في سيارة الأجرة يسمع الراكب ما يريده له السائق، إذاعة أو شريطا. مع السائق «الزهواني» أنت مجبر على سماع «الشيخات» حتى لو كنت إمام جامع؛ وإذا كنت مع سائق سلفي ستسمع الأحاديث والأمداح حتى لو كنت خارجا للتو من حانة؛ ومع السائق الودادي أو الرجاوي أو «الفراوي» لن تسمع غير النتائج والبرامج الرياضية حتى إذا كانت البطولة متوقفة؛ أما السائق «الزعفان» فلا تسمع في سيارته شيئا غير تنهيداته. .. وفي ذلك المساء، كان من نصيبي و«مكتوبي» أن أركب سيارة أجرة اختار سائقها تشغيل إذاعة تنقل أنشطة البرلمان المغربي، رغم أن السائق كان مشغولا بمكالمة مطولة حول حظه المتعثر مع قرعة أمريكا. هكذا كتب لي أن أسمع، رغم أنف أذني، نائبا «محترما» كان يخاطب كمشة النواب «المحترمين» الحاضرين في قبة البرلمان، وكأنه كان يعرف أن البث مباشر، لذلك كان يتحدث بحماس زائد.. هكذا، عن طريق هذه الصدفة، إذن، كتب لي أن أسمع عن مبادرة عبقرية تفتقت عن «مخ» نائب تفضل بعرضها على زملائه. فقد قال، موجها كلامه إلى رؤساء المجالس البلدية في بلادنا، إن عليهم أن يخططوا على المدى البعيد، فلا يكررون الخطأ الذي وقعت فيه الرباطوالدارالبيضاء اللتان تأخرتا كثيرا في الالتحاق بركب ال«ترامواي»، وكأنه افترض أنهم لم يفهموا أو هو يعلم بأنهم لا يفهمون أصلا، لذلك أضاف موضحا أن على بلدياتنا أن تعجل بتعزيز شبكة النقل الحضري بال»ترامواي» للحاق بركب العصر، وكأن باقي وسائل النقل لا توصل إلى الركب المذكور. وأنهى النائب نصائحه الغالية جدا دون أن يفيدنا كم من ملايير الملايير ستحتاج مدننا للحاق بركب ال«ترامواي»، الذي يطبل له المطبلون، وكم جيلا من أحفادنا سيرتهن بفوائد قروضه، رغم أن ال»ترامواي» لا ينقلنا من السير في طريق لا يوصل التنمية إلى مستوى تنمية تركيا أو البرازيل، رغم أنه لا يتجاوز كونه وسيلة نقل، مثل «الطوبيس طرانت سيس»، يتنقل يوميا بين نفس النقاط، لا يتجاوزها قيد أنملة، أما التطور المنشود فدونه ملايير الأنملات. ..................... ذكرتني كلمة السيد النائب بشبان في بعض الأحياء.. يفطرون في محلبة الحي بالخبز و«الطون والحرور والموناضا الكحلة»، وهم يعتبرون ذلك أكثر من موضة، وأقرب ما يكون إلى مواكبة عصر التطور، تطور يعكسه «قلب الكاسكيطا» وتدخين «طابا جون»، وخيوط الهاتف النقال تتدلى من الأذنين تتسرب عبرها أغنية هندية لا يفهم ما تقوله، ما أهمية أن يفهم إذا كان على «درب التقدم» بشهادة مذيع القناة الأولى؟! فكأن زمن الفطور بخبز الدار بالزبدة البلدية و«زيت العود» قد ولى إلى غير رجعة؛ وكأنهم هم قد تطورت أحوالهم فتقدموا إلى مستوى «الموناضا الكحلة» (لهلا يكحلها على مسلم)؛ وكأن تدلي خيوط الهاتف من الأذنين يجعل صاحبه يعيش في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. ..................... شخصيا، لا أستطيع أن أحدد كم عقودا، أو قرونا، تلزمني لبلوغ مطلع القرن الواحد والعشرين، في مركزه لا في ضواحي ضواحيه. ..................... وددت لو أتاحت لي نشرة البرلمان فرصة الرد، كنت سألت النائب: هل اقتراحه من بنات أفكاره، أم هو بإيعاز من جهة «تسعى إلى المصلحة العامة»، فاعلة خير، لا غير. وللقارئ أن يتصور كيف يكون التقدم ب.. «الطون والحرور».