توقعت المندوبية السامية للتخطيط، قبل حوالي 6 أشهر، أن يدعم الطلب الداخلي نمو الاقتصاد المغربي في عام 2013، موضحة أن مساهمته في الناتج الداخلي الإجمالي ستنتقل إلى 6.3 نقط العام القادم عوض3.5 نقطة المرتقب تسجيلها في سنة 2012. وعزت المندوبية في تقريرها حول «الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة «2013 دينامية الطلب الداخلي، الذي سيرتفع ب5.4 في المائة بدل 3.1 في المائة العام المنصرم، إلى انتعاش الاستثمار الإجمالي وتعزيز استهلاك الأسر، لكن يبدو أن تباطؤ الطلب الداخلي في الفصل الأول من 2013، كما نشرت ذلك المندوبية السامية للتخطيط بداية هذا الأسبوع، وتراجع حجم الاستثمارات العمومية خلال هذه السنة والإصلاح المرتقب لصندوق المقاصة، سيكون له انعكاس سلبي على استهلاك الأسر. واصل استهلاك الأسر تباطؤه في الفصل الأول 2013، متأثرا بارتفاع أسعار الاستهلاك بنسبة 2,4 في المائة، وكذلك انخفاض تحويلات المغاربة القاطنين في الخارج بنسبة 3,8 في المائة. وقد تراجعت نفقات الأسر من السلع المصنعة قليلا، حيث انخفضت الواردات من السلع الاستهلاكية بنسبة 5,4 في المائة، حسب نشرة موجز الظرفية لشهر أبريل التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط. كما تأثر الطلب على المواد الغذائية من ارتفاع أسعارها ب3,4 في المائة، عوض0,9 في المائة في العام السابق .وعموما، تتوقع المندوبية أن يحقق استهلاك الأسر نموا يقدر ب2,8 في المائة في الفصل الأول. فيما ينتظر أن يشهد تحسنا طفيفا في معدل نموه خلال الفصل الثاني، ليصل إلى حوالي3,5 في المائة، حسب التغير السنوي، بفضل التحسن المتوقع في المداخيل الفلاحية. نمو الطلب الداخلي رهين بتحسين القدرة الشرائية يرى العديد من الباحثين الاقتصاديين أن توفر الطلب الداخلي والنهوض به وارتفاع مساهمته في النمو والتنمية رهين بشرطين أساسين، هما تحسين القدرة الشرائية، من جهة، ورفع القدرة التنافسية للعرض الداخلي، من جهة أخرى، حتى لا يحل محله العرض الخارجي في تلبية هذا الطلب، لاسيما أن المغرب وقع عدة معاهدات لتحرير السوق الداخلية في وجه التجارة العالمية، حيث يرى الأستاذ الباحث في الاقتصاد، العربي مهين، أن انتعاش الطلب الداخلي يمر عبر الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، وتحسين مستوى المعيشة، مؤكدا أن العمل على خلق طبقة وسطى يعد أمرا ضروريا للرفع من وتيرة التنمية وإنتاج الثروة، كما أن الحكامة الجيدة في توزيع هذه الثروة للرفع من مستوى الدخل المتوسط للمغاربة، خاصة الفئات المعوزة، أخذا في الاعتبار الجانب الجبائي، وضرورة توفير مخزون احتياطي لتأمين حاجات الاستهلاك، ومراجعة منظومة الأسعار ونظام المقاصة، هو ضمان لاستقرار الاقتصاد، يضيف مهين. ويعد نمو وتطور الطلب الداخلي ظاهرة إيجابية، ما في ذلك شك، إذ أن الطلب الداخلي هو رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية، وإذا كانت النظريات الاقتصادية، لاسيما النيوكلاسيكية منها، اعتبرت، إلى حدود منتصف القرن العشرين، أن الإنتاج هو الأساس، أي أن «المنتوج هو الذي يخلق طلبه»، فإن الطلب هو الذي يحدد العرض كما وكيفا، فلا يغامر المنتج باستثماره إلا إذا تحقق من وجود سوق كافية، وبقدر ما يكون الطلب متوفرا يكون المستثمرون مؤهلين للمغامرة بأموالهم لتحقيق المزيد من الاستثمار والإنتاج، وبالتالي الرفع من وتيرة التنمية الاقتصادية وخلق فرص للشغل. كما أن التحكم في ارتفاع الأسعار ومستوى المعيشة وضبط التضخم يساهم في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، ومحاربة الفقر، وتخفيف بعض المصاريف، التي تشكل عبئا على ميزانية الأسر المغربية. كما أن تكريس قواعد المنافسة من أجل حماية المستهلك، وتوجيه الإنتاج والتسويق نحو التنوع والجودة وانخفاض الأسعار، يحمي القدرة الشرائية للمواطنين. وفي هذا الإطار يجب الحرص على التفعيل الإيجابي لقانون حماية المستهلك، وتفعيل مجلس المنافسة حتى يتسنى له القيام بالدور المنوط به، الهادف إلى تعزيز التنافسية الشريفة والحد من كل الممارسات المنافية لها. ارتفاع أسعار الاستهلاك واصلت أسعار الاستهلاك اتجاهها التصاعدي، خلال الفصل الأول 2013، لكن بوتيرة أقل مما كانت عليه في الفصل السابق، حيث ارتفعت بنسبة 0,4 في المائة، حسب التغير الفصلي ودون الآثار الموسمية، بعد زيادة قدرها 0,6 في المائة. ويعزى هذا التباطؤ بالأساس، حسب المندوبية السامية للتخطيط، إلى تراجع أسعار المواد الغذائية) 0,4+ في المائة عوض+1,1 في المائة( بفضل انخفاض أسعار المواد الغذائية الطرية، وخاصة الخضر. أما أسعار المواد غير الغذائية، فقد ارتفعت ب0,5 في المائة، حسب التغير الفصلي ودون الآثار الموسمية. ويتوقع أن تواصل ارتفاعها بوتيرة أقل (+0,4 في المائة) خلال الفصل الثاني 2013، مقابل تسارع وتيرة أسعار المواد الغذائية +1,7) في المائة)، ليصل معدل التضخم الفصلي إلى 1 في المائة. وفي نفس السياق، تابع معدل التضخم الكامن تصاعده خلال الفصل الأول 2013، محققا زيادة قدرها 0,9 في المائة، حسب التغير الفصلي، بعد زيادة 0,6 في المائة، في الفصل الذي قبله. ويعزى هذا التطور بالأساس إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية غير الطرية، وبصفة أقل، أسعار المواد المصنعة والخدمات. المجلس الاقتصادي يدق ناقوس الخطر في تقرير سابق أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن الاقتصاد المغربي تمكن من تحقيق نمو بنسبة 5 في المائة خلال سنة 2011، بدعم كبير من الطلب الداخلي. وأوضح التقرير أن تحقيق هذه النسبة في النمو يعود إلى الطلب الداخلي٬ لاسيما استهلاك الأسر الذي «عرف تقدما قدره 6.5 في المائة وساهم في النمو الإجمالي بنسبة 3.7 في المائة»٬ مؤكدا أن السيطرة على التضخم٬ الذي يشكل إسهاما أساسيا في حماية القدرة الشرائية٬ تم بفضل «دعم الأسعار وسياسة نقدية صارمة». في المقابل٬ سجل التقرير أن التدابير الموازية التي اعتمدتها الحكومة لاستقرار أسعار المواد الأساسية٬ بالرغم من الارتفاع الهائل للأسعار الدولية للنفط والمواد الأولية٬ وكذا الزيادة الشاملة للأجور في القطاع العام٬ وإعادة تقييم الحد الأدنى للأجور والرواتب التقاعدية٬ والإعلان عن تعيينات للعاطلين من حملة الشهادات في الوظيفة العمومية٬ وإن كان قد أسهم في الحفاظ على السلم الاجتماعي في سياق عالمي مأزوم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا٬ فقد أثر على عجز الميزانية الذي بلغ مستوى 6,1 في المائة٬ وهو عجز يصعب٬ حسب التقرير٬ تحمله على المدى الطويل. ولم يفت المصدر ذاته الإشارة٬ في هذا السياق٬ إلى «عدم الكفاية في استهداف نفقات صندوق المقاصة وزيادتها حدود هذا الجهاز في ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية والفاعلية الاقتصادية»٬ ملمحا، بهذا الخصوص٬ إلى ضرورة التفكير في دوره المستقبلي. الاستثمارات العمومية واستهلاك الأسر إذا لم يكن هناك رابط مباشر بين القرار الحكومي القاضي بتجميد 15 مليار درهم كانت مخصصة للاستثمارات العمومية خلال 2013، وما بين استهلاك الأسر، فإن الانعكاس غير المباشر يطفو إلى السطح، إذا ما علمنا أن أكثر المتضررين من قرار الحكومة بتجميد 15 مليار درهم من الاستثمار العمومي هي المقاولات المغربية، التي ستجد نفسها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، ومن أجل وقف النزيف ستكون هذه المقاولات مجبرة على التضحية بالعمال والأجراء، وفي أفضل الأحوال التقليص من ساعات العمل، مما سيهدد القدرة الشرائية لآلاف الأجراء، وبالتالي تدهور استهلاك العديد من الأسر المغربية التي سترى مصدر رزقها مهددا بالتوقف. كما يؤكد المحللون على التأكيد بأن قرار التقليص ستكون له انعكاسات كارثية خلال السنوات المقبلة، ما لم تتدارك الحكومة هذا النقص. ويرى عبد السلام الصديقي، أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن هناك عدة إجراءات يمكن للحكومة أن تتخذها لحل الأزمة الحالية، يأتي على رأسها التعجيل بإصلاح صندوق المقاصة، مع مراعاة عدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين، إضافة إلى إجراءات من قبيل الحد من استيراد المواد غير الأساسية، والتي تدخل في إطار البذخ الاجتماعي ولا تمثل أي ضرورة، سواء بالنسبة للاستثمار العمومي أو للمستهلك المغربي، وهو ما يعني أنه على الحكومة أن تتخذ تدابير احترازية دون أن تسقط في السياسة الحمائية من أجل حماية تنافسية الاقتصاد الوطني، وفق ما تنص عليه مقتضيات المنظمة العالمية للتجارة، التي تسمح لبلد معين يعيش وضعية اقتصادية صعبة وفترة حرجة فيما يخص ميزان الأداءات، باللجوء إلى مثل هذه الإجراءات.
لطفي: حذف صندوق المقاصة سيزيد الطين بلة حذر علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، من انعكاسات حذف محتمل لصندوق المقاصة، والذي قد يؤزم القدرة الشرائية للطبقتين الاجتماعيتين المتوسطة والفقيرة ويعمق العجز الاجتماعي بالبلاد .وأضاف أنه «يتعين على الحكومة أن تتبنى مقاربة تشاركية وشمولية دون أن تطال القدرة الشرائية للمواطن.» وأكد خبراء اقتصاديون خلال ندوة نظمتها مؤخرا المنظمة الديمقراطية للشغل حول موضوع «صندوق المقاصة بين الحفاظ على المكتسبات وتحديات الإصلاح « أن إصلاح صندوق المقاصة يتعين أن يستهدف الأغنياء لا الفقراء، من خلال «سياسة ضريبية صارمة وحازمة «، داعين إلى إجراء إصلاح خاص بالمغرب في استقلال عن التجارب الدولية. ودعا الأستاذ الجامعي عبد السلام الصديقي، في مداخلته، إلى استهداف الطبقات الغنية من خلال اعتماد إصلاح ضريبي بمعدلات تضريبية «مرتفعة جدا» على السلع الباذخة والسيارات ذات الاستهلاك المرتفع للوقود، قصد عدم تشجيع أي سلوك يمكن اعتباره مفرطا ويؤثر سلبا على الموارد المالية لصندوق المقاصة. وحذر الصديقي من العبء المالي «المرتفع جدا»، الذي يمكن أن يترتب عن الاستهداف المباشر للطبقات المعوزة. من جانبه، أعرب المقاول فوزي الشعبي عن أسفه للممارسات السلبية المرتبطة بالتهرب الضريبي والاحتكار الذي تمارسه بعض الشركات في السوق المغربية، والذي يضر بالتنافسية الوطنية، مؤكدا على ضرورة مراجعة مفكر فيها للنظام الضريبي الحالي.وتساءل الشعبي: «هل من المنطقي أن تبلغ الحقوق الجمركية المفروضة على الشاي، المادة الأساسية والمستهلكة على نطاق واسع من طرف المغاربة، 46 بالمائة، في الوقت الذي لا تتجاوز الضريبة المفروضة على السيارات الفاخرة 35 بالمائة». من جهته، أكد الاقتصادي مصطفى بنعلي الحاجة الملحة لعقلنة النفقات العمومية قصد ضمان نجاعة الإصلاح، مبرزا المضاعفات السلبية التي يمكن أن تترتب عن إصلاح يستهدف الطبقتين المتوسطة والفقيرة، وخاصة في سياق الأزمة الاقتصادية الدولية.