أسئلة لمحاولة الفهم: هل ثمة «تحول» في الموقف الامريكي ؟ الجواب: نعم ولا. نعم على المستوى التاكتيكي التدبيري والظرفي.. ولا، على الصعيد الاستراتيجي. ذلك لأن كل المعطيات تؤكد ذلك. -1 منذ ضغطت أمريكا على المغرب لتدويل القضية وإبعادها عن محيطها الإقليمي-العربي والإسلامي. أضحت بذلك ورقة في يدها عن طريق مجلس الأمن. تحركها أو تجمدها حسب الظرف وحسب المصلحة... وهذا بالمناسبة هو سر التحفظ بل والرفض الاتحادي حينها(عبد الرحيم بوعبيد) -2 منذ ذلك الوقت، استثمرت امريكا المسألة في ابتزاز مزدوج لإدارتي الدولتين من جهة، والاستنزاف السياسي والحقوقي لأوربا وتعميق تناقضاتها (فرنسا-إسبانيا) وصفقات التسليح للبلدين، بما فيها غير المباشرة (عن طريق تركيا للجزائر) وكذلك الدعم المغربي للإسلاميين الجزائريين والعكس....الخ، فضلا عن دور المغرب في تسويق «التطبيع» مع الصهيونية و«السلام» مع الكيان الغاصب. وذلك دون مقابل في الصحراء حسب الوعد الأمريكي – الصهيوني الكاذب؟ -3 تعطيل الاستغلال الأمثل لثروات الصحراء من قبل المغرب... لإضعافه من جهة، وأيضا لاستمرار تحكمها في التقسيم الدولي لأسواق العمل الذي تشرف عليه وتتحكم فيه لمصلحتها. -4 لا يمكن لأمريكا أن تسمح لبلد ثالثي عربي ومسلم.. أن تكون له ثلاثة آلاف وخمسمائة كلم شواطئ، ومتصل بإفريقيا جنوب الصحراء مباشرة...إلخ.خاصة وأن البلد له تاريخ إمبراطوري متميز وذلك منذ تأسيسه كدولة. وإذا كان حكامه اليوم موالين، فحتمية المسار الديمقراطي ستسمح بأمرين: أ-حكام جدد قد يكونون مختلفين وربما مقاومين. ب-تقدم اقتصادي-اجتماعي منافس لهم، نظرا لتوفر المؤهلات والموارد. -5 إن الاتجاه العام لأمريكا هو تفكيك الكيانات والدول واستضعافها بما في ذلك في أوربا نفسها (يوغوسلافيا) فما بالك بغيرها (أفغانستان-الصومال-العراق..إلخ) -6 تعتبر جبهة بوليزاريو حركة «التحرير» الوحيدة التي تعترف بها أمريكا، وتسمح لها بوجود سياسي وإعلامي في أراضيها(؟!) -7 لو كانت لأمريكا إرادة سياسية حقيقية لحل المشكل... لأنجزت ذلك منذ وضع بين يديها عن طريق مجلس الأمن الذي كانت تتحكم في قراراته بشكل مطلق. الخلاصة: لم تكن أمريكا مضطرة تكتيكيا للإفصاح عن نواياها الحقيقية مادام هنالك آخرون ينوبون عنها في ذلك (إسبانيا-الجزائر...) وهذا هو الجديد اليوم. 2 - هل هو موقف جديد حقا ؟ إعلاميا وفي الظاهر، نعم. أما الحقيقة التي يعرفها المسؤولون والمتابعون وطنيا وعالميا، فتؤكد أن ثمة ما لا يحصى من القرائن والإشارات التي تؤكد أن حبكة مخيم «اكديم ايزيك» الجزائرية... كانت بتنسيق مع أمريكا. أ-لقد استخلصت الإدارة الجزائرية منذ زمن، أنها انهزمت في المسألة على جميع المستويات:عسكريا بالجدران / اقتصاديا بالتنمية / اجتماعيا بالاندماج المتواصل/ ودبلوماسيا، خصوصا بعد حكومة 1998... فلم يبق أمامها كمدخل سوى ثغرة ما يسمى بهتانا ب»حقوق الإنسان» والقوانين الدولية التي ترعاها. ب-لقد بلغت منافسات وصراعات الحرسين القديم والجديد في إدارة الدولة..عندنا درجة سيكون من الغباء عدم استغلالها من قبل الخصوم والأعداء... وللأسف فلقد كان ظهورها وانفجارها في الجنوب أوضح وأفضح... وذلك منذ الإشارات والتصرفات المشبوهة للوزير الأسبق في الداخلية (البصري) في الموضوع، بل وفي الصحراء نفسها. ت-لم تكن ظاهرة استيراد المخيمات بالمئات ولا شراء الأسلحة البيضاء وقناني الغاز الصغيرة في الصحراء بالأمر الذي يخفى على عيون السلطات فضلا عن النزوح والهجرة الجماعية للساكنة نحو المخيم. ما كان خفيا هو معرفة المقاصد من كل ذلك خاصة من قبل السلطات المحلية الفاسدة و/أو الملغومة.. والمتنازعة على النفوذ والغنيمة.. فضلا عن ذلك. ث-بكفاءة وطنية وبمساعدة أوروبية، تم اكتشاف المخطط ووقع إجهاضه لذلك، خاصة وأن الأجهزة الأمنية، كانت مطلعة مسبقا على تجربة أمريكا اللاتينية في (السلفادور) فضلا عن تجاربهم (أمريكا) الأخرى الأنجح في أوروبا الشرقية،حيث وظفت تحركات مدنية، سلمية وحقوقية مدبرة...لتحقيق أهداف سياسية انقلابية أو انفصالية-تقسيمية(تشيكوسلوفاكيا). كان المخطط هو تتويج الاعتصام بتظاهرة في محيط المخيم، يدفع إلى تصدرها النساء والأطفال ثم يعمد مندسون (=بلطجة) إلى تفجير القناني وذبح وجرح «ضحايا» من المواطنين (=الصحراويين) وتنطلق عالميا ضجة إعلامية (تلفزية /اسبانية) تظهر «جرائم» السلطة المغربية في صور مفبركة سلفا (بثت بعضها التلفزة الإسبانية نقلا عن جرائم إسرائيل في لبنان.). ثم تتم الدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، يطرح فيه قرار توسيع صلاحيات المينورسو، لتشمل موضوع «حقوق الإنسان» الصحراوي المنتهكة، وتحرج لذلك فرنسا، فلا تستطيع استعمال حق النقض، تماما كما صنع لاحقا لروسيا والصين في الإخراج اللاحق لنفس السيناريو في ليبيا. ولم ينجح لذلك لاحقا في سوريا. ج-تمكن الأمن من اكتشاف الخيم المخصصة لتخزين القناني والأسلحة البيضاء (من بين الآلاف) وأفرغها من مخزونها وعندما أمرت السلطة قوات الأمن بالهجوم على المخيم لتفكيكه، قررت أن يتم ذلك دون ان يكونوا مسلحين. ولذلك أسقط في أيدي الانفصاليين المندسين، حين لم يجدوا سلاحا يستعملونه.. فاستعملوا السيارات في الدهس والحرق في العيون... وبذلك انقلب السحر على الساحر وخسر الخصوم والأعداء الأموال والجهد والزمن... وفشل المخطط ظرفيا وتأجل إعادة إنتاجه زمنا. ح-ولأن السياسة العامة الخارجية لإدارة الدولة المغربية تقتضي عدم الاصطدام مع القوة الامبريالية الأمريكية، ولأنها أبدا تحتمي بفرنسا وتتوسل مع أمريكا بتوسط الأشقاء في الخليج والأخوة اليهود والأصدقاء في «اللوبيات» الأمريكية... ولأنها لا تستطيع الكشف عن تناقضاتها الفاضحة والانتهازية في الإدارتين المركزية والمحلية.. فلقد حولت الموضوع إعلاميا إلى صراع بين حزبين؟ والحال أنه في الصحراء لا يوجد إلا حزبان: الإدارة من جهة، بأسماء حزبية متعددة والانفصاليون(؟!) خلاصة: الإخراج الحقوقي-المدني الذي فشل في الصحراء بسبب الدعم الامني الأوروبي للمغرب، هو نفسه الذي استنسخ بنجاح نسبي وربما مؤقت في كثير من ساحات «الربيع العربي». 3. هل الموقف الامريكي سيادي، أم هو فقط انعكاس لتانقضات في الادارة الامريكية؟ سنغض النظر عن كثير من الظواهر والقرائن، لأنها للأسف موضوع خلاف داخلي، (ولا أقول وطني)، وهو ما ينعكس عن المنافسة الامريكية بل وصراعها ضدا على النفوذ الاوروبي في المغرب وما تعتبره احتكارا اوروبيا لأسواقه(فرنسا-اسبانيا-ألمانيا) في سياق ذلك، تسربت (أمريكا) وما تزال الى قطاع الصحافة وعموم ما يسمى بالمجتمع «المدني» وأدخلت أصابعها في تحريف حركة 20 فبراير قبل انسحابها المفاجئ من دعمها(موقف الجزيرة) وذلك حالما استجيب لمطالبها في الدستور(الحكامة) أو بعض القطاعات الانتاجية(الزيوت-بيمو....واخيرا السكر) وذلك في انتظار التصريح لبنوكها «الاسلامية»(مؤقتا وانتقاليا يقع الحديث عن سندات وصكوك اسلامية) والبقية آتية لا شك فيها. نكتفي لذلك عند حالة الوسيط «الأممي» (=الامريكي) روس. لقد تيقظت السلطات العليا وأرهفت دبلوماسيتنا قرون استشعارها ...فاكتشفت لذلك ما كان مكشوفا إلا على أعمى البصيرة.لم تعد تقارير روس واتصالاته..»محايدة» ولا ملتزمة بحدود مهمته،بل أضحت منحازة..عندئد اتخذ المغرب الموقف الوطني الوحيد المطلوب ألا وهوم الطعن في صدقية «الوسيط»، والمطالبة من تم بتغييره، كان القرار سياديا فأوقف المهزلة وارتبكت امريكا. هذا الحدث يعتبر أهم حجة على الذين يحاولون إرجاع الموقف الامريكي الى: تناقضات في صفوف الحزب الديموقراطي/ب التصرف الشخصي للمندوبة الامريكية رايس/ت التغيير في الادارة الامريكية بذهاب كلينتون ومجيئ كيري بديلا عنها. جديد الموقف إذن هو في طابع الاستعجال في تنفيذ المخطط وليس في تغيير الموقف. ما يؤكد سوء القصد الأمريكي لاحقا، هو تشبث الإدارة الأمريكية باستمرار روس في مهمته، وذلك بتبريرات أكثرها غير مقنع، والضغط من أجل ذلك بالاتصال بالسلطة العليا المغربية للتراجع عن القرار وذلك عن طريق تطمينها الذي اتضح اليوم أنه كان خادعا. إن ما يرجح هذا الطرح أكثر، أن الأمريكيين نصحونا بالتعجيل في تنفيذ اتفاقية باريس وذلك بتأسيس مجلس وطني لحقوق الانسان يعوض الاستشاري ويوفر استقلالية وصلاحيات وحضور اقليمي...يمكن المغرب الدبلوماسي من الدفع بعدم الحاجة الى توسيع صلاحيات المينورسو ما دامت هناك مؤسسة مدنية مختصة في الموضوع تحترم «المعايير الدولية»، ذلك كان قبيل اجتماع مجلس الأمن حول الموضوع واحتمال طرح مسألة حقوق الانسان في الصحراء (2011). يجب الانتباه أيضا الى هذا التلازم في التوقيت بين الموقف الامريكي «المفاجئ» وبين الأزمة المالية الطارئة على الاقتصاد الوطني. فهل بين الحدثين علاقة؟ خاصة وأن مفاتيح اقتصاديات السوق المعولم تتحكم فيها المصارف والأبناك الأمريكية التي تتلاعب باقتصاديات دول عظمى، وأحرى حالتنا، قرينة ذلك المشابهة ما تعانيه دول مثل مصر وتونس والاردن في هذا الصدد والابتزاز الذي يمارس عليهم امريكيا من خلال ذلك. إن رأس المال الخاص هش وجبان وشائعة منظمة واحدة، قد تدفع به ليس فحسب للإحجام عن الاستثمار ...بل بسحب ودائعه من الأبناك وحتى تهريبها خارج اوطانها الاصلية ودعم اقتصادياتهم المنهارة...(امريكا) وهذا جزئيا ما يحصل مغربيا وعربيا اليوم. ولا أستبعد أخيرا أن يكون عنصر المفاجأة والاستعجال مرتبطا بالحرب المفتوحة على الجبهة السورية، والموقف المغربي القريب نسبيا من «النأي بالنفس» في المنظور الأمريكي، والحال أنهم لا يقبلون منا غير الانخراط الكلي على النمط الخليجي، المغرب يصر على الاحتفاظ ب«سلفييه» في السجون ويمتنع بذلك عن إطلاق سراحهم وبالتالي التحاقهم للقتل والتدريب في سوريا كما قامت بذلك كل من تونس (النهضة) وليبيا في صفقة تسلمهما للحكم والذي أشرفت قطر على إنجازها بين الطرفين «الاسلامي» والأمريكي.