- كنت سفيرا للمغرب في أكثرَ من دولة، وعاشرتَ عبد العزيز بوتفليقة لسنوات في الأممالمتحدة.. هل كانت علاقتكما متينة جدا وهل لا تزال مُستمرّة؟ أنا أعرفه بْزّاف بزّافْ.. أعرفه معرفة أستاذ لطالبة. وكنت أناقش معه كل المواضيع، وقبيل أن يصبح رئيسا للجمهورية كان يّسمي الملك الحسن الثاني «سِيدْنا».. وطلب لي مني كتابي «رحلة ابن بطوطة»، وقد أرسلته إليه عن طريق القنوات الدّبلوماسية، وبالضبط عن طريق السّي عبد اللطيف الفيلالي، الوزير الأول الأسبق بين 1994 و1998. وقبل خمسة شهور كنت في الجزائر في مؤتمر الصيادلة وأشكر عواطفه، لأنه بحثَ عني وسأل عني.. كما أنّ كتابي «تاريخ المُوحّدين» نفد في السّوق الجزائرية عدة مرات، وهو اليوم يُطبَع للمرة الرابعة هناك. أنا على معرفة كبيرة ببوتفليقة، وهو يتحدّث عن الملك بعبارة «سِيدْنا». - متى تجذرت معرفتك ببوتفليقة؟ أعرفه قبل أن تتجذر علاقتنا، لأنني أحسبه مغربيا، فهو مزداد بمدينة وجدة، وفيها درس وتعلم. والمعرفة الكبيرة تجذرت حينما كان في الأممالمتحدة وكنت آنذاك سفيرا. لا تزال عندي صور له وهو في الأممالمتحدة. كان شَعره طويلا و»شبابيا»، وكنت دائما أمازحه بالقول: فينْ مْشاتْ الشّعورْ؟.. ترجع آخر مرة رأيته إلى الفترة التي قضاها في الامارات، وكان صديقا لوزير خارجية الامارات آنذاك، أحمد بن خليفة السويدي. وكنا نلتقي على غذاء أو عشاء، ويتحول اللقاء كل يوم أحد إلى لقاء أدبيّ، قبيل أن يصبح رئيسا للجزائر.. كانت عواطفه أرفعَ ما يكون، وكان يُقدّر الملك الحسن الثاني كثيرا. المهمّ، حينما كنت أزور الامارات أضع على رأس برنامجي الاتصال بالسّي عبد العزيز، وكان يُحبّني كثيرا ويناديني «أستاذي». - لكنْ ما الذي وقع للرّجُل حتى أصبح العدو الأولَ للمملكة؟ أشرتُ لك، قبل قليل، إلى أنّ الانسان حينما يدخل الحكم لا يبقى حُرّا لنفسه.. هنا تكون جهات أخرى، والإنسان مضطرّ إلى أن يراعيّ هذه الجوانب.. أقول إنّ السي عبد العزيز بوتفليقة رجُل لبق وعواطفه طيبة ومحادثته أكاديمية عالية، وتقول لي كيف؟ هذه هي القضية، لأن الانسان حينما يجلس على الكرسيّ لا يَرى من زاوية واحدة، ولكنْ هناك زوايا أخرى يُضطرّ إلى مراعاتها. هنا مثال يجب أن تعرفوه وهو «من دخل ظفاري حمّر».. ظفاري هي مدينة في عمان يتكلمون فقط باللغة الحمرية.. ذهب أحدُ الأعراب لزيارة ملك حمير، وسأل الناس عن مكان تواجده فدلّوه على أحد الأسطح، وكان الوقت صيفا. لمّا وصل إلى مكان تواجد الملك، خاطبه الملك قائلا: «ثِبْ»، وتعني باللغة الحمرية: اجلس، وباللغة العربية: اقفز.. فهم الأعربي معنى القفز فقام وقفز من أعلى البيت وسقط وتكسّرت أضلعه، وقال له الملك: ما بك؟ لماذا قفزت؟ أجابه: أنت أمرتني بأنْ «أثب».. قال له الملك، وماذا تعني كلمة ثبْ؟ أجابه الأعربي: عندنا في العربية تعني «اقفز».. فشرح له الملك أنّ «ثبْ» باللغة الحمرية تفيد الجلوس.. آنذاك، قال الملك: «من دخل ظفاري حمّر»، أيْ تكلم باللغة الحميرية. وإنما ضربتُ لك هذا المثل لأقول لك إنّ الانسان يجب أن يتكلم لغة القوم الذي يتواجد معهم.. وقسْ ذلك على السياسة وأمورَ الحُكم. .
عبد الهادي التازي دبلوماسي سابق، مؤرخ وعضو أكاديمية المملكة المغربية