تخلد الشغيلة التعليمية غدا (الأربعاء) عيدها الأممي للشغل، الذي يعدّ مناسبة سنوية تمكنها من الوقوف لحظة لتقييم القضايا المطروحة في القطاع، والمطالبة بالاستجابة للعالق منها. كما تعدّ المحطة مناسبة للوزارة والشّركاء الاجتماعيين للتمعن في وتيرة الأداء في قطاع حساس كقطاع التعليم، الذي يضمّ أكبر عدد من موظفي الوظيفة العمومية. وبدا من خلال النداءات الموجهة بالمناسبة أنّ فاتح ماي لهذه السنة سيكون مناسبة للمطالبة بإصلاح شامل للنظام الأساسيّ وبحماية الحريات النقابية وبإصلاح حقيقيّ لمنظومة التربية والتكوين. غدا، يخرج الآلاف من موظفي وزارة التربية الوطنية، إلى جانب الآلاف من إخوانهم العاملين في قطاعات عمومية أخرى والأجَراء العاملين في القطاع الخاص، إلى شوارع الرباط والدار البيضاء ومدن أخرى في مسيرات، يبدو أنها ستكون بطعم «استعراض العضلات» وإثبات القوة والتواجد، وستكون بنفحات سياسية، سواء من جانب النقابات المحسوبة على أحزاب المعارضة أو الأذرع النقابية لبعض الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، بعد أن أصرّت بعض النقابات على تعبئة كافة الأطراف المحسوبة عليها تنظيميا أو المساندة لها من أجل المشاركة المكثفة في المسيرات المنظمة، سواء كانت نقابية أو حزبية أوشبابية أو أذرعا جمعوية... وستراهن مسيرات فاتح ماي لهذه السنة -بالدرجة الأولى- على تبادل الرسائل بين من يهمّهم الأمر، سواء من القائمين على الشأن التعليمي أو الأطراف الحكومية. وإلى جانب مسيرتَي الرباط والدار البيضاء، اللتين ستخطفان الأضواء، سيضطرّ عدد من الموظفين والأجَراء إلى «الركون» أمام أبواب مقرات النقابات «للاحتفال» بعيدا عن أجواء المسيرات الحاشدة لأسباب متعددة، وعلى رأسها البعد الجغرافي. وككل سنة، يطرح السؤال البديهي حول مطالب نساء ورجال التعليم، التي في إمكانها أن ترفع حرارة الشعارات التي تضمها لافتات فاتح ماي السنوية أو النداءات الموجَّهة، بالخصوص، إلى موظفي قطاع التربية والتكوين.. فمن خلال تتبع مضامين نداءات النقابات بمناسبة عيد الشغل نجد أنّ بعض النقابات لا تجد حرجا في الإقرار ببعض القضايا التي تم تجاوزها في قطاع التعليم، مع استمرارها في التعبير عن تشبثها بتنفيذ المطالب التي ما زالت عالقة، إذ تعترف تلك النقابات بتنفيذ مقتضيات مجموعة من النقاط التي تضمّنها اتفاق 26 أبريل لسنة 2011، كالرفع من حصيص الترقي والزيادة في الأجور ب600 درهم صافية وتسقيف سنوات الترقي إلى الدرجة الموالية، بهدف القضاء التدريجي على السُّلم التاسع وضمان الترقية للجميع بعد تسقيف سنوات الانتظار بالنسبة إلى منتظري الترقية وتنفيذ العمل بالمادة ال109 لتغيير الإطار، وتعديل بعض الإجراءات المتعلقة باجتياز الامتحانات المهنية، كالسماح للإداريين بالامتحان في تخصّصهم وتسريع وتيرة الإعلان عن نتائج تلك الامتحانات.. كما لا تجد بعض النقابات حرجا في تثمين عدد من القرارات التي اتخذها وزير التربية الوطنية منذ توليه مسؤولية تدبير القطاع، كمنع نساء ورجال التعليم من العمل في االقطاع الخاص إلا وفق الضوابط القانونية التي تسمح بذلك، وكشف لوائح المحتلين للسكن الوظيفي ولوائح الموظفين الأشباح والموضوعين رهن إشارة العشرات من الجمعيات، الحقيقية منها والوهمية، أو التي لم تجدد هياكلها منذ سنوات، رغم ما خلفته تلك اللوائح من ردود أفعال بعد الأخطاء التي تضمنتها، وهي الأخطاء التي اعتذر عنها وزير التربية الوطنية واعتبرها فرصة قادته إلى اكتشاف المزيد من الأشباح الذين وعد بنشر أسمائهم في لوائح جديدة في القادم من الأيام. وتضمّنت بعض النداءات الموجّهة لنساء ورجال التعليم بمناسبة عيد الشغل، «المطالبة بإصلاح شامل وعميق لمنظومة التربية والتكوين، عبر فتح حوار وطني حول قضية التعليم وتحديد مسؤولية الإخفاقات المتتالية». كما تجمع النقابات بالمناسبة على ضرورة الاستجابة لمختلف مطالب الفئات التعليمية التي ما زالت عالقة، كملف الدكاترة العاملين في القطاع المدرسي وحاملي شهادات الماستر والإجازة، الذين مازالوا يطالبون بتسوية أوضاعهم. وتوحّدت النقابات حول مطلب المراجعة الشاملة للنظام الأساسي لنساء ورجال التعليم، على أن يكون عادلا ومنصفا لكافة فئات القطاع، وعلى الالتزام بتنفيذ النقاط المتبقية من اتفاق 26 أبريل والعودة إلى طاولة الحوار القطاعي، لتدارس القضايا المتعلقة بموظفي وزارة التربية الوطنية، وعلى رأسها إخراج الدرجة الجديدة إلى حيز الوجود والإفراج عن تعويضات العمل في العالم القروي، والنهوض بالخدمات الاجتماعية التعاضدية وتحريك عجلة مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لنساء ورجال التعليم المتوقفة، وتدارس مشاكل الفئات المُحتجّة التي شكلت تنسيقيات وعصبا وسكرتاريات.. لطرح مشاكلها. واعتبرت بعض النقابات مسيرات فاتح ماي مناسبة للمطالبة بالإفراج عن نتائج الافتحاص المالي الخاص بالبرنامج الاستعجالي وتقديم المُتورّطين في ملفات الفساد إلى القضاء، والأكيد أنّ الأصوات سترتفع بقوة للمطالبة بعدم التضييق على العمل النقابي وحماية الحق في الإضراب وباقي الحقوق النقابية المؤطَّرة دستوريا، ورفض لجوء الحكومة إلى الاقتطاع «غير القانوني» من أجور المُضربين. ويبقى فاتح ماي مناسبة حقيقية لتقييم الأداء بقطاع التربية والتكوين بكل موضوعية وتجرّد، وبعيدا عن كل المزايدات السياسية أو السياسوية، سواء من جانب الشركاء النقابيين أو من جانب المسؤولين عن أي قطاع. وعلى كل طرف أن يقتنع بأنّ سياسات شد الحبل والتحدّيات ورفع سقف العناد لن يجلب إلى القطاع سوى مزيد من الاحتقان والتشنج. كما يجب أن تكون هذه المحطة مناسبة لمحاسبة الذات والاعتراف بالأخطاء في حال ارتكابها وإعادة النظر فيها، بذل نهج سياسة الهروب إلى الأمام، التي لن تؤتيّ أكلها، فإذا كانت الوزارة واثقة من قراراتها وتستمدّ شرعيتها من دعم رئيس الحكومة وجهات أخرى، فإنّ على المسؤولين وأصحاب الشرعية في هذه المناسبة استحضارُ المعاناة اليومية للآلاف من نساء ورجال التعليم الذين يتفانَوْن في أداء عملهم ويعملون كل ما في وسعهم من أجل الوصول إلى حجرات الدراسة وتعليم أبناء المغاربة بكل نكران للذات وفي أصعب المناطق القروية النائية.. أما معاملة الجميع بمنطق «حوتة وْحدة تخنّز شْواري» فهو أمرٌ لن يجلب على القطاع سوى مزيد من الاحتقان والتتّوتّر، هو في غنى عنهما.