لم تكن علامات الخوف بادية على المشتبه فيه، وبدا مقتنعا بتحقيق انتقامه من عشيقته حين كانت تقتاده عناصر الفرقة الجنائية مكبل اليدين نحو محكمة الاستئناف بمدينة سطات، لم يكن يظن أن يد المحققين سوف تطاله حين خطط لقتل عشيقته والانتقال لتنفيذ جريمته من مدينة بنسليمان إلى مدينة سطات بعد أن غادر الثكنة العسكرية حيث يعمل وسجل حضوره بعد تأدية تحية العلم. وعند لقائه الضحية، وبعد نقاش دار بينهما تشبثت الهالكة بفكرة انفصالها عنه والارتباط بغيره، شرع في توجيه طعنات قاتلة إليها وتركها مضرجة في دمائها بحقل زراعي بين حي التنمية وحي علوان بسطات وتخلص من السكين أداة الجريمة، وولى عائدا نحو الثكنة العسكرية، دون أن يثير الانتباه، لكن الأبحاث التقنية والميدانية التي باشرتها الفرقة الجنائية بسطات مكنت في آخر المطاف من فك لغز الجريمة التي هزت مشاعر المواطنين بالمدينة. بعد إشعارها باكتشاف جثة فتاة في مقتبل العمر من طرف راع قرب حي علوان، انتقلت عناصر الفرقة الجنائية بالمصلحة الولائية بسطات مرفوقة بأفراد من فرقة مسرح الجريمة إلى مكان تواجد جثة الضحية، والتي تم العثور عليها جالسة على ركبتيها, وفي أنحاء مختلفة من جسمها عوينت عدة طعنات، وبعد تقليب الجثة على ظهرها عاينت عناصر الشرطة أنها بدأت في التعفن على مستوى العنق، لتباشر بعدها عملية مسح للمكان أسفرت عن العثور على حقيبتها اليدوية وبعض أغراضها الشخصية، وتمكنت فرقة مسرح الجريمة من حجز شعيرتين وجدتا عالقتين بيدها اليمنى، بعد ذلك تم نقل الجثة إلى مستودع الأموات بمستشفى الحسن الثاني بسطات، وبعد تجريدها من ملابسها تمت معاينة 18 طعنة غائرة في الظهر والصدر والمؤخرة والعنق، وتم رفع عينة من لعابها وبعض المحجوزات التي وجدت بمكان مسرح الجريمة وإرسالها إلى مختبر الشرطة العلمية بالبيضاء من أجل إجراء خبرة عليها، كما تم تزويد الجهات المختصة بالأرقام الهاتفية المتعلقة بالهالكة قصد تحديد هويات أصحابها. تحديد هوية الهالكة تبين بعد تحديد هوية الضحية أن الأمر يتعلق بفتاة كانت موضوع بحث لفائدة العائلة تقدمت به والدتها، والتي أشعرت عناصر الأمن بأن ابنتها التي تعمل بشركة إنتاج الأسلاك الكهربائية بمدينة برشيد لم تلتحق بالبيت، مضيفة أنها سألت عنها إحدى صديقاتها في العمل فأكدت لها أن المختفية عادت إلى مدينة سطات وترجلت من حافلة نقل العمال قرب مصحة الضمان الاجتماعي دون أن تلتحق بالمنزل، ولما حاولت الأم الاتصال بابنتها عبر هاتفها النقال وجدته مغلقا. خيط أول باشر المحققون التحقيق في القضية بالاستماع إلى محيط الهالكة، والذي أسفر عن اكتشاف خيط يتعلق بأن الضحية كانت على علاقة مع مخزني منذ ما يزيد عن السنة غير أن ابنتها لم تعد تستلطفه لقبح خلقه وخلقته، وحاولت الابتعاد عنه مشعرة إياه بأنها ارتبطت بغيره، وهو الشيء الذي لم يستسغه المخزني الذي راح يهددها بالقتل إن هي رفضت الارتباط به. ولم تنكر الأم أن ابنتها أشعرتها في أحد الأيام بأنها تعرفت على أحد الأشخاص يعمل بعمالة سطات ويتمتع بحسن الخلق وينوي الزواج منها. تحريات الضابطة القضائية خلصت إلى أن الضحية كانت لها علاقة بشخص يعمل كمخزني بثكنة القوات المساعدة بسطات، انتقل مؤخرا للعمل بمدينة بنسليمان والذي كان كثير الاتصال بالهالكة، التي أبانت خلال الفترة الأخيرة عن نيتها في فض العلاقة بينها وبين المخزني، مدعية أنها خطبت لابن خالتها وقامت بخدش رجولته في إحدى مكالماتها الهاتفية وأنه غير كامل الرجولة الشيء الذي جعل المخزني في إحدى مكالماته يهدد بذبحها إن هي ارتبطت بغيره. خيط ثان الخبرة المجراة على الهاتف النقال الخاص بالهالكة كشفت أن الهالكة كانت تتوصل برسائل نصية من أحد الأرقام الهاتفية تبين أنه يخص الشخص الثاني الذي ربط علاقة بالهالكة والذي يعمل بعمالة سطات، والذي نفى أن تكون له أي علاقة بوفاتها، مفيدا المحققين أن خليلته كانت تربطها علاقة سابقة بمخزني، ليتم بعدها أخذ عينة من لعابه وخصلة من شعره من أجل خبرة عليها، استمر بحث المحققين ليتبين أن رقم هاتف الضحية كان يستقبل مكالمات في أوقات مختلفة من رقمين هاتفيين آخرين أحدهما مسجل في اسم فتاة وتبين بعد البحث معهما أن الرقمين لا يخصانهما ونفيا معرفتهما بالهالكة. لغز محير وقف المحققون مشدوهين أمام تلاشي الخيوط التي كان من المفترض أن تفك طلاسم الجريمة وتكشف عن هوية مستعمل الهاتف أمام عدم تحيين معطيات منخرطي شبكة الاتصالات المعنية أو تسجيلها باسم مجهول، أمام هذا العائق لم يكن أمام المحققين سوى الاستعانة بالمعطيات والحقائق التقنية التي كشفت أن مستعمل الرقم الهاتفي كان يوم اختفاء الضحية قد سلك مسار مدن بنسليمان الدارالبيضاءبرشيدوسطات ورصده اللاقط الهوائي لشارع الكولونيل صلاح الدين بسطات هو وهاتف الهالكة معا في مكان واحد، وظل بمكان الحادث قرابة ساعتين، ليتم رصده، فيما بعد، وفي نفس اليوم، يعود قاطعا نفس المسار نحو مدينة بنسليمان دون أن يغادرها، فيما ظل هاتف الهالكة مرصودا بنفس المكان، آنذاك علم المحققون أن أبحاثهم الميدانية توافق الأبحاث التقنية بأن الهالكة كانت تربطها علاقة بالمخزني الذي انتقل للعمل من مدينة سطات إلى مدينة بنسليمان، وأن الأبحاث المختلفة صبت في اتجاه أن المشتبه فيه يوجد بمدينة بنسليمان. بصيص أمل إلى مدينة بنسليمان انتقل المحققون، وبعد تنسيق مع الشرطة القضائية بالمدينة تم القيام بأبحاث وتحريات همت الشق التقني، أسفرت عن التوصل إلى مستعمل رقم هاتفي كان يتصل بالرقم المذكور في مناسبتين حين كان في طريق العودة إلى مدينة بنسليمان يوم اختفاء الضحية، والذي تم نصب كمين له وتم استدراجه فتبين أنه مخزني يعمل بمدرسة تكوين الأطر للقوات المساعدة ببنسليمان، وأسفر البحث مع المعني بالأمر عن أن الشخص الذي اتصل به يوم اختفاء الضحية كان أحد زملائه الذي كان بعيدا عن المدينة وطلب منه إشعار زميل آخر بأن ينوب عنه في الحراسة إلى حين وصوله إلى الثكنة. توقيف المخزني القاتل أعطيت التعليمات بتوقيف المخزني والاستماع إليه، وتركز البحث معه حول برنامجه الزمني يوم اختفاء الضحية، فنفى مغادرته للثكنة، مؤكدا أنه لم يغادرها طوال اليوم، ولما تمت مواجهته بالقرائن والأدلة التقنية ونتائج الأبحاث الميدانية التي خلص إليها المحققون، والتي بوشرت بمحيط الهالكة وبشهادة زميله المخزني ومحاصرته بالأسئلة، أفاد أنه تعرف على الهالكة وربط معها علاقة عاطفية، لكن في الأيام الأخيرة توترت العلاقة بينهما حيث أضحت المعنية بالأمر لا تستحمله وبدأت تسبه وتشتمه، وخلال بعض المكالمات الهاتفية خدشته في رجولته مشعرة إياه بكونها صرفت النظر عنه وأنها ارتبطت بشخص غيره أكثر وسامة. لم يستسغ المخزني العاشق كلام محبوبته فعقد العزم على الانتقام منها، ولتنفيذ ذلك أقنع الضحية بضرورة عقد لقاء بمدينة سطات لتسوية خلافاتهما بأسلوب غلب عليه التهديد بعد أن هددها بنشر صور لها على الأنترنت، لم تجد الضحية بدا من تلبية طلب المخزني الذي اختار مكانا خلاء لهذا اللقاء قرب حي التنمية، ويوم الحادث غادر المخزني الثكنة العسكرية متجها نحو مدينة سطات متحوزا سكينا متوسط الحجم عاقدا العزم على تصفية خليلته، استقل القطار المتوجه نحو عاصمة الشاوية، وقصد مكان اللقاء وغير بعيد عن المحكمة الابتدائية التقى الضحية ومن هناك قصد الاثنان مكانا خاليا يوجد بين حي التنمية وحي علوان، وخلال حديثهما تشبثت الضحية بفكرة الانفصال عن المخزني والارتباط بغيره وقامت باستفزازه بتوجيه السب والشتم إليه، لم يجد المخزني لحظتها بدا غير استلال سكينه وتوجيه مجموعة من الطعنات للضحية في أنحاء مختلفة من جسمها إلى أن خارت قواها وسقطت جثة هامدة في حقل زراعي، وتخلص من السكين أداة الجريمة، واستقل سيارة أجرة وعاد أدراجه نحو مدينة بنسليمان وولج الثكنة العسكرية ظنا منه أنه بعد اقتراف جريمته سيبقى بعيدا عن يد المحققين، خاصة أن الجاني كان قد وقع على حضوره أثناء تأدية تحية العلم صبيحة يوم الحادث بمدرسة تكوين الأطر للقوات المساعدة ببنسليمان، لكن المحققين تمكنوا في ظرف وجيز من الوصول إليه رغم كل ذلك، حيث باشر المحققون تفتيشا بداخل مقر إقامة المخزني تم خلاله جمع كل أغراضه، والتي وضعت رهن إشارة فرقة مسرح الجريمة ومنها ملابسه التي كان يرتديها وقت اقترافه للفعل الإجرامي، لتتم إحالتها على المختبر الوطني للشرطة العلمية بالبيضاء قصد إجراء خبرة عليها، وخلال البحث تم العثور بحوزته على بطاقة بنكية ورخصة سياقة أجنبية أفاد في شأنها أنه عثر عليها في حافظة بمدينة تطوان أثناء وجوده بمهمة عمل، كما تم العثور على خاتم نسائي بحوزته أفاد أنه يخص الضحية، اقتيد المخزني بعدها صوب ولاية أمن سطات ووضع رهن تدابير الحراسة النظرية، وبعد انتهاء التحقيق معه أحيل على أنظار الوكيل العام للملك لدى استئنافية مدينة سطات، والذي أحاله بدوره على محكمة العدل العسكري بالرباط للاختصاص، ليودع بعدها بسجن الزاكي في انتظار بدء محاكمته.