منذ سنوات وشركتا «ألستوم» و»جنرال إيليكتريك» تستفيدان، من بين شركات أجنبية أخرى، من تسهيلات توفرها لهما السلطات العليا بالجزائر. وإذا كانت يد العدالة لم تستطع أن تصل بعد إلى شكيب خليل، وزير الطاقة السابق، فإن مصادرنا تعتقد أن السبب في ذلك راجع إلى التخوف من أن يقدم الرجل على كشف المستور المفضي إلى توريط شقيق ومستشار الرئيس بوتفليقة. فالجزائر لم يسبق لها أن هُددت في وجودها، كما اليوم، بسبب مدخولها من البترول، ذلك أن المصالح السياسوية والرشوة مع سوء التدبير، انتهت جميعها برمي البلد بين أحضان القوة الاستعمارية السابقة وأحضان الولاياتالمتحدةالأمريكية، اللتان هيمنتا بكيفية شبه مطلقة على القطاعين الاستراتيجيين الأكثر حساسية في البلد، وهما النقل والطاقة. فالمجموعة الفرنسية «ألستوم» استحوذت على نصيب الأسد من البنيات التحتية المتعلقة بالنقل كمترو الجزائر الذي جهزته وستستغله لمدة عشر سنوات، بعدما أسندت إدارته للشركة الفرنسية RATP التي تتكلف كذلك بإدارة مطار الجزائر. كما أن نفس الشركة «ألستوم» استفادت أيضا من صفقات التراموي والتليفيريك والقطارات السريعة، مما جعلها تبسط يدها على قطاع النقل برمته. والجدير بالذكر أن هذه المجموعة كانت تتخبط خلال سنة 2000 في أزمة اقتصادية خانقة فرضت عليها تسريح العديد من عمالها في أوروبا. وحسب بعض الأخصائيين، فإن هذه الصفقات التي حصلت عليها في الجزائر، هي بمثابة نفس هائل من الأوكسجين ضخ في رئتيها وأنقذها بأعجوبة من الاختناق. والسؤال الذي يطرح اليوم نفسه بإلحاح هو: كيف لهذه الشركة أن تسيطر على كل هذه الصفقات في قطاع النقل، في الوقت الذي كانت فيه وضعيتها المالية في أسفل سافلين؟ المسألة في غاية البساطة، إذا ما علمنا بأن ممثلها في الجزائر العاصمة، لم يكن سوى إطارا من أصل جزائري يشتغل في المصلحة التجارية للسفارة الفرنسية ويتوفر على شبكة هائلة من العلاقات والمعارف، نسجها بفضل تدخله المتكرر لمصلحة بعض المسؤولين والشخصيات النافذة للحصول على التأشيرة. وهذا بالذات ما حذا بشركة «ألستوم» أن تجعل منه مديرا لها في العاصمة. سنوات بعد ذلك، نودي على الإطار المعلوم ليلتحق بفرنسا للاستفادة من ترقية، إلا أنه أعرض عنها ورجع إلى الجزائر حينما عرضت عليه شركة «جنرال إلكتريك» إدارة مكتبها في الجزائر. ومن البديهي أن تلك الشركة الأمريكية لم يكن يهمها في الأصل سوى شبكة المعارف الواسعة، التي يتوفر عليها الرجل، والتي راهنت عليها لخدمة مصالحها. ولم يكن تقديرها خاطئا بعدما هيمنت على تسعين في المائة من سوق المحركات في الجزائر. وهنا يؤكد الملاحظون أن الأثمنة التي فرضتها على الدولة هي أثمنة باهظة جدا، بالنظر إلى أن محطة للطاقة من فئة 1000 ميكاواط لا تزيد تكلفتها على مليار دولار، وهو ما أكده أخيرا وزير الطاقة يوسف يوسفي، بينما ادعت الشركة إنشاء المحطة الكهربائية لكدية الدراوش ذات ال1200 ميكاواط بتكلفة قدرها ملياران وثلاث مئة دولار. والمثير للاستغراب هو أن عرضها لم يكن بعيدا عن عرض شركة «ألستوم» (2،2 مليار دولار)، التي تكفلت بدورها بإنشاء محطة «تركة» بعين تاموشنت. فهل حصل اتفاق سري في هذا الشأن بين الشركتين، علما بأنهما كانتا قد رفضتا تخفيض عرضهما تماشيا مع ما أرادته مؤسسة «سونيلكاز»؟ لا أحد يعلم. ما هو مؤكد تأكيدا تاما، هو أن المحطتين ذواتي ال1000 ميكاواط لكل واحدة منهما، تطلبتا من الدولة تكلفة قدرت ب 5،5 مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أنه في هذه الفترة بالذات، أنجزت الشركة الكندية «SNC Lavalin» محطة بنفس القيمة في تيبسة بمبلغ 826 مليون دولار، وفي شهر أكتوبر من السنة المنفرطة، أنجزت شركة «داي وو» الكورية الجنوبية محطة بنفس الحجم في رأس دجينت ب 910 مليون دولار. بل أكثر من ذلك، فقد استفادت شركة «جنرال إليكتريك» الأمريكية في شهر مارس الأخير من صفقة تموين ست محطات كهربائية جديدة تقدر طاقتها ب 8400 ميكاواط، وتدخل ضمن التصميم الاستعجالي لتعزيز قدرة الجزائر في ميدان الطاقة ما بين 2015 و2017، وذلك بتكلفة 2،7 مليار دولار. وللإشارة، فإن المجموعة الأمريكية لا تتكفل سوى بعملية تموين المحطات مع الالتزام بإنشاء معمل للمحركات «لا تتعدى تكلفته 80 مليون دولار»، يقول محدثونا، الذين يضيفون بأن «جنرال إليكتريك» «قد استحوذت على الحصة العظمى وأصبحت فعلا الممون الرئيسي للمحطات الكهربائية في الجزائر». وبما أنها مجرد ممون، فإن المشروع لا يمكنه أن ينطلق، إذ ينبغي لأجل تحقيق ذلك، انتظار أن تختار «سونيلكاز» المؤسسات المكلفة بدمج التجهيزات وبناء المحطات، إلا أن المصنعين المعروفين بتفويض أشغال كهاته لشركات أخرى، أبدوا نوعا من الفتور والإعراض، مما جعل الساحة لا تخلو إلا من الأتراك والصينيين والكوريين الجنوبيين الذين أصبحوا يشكلون واجهة لإقامة مشاريع ضخمة هي في منتهى التعقيد. والتخوف الذي يطغى الآن على الجميع، هو أن تكون كل هذه الصفقات قد أسندت لشركات ليس لها ما يكفي من الكفاءة لإنجاز كل هذه المشاريع الضخمة. إذن، لم الخوض في مثل هذه المخاطرة والكل يدرك أن هذه المجموعة الصناعية غير قادرة، ليس فقط على إنشاء البنيات التحتية، وإنما كذلك على دراستها، علما بأن هذه المهمة الأخيرة هي عنصر دقيق له غاية الأهمية في المشروع ككل؟ «هل فكر المسؤولون مليا في مصلحة الجزائر لما وضعوا جميع هذه المحطات الكهربائية تحت رحمة مقاولة واحدة؟»، يتساءل الأخصائيون الذين تحاورنا معهم. «أما يكون تقسيم تلك الصفقة على مرحلتين هو مجرد وسيلة للتغطية على تكلفة ضُخمت ونُفخ فيها لحاجة في نفس يعقوب؟» فحسب مصادرنا، فإنه من العبث التساؤل حول عدم تخوف وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، من العدالة رغم الشكوك التي تحوم حوله والتسريبات الخطيرة التي تدينه. هل يخشى المسؤولون إن قدموه للعدالة أن يورطوا معه سعيد بوتفليقة، مستشار وشقيق الرئيس الجزائري؟ «إن لهذه الصفقات من الضخامة والأهمية ما يستحيل على العقل أن يتصور بأن قرار إبرامها يرجع إلى الوزير وحده». فشركتا «ألستوم» و«جنرال إيليكتريك» لجأتا إلى التفويض لربح صفقات المحطات الكهربائية في تركة وكدية الدرويش، وقد قامتا من أجل ذلك بعروض مهمة جدا، إلا أنه تبين بعد ذلك أن إرادة خفية كانت وراء التشبث بهما، وقد طُلب منهما أن يخفضا من قيمة التكلفة التي فرضتاها إلا أنهما رفضتا ذلك كليا. ورغم ذلك، ربحت كل واحدة منهما صفقة إنشاء محطة. «ألستوم» تكفلت بإنجاز محطة «تركة» بتكلفة قدرها 2،2 مليار دولار في حيز زمني قدره 45 شهرا، و»جنرال إلكتريك» تكفلت بإنشاء محطة «كدية الدرويش» بغلاف قدره 2،3 مليار دولار في ظرف 48،5 شهرا. أكثر من ذلك، بما أن هاتين الشركتين ليستا متخصصتين في التصنيع، فإنهما فوضتا من يقوم بذلك عنهما. وهكذا، إذا كانت «جنرال إيلكتريك» قد فوضت أمر إنشاء محطة «كدية الدرويش» لشركة «إيبيردرولا» الإسبانية، فإن «ألستوم» فوضت بدورها إنشاء محطة «تركة» ل«أوراسكوم كنستروكشن» المصرية. واختيار هذه الشركة الأخيرة لم يكن بمحض الصدفة، نظرا لأنها كانت مدعومة في تلك الفترة من طرف الرئيس الجزائري نفسه ومن طرف شقيقه سعيد بوتفليقة. وإذا كان شكيب خليل يعيش الآن مطمئن النفس رغم التهم العديدة الموجهة إليه، فإن ذلك راجع بكل بساطة إلى عدم انفراده بأخذ قرارات الصفقات. «المقررون الآخرون يقبعون في أعلى هرم الدولة بعدما رهنوا مصير الوطن للفرنسيين والأمريكيين محاولين بذلك شراء رضاهم». ولهذا، فإن مساءلة وزير الطاقة السابق تعني نشر كل الغسيل الوسخ المحيط بالرئيس تحت أشعة الشمس، سيما وأن بعضهم لا يتردد منذ الآن في الدعاية لولاية رابعة، في الوقت الذي تروج فيه أخبار تقول بأن أخ الرئيس قد أنشأ حزبا جديدا تأهبا للاستحقاقات الرئاسية المقبلة. وهنا يبدو بجلاء أن «شكيب خليل، وزير الطاقة السابق، هو مجرد شجرة ينبغي حمايتها لكي تستمر في حجب الغابة، أو لنقل بالأحرى، حاشية الرئيس»، يعلق محاورونا. عن: جريدة «الوطن»
ويكيليكس: إخوة بوتفليقة وراء تفشي الفساد في الجزائر كشفت وثائق دبلوماسية أمريكية نشرها موقع «ويكيليكس» عبر جريدة «الباييس» عن فحوى محادثات جمعت بين السفير الأمريكي بالجزائر وصحفيين بالجزائر، حول فشل نظام الحكم فى الجزائر وتفشى الفساد في البلد، حتى وصل إلى أشقاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وبهذا الخصوص، قال بيرنارد باخوليه، السفير الفرنسي في الجزائر، لنظيره الأمريكي روبرت فورد، إن «الفساد بلغ مستوى متقدما، ووصل إلى إخوة بوتفليقة المتورطين في فضيحة فساد فى بنك خليفة. وتعيش الجزائر، منذ بداية الألفية الجديدة، قضايا فساد كبرى طفت على السطح، ولعل أكبر فضيحة كشفت بعض المستور في دهاليز الفساد في الدولة الجزائرية هي فضيحة ما بات يعرف ببنك خليفة، وإفلاس هذا الأخير وضياع أكثر من ملياري دولار على الدولة. لكن الفضائح لم تتوقف عند هذا الحد فحسب، حيث أبانت التحريات استغلال رفيق عبد المؤمن خليفة علاقات كبرى مع كبار السياسيين والنافذين في الجزائر، أبرزها علاقته مع شقيقي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سعيد وعبد الغني، حيث كان أحد أشقاء الرئيس الجزائري يحصل شهريا على نصف مليون دينار جزائري من عبد المومن خليفة لتسهيل صفقاته، زيادة على حصوله على فيلا فخمة تصل قيمتها لمليارين من السنتيمات، مقابل تدليل العقبات لخليفة في استثماراته وعقوده المشبوهة. كما موّل خليفة شقة لشقيق بوتفليقة الآخر، المسمى عبد الغني، وصلت قيمتها إلى 1.5 مليون أورو. كما تبين أيضا أن الرئيس الجزائري نفسه طلب من خليفة التكفل بمصاريف مغنية تسمى أمل وهبي حصلت على شيكين ضخمين، كما ساهم خليفة في التستر على ملف فضيحة كادت أن تعصف بالرئيس بوتفليقة نفسه، وذلك بكبح ملف علاقة الرئيس مع عشيقته الفرنسية، التي كادت أن تفجر أزمة أخلاقية في الجزائر تجعل سمعة الرئاسة في الحضيض. كما يدخل في القضية نفسها جنرالات كبار في الجيش ومسؤولين طبخوا عدة صفقات بعيدا عن القوانين الجاري بها العمل، سواء مع إمبراطورية خليفة أو مع شركات غربية متعددة. اليوم، مازالت المحاكم الجزائرية تنظر في بعض فصول هذه الفضيحة، التي سمتها الصحف الجزائرية بفضيحة القرن، والتي أسقطت لحد الآن مائة وأربعة متهمين، مع العلم أن المتهم الرئيسي في القضية، وهو عبد المومن خليفة، يوجد في بريطانيا وترفض السلطات هناك إلى حد الساعة تقديمه للجزائر، وهذا أمر أيضا فيه الكثير من التسييس، لأن تقديم خليفة للعدالة سيجعله يفصح عن رؤوس كثيرة قد تسقط، ومن بينها رأس عبد العزيز بوتفليقة، حيث سيبدأ التساؤل عن 4.5 مليار دولار، التي نهبت من المال العام، لذا فالسلطات الجزائرية غير مستعجلة في الضغط على بريطانيا لتسليم عبد المومن خليفة، بل تريد إنهاء هذه القضية بأقل الخسائر والفضائح الممكنة.