هل يستحضر المغاربة، عندما يتحدّثون عن النقابة «الأم»، والمقصود بها «الاتحاد المغربي للشغل»، التي تأسّست في 20 مارس 1955، أنّ العمل النقابي في المغرب شبيهٌ بتلك الأمّ التي كانت تحضن أبناءها، من عمال وقطاعات نقابية، قبل أن تُدخل عليهم رجلا غريبا، قد يكون هو «البيروقراطيّ» الذي تقاعد عن العمل، ويصرّ على التحكم في العمال كأب متسلط؟.. وقد يكون «الانتهازي» الذي لم يعقد على الزوجة -الأم إلا للاستيلاء على إرث أبنائها وتشريدهم؟.. لا يخفى على العديدين أنّ الحركة الوطنية المغربية عرفت منعطفا مُهمّا في مسارها ب«فضل» اغتيال الزّعيم النقابي التونسي فرحات حشاد في دجنبر 1952، حيث أصبح الدّم المغربي يهون أمام المطالبة جهرا بالكرامة وجلاء المُستعمِر الغاشم، كما لا يخفى أنّ عددا من المقاومين الذين ارتبط اسمهم بالكفاح، بالسياسة والسلاح، بدأوا حياتهم عمالا، مثل الزّرقطوني والفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي وغيرهم. وما حدث داخل الأحزاب السياسية المغربية من انشقاقات وتطاحنات عرفته النقابات بشكل أكبر وأفظع: صراعات ذاتية أنانية لتكريس الشّخص ضدّا على الجماعة والفكرة والمبدأ.. اختلاسات بالملايير، خدمة أجندة أطراف سياسية وسلطوية، التعالي على العمال وإهانتهم. تحوُّل «البيروقراطيات» النقابية إلى باطرونا.. استباحة كل شيء، باستثناء خدمة الطبقة العاملة في الترقي والكرامة... ما بين سنة 1955، تاريخ تأسيس أول نقابة، و1960، تاريخ أول انشقاق، عرف الاتحاد المغربي للشغل تدخّل عدة أيادٍ أرادت أن تجعل من العمال طابورا أصمَّ أبكم يصفق لاختيارات أهمّها سياسي وأسوؤها سلطويّ بالمعنى السيئ، الذي كان يخطط له الجنرال أوفقير والمستشار الملكي أحمد رضا اكديرة، ومن سار في فلكهما.. ففي سنة 1959، وهي السنة التي سينشقّ فيها رفاق المهدي بنبركة عن حزب علال الفاسي، سوف يقف المحجوب بن الصديق، الزّعيم «الضّرورة» للاتحاد المغربي للشغل، خاطبا في جمهور العمال، بمناسبة المؤتمر الثاني للنقابة، قائلا: «إنّ العمل النقابي لا علاقة له بالشّعوذة والدّيماغوجية والكذب وليس، أبدا، وسيلة لتحقيق المطالب الشخصية».. وأضاف بن الصّديق، الذي كان عاملا في السكك الحديدية قائلا: «إنّ العمل النقابيّ هو المرادف للنضال المعقول والصّبور ولعدم البحث عن منافع، وهو كذلك الالتزام الشّريف بالتحرّك من أجل خدمة مصالح الطبقة العاملة فقط».. بعد سنة من ذلك، سوف يؤسس حزب الاستقلال نقابة الاتحاد العامّ للشغالين بالمغرب، وتجدون ضمن هذا الملف رواية تنشَر لأول مرة بخط يد أول أمين عامّ لهذه النقابة، أمين هاشم، ينفي فيها أنْ يكون تأسيس ال«UGTM» قد تمّ بإيعاز من الدولة، بل يؤكد أنّ المحجوب بن الصديق هو الذي رفض عودة الاستقلاليين إلى نقابته.. بعد ذلك بسنوات قليلة، سوف يُرخي المحجوب بظله على النقابة، إلى درجة أصبح معها من «يجرؤ» على مُجرّد مناقشة «المحجوب» في مالية أو تسيير النقابة مآله هو الطّرد، إن لم يكن العنف والتنكيل.. فبعد المؤتمر الثاني بسنتين، وبالضبط في دجنبر 1961، كتب عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق يقول: «اختطِفتُ من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية.. هذه الأخيرة قرّرت العملية عندما اقتنعتْ بأنّ الإضراب فعليّ. كان لا بُدّ لها من مسؤول. رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق.. وكان لي شرف هذا الاختيار... فباسم الطبقة العاملة تعرّضتُ، في واضحة النهار، للاستفزاز من طرف مسؤولين في الاتحاد المغربي للشّغل، أمام أنظار حرّاسه وحياد مُتواطئ من طرف الشّرطة، وتعرّضتُ للضرب واللكم ونُقلتُ إلى قبو.. تعرّضتُ في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت كثيرا وحشية ما تعرّضت له في السنة الماضية، لأنّ الأمر في المرة الأولى كان مُجرّد تهديد».. لقد كانت هذه المُمارَسات العنيفة والإقصائية هي الدافع إلى تأسيس الاتحاديين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في 1978.. وفي سنة 1992 تم اعتقال زعيم الكونفدرالية، محمد نوبير الأموي، بناء على حوار أجراه مع جريدة «الباييس» الاسبانية قام فيها باتهام الحكومة بالعديد من التهم. عن ذلك يحكي المحامي زيان ل«المساء» ان الحسن الثاني قال له، عن طريق أحمد رضا اكديرة، «الأموي يلا كان كذاب وقليل الترابي، يمشي فين يتربا. فهل استطاع الحزب المؤسّس والنقابة المنبثقة عنه تحصين نفسها من تدخل الدولة وهل استطاعت تجاوُزَ سلوكات البيروقراطية؟ هل استطاعوا حسمَ جدلية السياسي والنقابي لفائدة النقابي؟ أم إنّ السياسة «ساسَت» كلَّ شيء؟.. هذا ما سنعرفه في هذا الملف.