير العدل في حكومته الثانية، تحت وطأة غضب الشارع واحتقانه، بعد أن ردد المناهضون الموشح الشهير «آش عند حكومة المعطي ما تعطي». وتبين أن الظرف السياسي والاقتصادي يعادي الوزير بالرغم من التعديلات التي أجراها على تشكيلته. في ظل هذا الوضع المضطرب تناسلت الأحزاب السياسية وكثرت المحاولات الانفصالية على مستوى الأحزاب، حينها غادر المعطي بوعبيد الوزارة الأولى ليشكل حزبا سياسيا اختارت له الداخلية من الأسماء «الاتحاد الدستوري». في مشهد مشابه لخروج أحمد عصمان من الحكومة بعد أن جلس على كرسي قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار.