سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زين الدين: المستجدات الأخيرة حول قضية الصحراء كرست حالة الشرود السياسي للأحزاب أستاذ العلوم السياسية أكد أن الحكومة قدمت مخططا تشريعيا طموحا لكن المقاربة التشاركية غابت خلال تنزيله
أكد محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، في هذا الحوار، أنه في الوقت الذي كانت تعرف فيه قضية الصحراء المغربية منعطفا خطيرا من خلال طرح مناورة توسيع صلاحيات «المينورسو» لتشمل حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية؛ كانت الأحزاب السياسية تخوض نقاشا «بوليميكيا عقيما» حول قضايا شخصية بين مكونات الأغلبية الحكومية، فيما كان من المفروض على هذه الأحزاب القيام بالتعبئة الوطنية وتقديم مقترحات عملية قصد الدفع قدما بضرورة تنزيل مشروع الجهوية الموسعة، لكن هذه الأحزاب دخلت في نقاش سياسي فارغ المحتوى. - ما هي الأسباب التي تقف وراء حالة العجز الحكومي عن تنزيل القوانين التنظيمية، خاصة تلك المرتبطة بالجماعات المحلية والجهوية؟ هناك جملة من العوامل الذاتية والموضوعية التي تقف وراء العجز الحكومي في عملية أجرأة القوانين التنظيمية، صحيح أن الحكومة قدمت، في هذا الصدد، مخططا تشريعيا طموحا، كالقانون التنظيمي المتعلق بالجهوية الموسعة والقانون التنظيمي المنظم لسير أشغال الحكومة والقانون التنظيمي المتعلق بتنفيذ الطابع الرسمي للأمازيغية والقانون التنظيمي المتعلق بكيفية تقديم المواطنين للعرائض الدستورية إلى السلطات العمومية والقانون التنظيمي المتعلق بكيفية وشروط ممارسة الإضراب، إلى غيرها من القوانين التنظيمية المؤسسة، إلا أنه بالرغم من هذا المجهود التشريعي فإن مسألة تنزيل القوانين التنظيمية على أرض الواقع غابت عنها المقاربة التشاركية بين الأغلبية والمعارضة؛ وهنا لا ينبغي أن نحتكم إلى منطق أغلبية في مواجهة معارضة، بل ينبغي إعمال المقاربة التشاركية على اعتبار أن الأمر يتعلق بقوانين مؤسسة ومهيكلة سترهن المغرب لسنوات طويلة، فقد تتبعنا كيف صادرت الحكومة حق بعض الفرق البرلمانية المعارضة في التقدم بمسودات مقترحات قوانين، كحالة تقدم الفريق البرلماني للاتحاد الاشتراكي بمسودة مقترح قانون حول الحق في الوصول إلى المعلومة، لكن الحكومة رفضته بدعوى حساسية هذه القوانين الإستراتيجية. الأمر نفسه ستتعرض له مبادرة فريق التجمع الوطني للأحرار؛ فيما كان من المجدي منح نواب المعارضة إمكانية التقدم بهذه المقترحات لاعتبارات متعددة، أولها أن هذه القوانين لا تشمل اختصاصات الحكومة فقط، بل هي قوانين مؤسسة تهم المجتمع برمته، وثانيها أن مبادرة بعض أحزاب المعارضة كان ينبغي تثمينها وليس وأدها لأن ما نؤاخذ عليه الفرق البرلمانية هو ضعفها الملحوظ على المستوى التشريعي؛ فكان من الأولى للحكومة أن تشجع هذه الفرق على إنجاح مبادرتها في التقدم بمقترحات قوانين، وليس العكس. في المقابل ينبغي على فرق المعارضة داخل البرلمان أن تقوم بتسهيل مهمة الحكومة في المصادقة على هذه القوانين المؤسسة. ومن جهة أخرى، فإن أول التحديات التي ستواجهها هذه الحكومة تتمثل في المنهجية التي على ضوئها ستتم مناقشة هذه القوانين، بحيث يتطلب الأمر تدبيرا ديمقراطيا تشاركيا بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، وليس فقط بين الأغلبية والمعارضة على اعتبار أن إنزال هذه القوانين المؤسسة معناه بداية الشروع في تنزيل مقتضيات الدستور، وبذلك يتطلب الأمر فتح نقاش وطني واسع حولها خصوصا القوانين التنظيمية المهيكلة كمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهوية الموسعة. كما أن المؤسسة التشريعية كان ينبغي عليها أن تساهم في صياغة هذه القوانين بالنظر إلى طبيعة الاختصاصات التي منحها دستور 2011 للبرلمان خصوصا على مستوى توسيع مجال القانون، ومع ذلك يبقى عمل البرلمان في هذا المجال جد محدود، بالرغم من بعض المبادرات التي أقدمت عليها بعض الفرق البرلمانية، لكن ظل الغائب الأكبر عنها هو عنصر الاحترافية في صياغة مثل هذه القوانين؛ وبالتالي حينما خرجت إلى حيز الوجود اعترتها العديد من الانتقادات الموضوعية؛ وهذا يترجم في العمق أزمة النخب البرلمانية في المغرب، مثلما نسجل غياب اتفاق قبلي بين المؤسسة الحكومية والبرلمان أثناء صياغة المخطط التشريعي؛ كما أن هذا المخطط لم يتم الاتفاق حول مضامينه داخل مكونات الأغلبية نفسها. علاوة على ذلك، هناك عامل آخر يتجلى في غياب برنامج زمني محدد ودقيق في المناقشة والمصادقة على هذا المخطط، فحتى لو افترضنا جدلا بأنه ستتم المصادقة على مختلف هذه القوانين فإن السؤال الذي ينبغي لنا طرحه هو كيف سيتم تمرير قوانين ذات صبغة هيكلية دفعة واحدة أمام البرلمان، ذلك أن هذا النوع من القوانين يحتاج إلى جهد تشريعي دقيق وعميق ومضبوط زمنيا، إذ من المعروف في أدبيات القانون الدستوري أن تنزيل القوانين التنظيمية أصعب بكثير من صياغة وتنزيل مقتضيات الدستور نفسه، بالرغم من أن الحكومة ملزمة دستوريا بضرورة أجرأة مختلف هذه القوانين خلال الولاية التشريعية الحالية إعمالا لمقتضيات الفصل 86 من الدستور، وأي تجاوز لهذه الولاية معناه خرق لمقتضيات الدستور، ومما يزيد الطين بلة هو تلك الصراعات الحزبية الحاصلة بين مكونات الأغلبية الحكومية التي تعرقل العمل التشريعي في العمق. - هل من شأن الصراعات الحزبية داخل مكونات الأغلبية الحكومية أن تطيل من أمد الشلل الذي تعيشه الحكومة؟ الصراعات الحزبية الحاصلة بين مكونات الأغلبية الحكومية تشكل جانبا من حالة الانحسار السياسي التي تعيشها هذه الحكومة، لكن لا ينبغي أن ننسى طبيعة الظرفية السياسية والاقتصادية المتأزمة التي أتت في ظلها هذه الحكومة، والتي أثرت بشكل كبير على مردوديتها. - ألا تعتقدون أن التجاذبات الحزبية داخل الأغلبية الحكومية ترهن مصير المغرب، خاصة أن ملف الجهة والجهوية مرتبط بقضية الصحراء؟ لقد كرست المستجدات السياسية الأخيرة حول قضية الصحراء المغربية استمرار حالة الشرود السياسي للأحزاب السياسية المغربية في تعاطيها مع القضايا الوطنية؛ ففي الوقت الذي كانت تعرف فيه قضية الصحراء المغربية منعطفا خطيرا من خلال طرح مناورة توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية؛ كانت الأحزاب السياسية تخوض نقاشا «بوليميكيا عقيما» حول قضايا شخصية بين مكونات الأغلبية الحكومية، فيما كان من المفروض على هذه الأحزاب القيام بالتعبئة الوطنية وتقديم مقترحات عملية قصد الدفع قدما بضرورة تنزيل مشروع الجهوية الموسعة، لكن هذه الأحزاب دخلت في نقاش سياسي فارغ المحتوى. أضف إلى ذلك أن هذه الأحزاب ليس لديها ما تقدمه كقوة اقتراحية، لا على مستوى التنظير ولا على مستوى نخبها الجهوية؛ فلنفترض أن المغرب سيسرع الوتيرة من أجل إعمال مشروع الجهوية الموسعة، لكن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هنا هو هل نتوفر على نخب حزبية جهوية قادرة على إعمال جهوية متقدمة؟ - ما هي انعكاسات هذا التأخير الكبير في تنزيل القوانين التنظيمية على مستوى الحكومة أولا، وعلى مستوى الأحزاب ثانيا، وثالثا على مستوى الرأي العام؟ تنزيل القوانين التنظيمية ليس مسألة تقنية صرفة، بل الأمر يرتبط بتوجه استراتيجي عميق اختطته السلطة السياسية في إطار تفاعلها مع تداعيات الربيع العربي عبر أجندة إصلاحية شمولية؛ ومن ثم فالأمر يفترض ضرورة مواصلة هذا العمل؛ وإلا اعتبر تراجعا عن تطبيق مقتضيات هذه الأجندة؛ فالقوى السياسية الدولية التي ثمنت مسار التحول الديمقراطي الذي اختطه المغرب نظرت إليه من هذه الزاوية، وبالتالي حينما دعا الاتحاد الأوروبي مؤخرا إلى ضرورة تسريع وتيرة تنزيل القوانين التنظيمية على أرض الواقع كان يدرك طبيعة هذه الدعوة لأن الأمر يتعلق بأوراش هيكلية كإصلاح العدالة وتحقيق المناصفة بين الجنسين، كما أن تنزيل هذه القوانين يعتبر من أبرز المؤشرات السياسية الدالة لقياس الأداء الحكومي؛ فيحكم لها أو عليها بمدى احترامها لمقتضيات الوثيقة الدستورية. - هناك من يدفع في اتجاه تغيير الأغلبية من أجل الخروج من هذا المأزق أو اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها، ما تعليقكم على ذلك؟ السؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو ما هو البديل في حالة خروج حزب الاستقلال من الحكومة؟ فمن المستبعد جدا دخول الاتحاد الاشتراكي لأسباب ذاتية وموضوعية متعلقة بهذا الحزب، أما باقي أحزاب المعارضة فاستبعادها مسألة مطروحة بشدة اللهم إذا استثنينا حزب الاتحاد الدستوري لكن انضمامه لن يمكن هذه الحكومة من تحقيق أغلبية مريحة، أما اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها فذلك أمر مستبعد ليس فقط للاعتبارات التقنية بل أيضا لاعتبارات سياسية؛ ذلك أن الرابح الأكبر من إجراء هذه الانتخابات سيكون هو حزب العدالة والتنمية لأن الانتخابات الجزئية الأخيرة أظهرت عدم تآكل شرعيته؛ فيما سيكون المتضرر الأكبر هو حزب الاستقلال؛ وبالتالي لا يعدو أن يكون الأمر نوعا من المزايدات السياسية ليس إلا.