تعيش الجزائر بمختلف مكوناتها السياسية والاجتماعية تحت ثقل إجابات يلفها الغموض والتردد عن الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي تتفاوت المعلومات بشأنه بين «وضع خطير» و «خطير جدا» قد يؤدي إلى انقلاب أبيض وشيك أو إلى انتخابات مفبركة كتلك التي أوصلته إلى الحكم سنة 1999. وفيما أكدت وزارة الدفاع الفرنسية أول أمس أن الرئيس الجزائري تم نقله إلى مستشفى آخر في باريس لقضاء فترة نقاهة، تناقلت صحف فرنسية أنباء استقتها من مصادر مختلفة عن تدهور مفاجئ في صحته، وسط جدل كبير تشهده الجزائر في الآونة الأخيرة حول قدرة الرئيس بوتفليقة على الاستمرار في الحكم. وذهبت أسبوعية «لوبوان» إلى حد التأكيد، استنادا إلى مصادر طبية، على أن بعض أعضاء الرئيس الداخلية أصابها تلف شديد بسبب الجلطة الدماغية». وكان الجزائريون قد استفاقوا ليلة 27 أبريل الماضي على خبر دخول بوتفليقة (76 سنة) إلى المستشفى، بعد صدور بيان رسمي يؤكد أنه تعرض لجلطة دماغية عابرة، وأنه في حالة صحية مستقرة، ولا خوف على حياته، وهو بيان جاء مفاجئا بالنسبة للجزائريين، الذين لم يتعودوا على أن تتعامل السلطات بشفافية مع موضوع صحة الرئيس بوتفليقة. وبالرغم من التطمينات التي حملها بيان نقلته، أول أمس الثلاثاء، وسائل الإعلام الفرنسية عن الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال، من أن «مرض الرئيس سيصبح في القريب العاجل حدثا عابرا»، فإن معظم الجزائريين على قناعة قوية بأن السلطات تتكتم على الموضوع لترتيب الأمر قبل الإعلان الرسمي لخبر وفاته. والمثير في التطورات الصحية للرئيس بوتفليقة، حسب الصحافة الفرنسية، التي خصصت حيزا هاما للحدث، هو الطريقة التي يتعامل بها الإعلام الرسمي، الذي غالبا ما يختار تغييب المعلومة الصحيحة لتبقى محصورة في دائرة مغلقة من عائلة الرئيس ومقربيه، وهو ما يجعل الساحة الجزائرية عرضة للشائعات والتأويلات والارتباك. وقد بيّن مرض بوتفليقة بأن التعاطي الإعلامي والحكومي مع القضايا التي تهم الجزائريين ينم عن توجه ماضوي مستمد من عهود الأحادية الحزبية. ولأنه يعتبر مرض الرئيس كأنه قضية تهم أمن الدولة، فإن الإعلام الرسمي يفضل الدعاية والإشاعة على الشفافية حتى لا يلفت الانتباه إلى الصراع القوي الدائر اليوم في الكواليس بين عناصر الجيش من جهة، وعدد من السياسيين، وفي مقدمتهم شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، لخلافته على رأس دولة مثقلة بالأزمات والتجاذبات بين مختلف الطوائف والتيارات، جزائر تكرس الصراع الجهوي بين منطقة الغرب التي يحكم أهاليها البلاد منذ الاستقلال، ومناطق أخرى مهمشة. فجميع الأشخاص المنصبين بوزارات السيادة هم من غرب البلاد، بدءا برئيس الحكومة ووزراء الخارجية والعدل والداخلية والنفط، إلى الرئيس بوتفليقة، الذي هو نفسه وزير الدفاع. وتأتي الرحلة العلاجية للرئيس الجزائري على خلفية الاحتقان الاجتماعي، الذي يميز الساحة الجزائرية والإضرابات الصاخبة المنددة بالأوضاع الاجتماعية المتردية. كما تأتي والبلد يعيش صراعا حقيقيا لخلافة الرئيس الذي يؤثر مرضه الشديد سلبيا على سير أجهزة الدولة المصابة بشيء من الجمود والوهن لأنها، على حد تعبير صحيفة «لوفيغارو»، «لا تقوى إلا بقوة الرئيس، ولأن كل خيوط الحكم بيده عوض أن تكون موزعة بين عدة دوائر ومستويات حتى لا تتعطل الآلة بكاملها بمجرد توقف قطعة واحدة». ونقلت أسبوعية «ماريان» عن أحد المقربين من القصر الرئاسي قوله إن بوتفليقة يدخل في حالة غضب جنوني عندما يقال له: «سيدي الرئيس، لا يمكنك حكم الجزائر لأن صحتك لا تسمح بذلك». وحذرت من أن يكون العسكر بصدد تدبير مؤامرة للرئيس. فهم ينتظرون تطور حالته الصحية التي يعلمون مدى خطورتها، فيتعاملون مع عجزه عن أداء مهامه الرئاسية، بسبب المرض، بانقلاب أبيض وشيك. وتتزامن الزيارة العلاجية للرئيس بوتفليقة أيضا مع قرب انتهاء صياغة نص الدستور الجديد للبلاد من طرف لجنة «الخبراء الخمسة» التي عينها بوتفليقة لهذا الغرض. ومن ضمن المواد التي سيشملها التعديل العودة إلى تحديد الولايات الرئاسية في أربع لفتح المجال للرئيس بوتفليقة لفترة رابعة في الانتخابات المزمع إجراؤها في شهر أبريل من السنة القادمة. ويشبّه مراقبون حالة مرض بوتفليقة بأجواء رحيل الرئيس الأسبق هواري بومدين، الذي نُقل للعلاج خارج الجزائر ولم يعد إلا لينقل إلى مثواه الأخير.