قرأنا على صفحات الجرائد الوطنية أن الحكومة المغربية أقدمت على تجميد 15 مليار درهم من الميزانية المخصصة للاستثمار برسم سنة 2013، الشيء الذي دفعنا تلقائيا إلى طرح السؤال حول جدوائية هذا القرار، أو بمعنى آخر ما الذي سيستفيده المواطن من هذا القرار؟ والى أي حد سيساهم هذا القرار إلى جانب القرارات «الحكيمة» التي انهالت بها هذه الحكومة على القدرة الشرائية للمغاربة من قبيل الزيادة في المحروقات والزيادة في بعض أثمان المواد الحيوية وغيرها من القرارات( ناهيك عن بعض القرارات التي لم يحصل بشأنها اتفاق بين مكونات الأغلبية الحكومية) التي تجعلنا نثير من جديد الانتباه إلى بعض الأمور المتعلقة بالتوجه الغامض الذي تسير فيه هذه الحكومة. وتبريرا منها لهذا القرار حاولت الحكومة على لسان وزيرها المكلف بالميزانية الاعتماد على خطاب كلاسيكي وتقليدي متمثل في تخفيض عجز الميزانية ومحاولة ترشيد النفقات في إطار ما أسماه السيد الوزير بالحكامة المالية، هذا المصطلح الذي أصبح يستنجد به كل من انتهج اختيارات تقشفية غير ذات نجاعة اقتصادية وليس لها أي تأثير إيجابي لا على النمو ولا على التنمية الاقتصادية، بل يمكن أن تفقد الاقتصاد مناعته وقوته وصلابته، وبالتالي تتخذ مثل هذه القرارات تحت يافطة الحكامة، التي أصبحت مشجبا لتعليق القرارات غير الموفقة عليها. كما برر السيد الوزير هذا القرار بضخامة المبلغ المخصص للتجهيز بالنظر إلى المبالغ المرحلة من السنوات الفارطة والتي «بلغت على حد تعبيره 21 مليار درهم، كما يؤكد أنها لم تتجاوز 9 مليارات في حدود 2005 وأصبح حجمها 21 مليارا وتساوي تقريبا ميزانية الاستثمار في 2003»، وبالتالي ينبغي تجميد بعض استثمارات الدولة لتتمكن الحكومة من تسريع وتيرة تنفيذ المبالغ المخصصة للاستثمار بالمغرب! إن مثل هذا التحليل التبريري يؤيد فكرة الارتجالية حتى في الدفاع عن القرارات المتخذة فما العيب أن يتطور حجم نفقات الاستثمار ولو كانت مرحلة، مع مرور الزمن خصوصا وأن الفترة ليست بالهينة من 2005 إلى 2013 أي حوالي 9 سنوات – بمعدل مليارين في السنة - تغير فيها الشيء الكثير من أثمان وحجم السكان إلى غيرها من المتغيرات التي تفرض تطور حجم الميزانية برمتها وليس الشق الاستثماري منها فقط، ولكن المشكل الحقيقي الذي تجنبته الحكومة الحالية ولم ترد الخوض فيه يتعلق بتنفيذ هذه الاعتمادات وليس اللجوء إلى الحل السياسي السهل وهو التجميد دون تفكير في العواقب التي قد يخلفها هذا القرار على مستوى النمو الاقتصادي. إن هذا القرار يدفعنا أيضا لطرح سؤال محوري آخر متعلق بترشيد تنفيذ السياسات العمومية والبحث في عمق المشكل بقولنا: هل الأمر يتعلق بالقدرة على تدبيرالموارد المخصصة والمتوفرة لدى الدولة للاشتغال، أم الأمر يتعلق بخرافة ندرة الموارد؟ وهل معالجة عجز الميزانية لا يتأتى إلا بالحلول السهلة المرتبطة بحرمان المواطنين من مجموعة من الحقوق وأهمها حق الاستفادة من نتائج النمو، لأنه كما هو معلوم، فإن الاستثمار ينقسم إلى شقين، الشق الأول يرتبط بالقطاع الخاص الذي لا يقدم على العملية الاستثمارية إلا إذا كانت نتائجها الربحية مضمونة أو شبه مضمونة، ويستند المقاولون في ذلك إلى معدلات الفائدة المعمول بها في الأسواق وبالتالي يكون أثر مساهمتها في النمو، أي بمعنى أدق أثر مساهمتها في تحسين أحوال المواطنين، ضعيفا، أما الشق الثاني وهو الذي يهمنا في هذا الصدد والمتعلق باستثمارات الدولة التي ينبغي أن تهدف إلى تقوية المصلحة والاستفادة العامة بغض النظر عن الربحية المتعلقة بها، لأن استثمارات الدولة ينبغي أن تهدف إلى الرفع من النمو، قاصدة بذلك الرفع من مستوى التشغيل، بل يمكن أن تكون في بعض الأحيان حلا إجرائيا تلجأ إليه الدولة في حالة تراجع الاستثمارات الخاصة، نظرا لكساد السوق وذلك بغية إعادة التوازن داخل الأسواق وخصوصا منها سوق الشغل، الذي ينبغي أن يحافظ على الأقل على توازنه ومكتسباته بالحفاظ على المناصب المخصصة للتشغيل وليس العمل على النقصان منها، نظرا لأزمة السوق المزعومة، وبالتالي فإن التراجع عن 15 مليار درهم من الاستثمار يعد تراجعا عن خلق فرص الشغل بل أكثر من ذلك وإذا ما استندنا إلى المبدأ الاقتصادي المعروف باسم الكاتور أو المضاعف الاقتصادي، فإن الحكومة بهذا التجميد لن تستطيع الوفاء بإحداث فرص للشغل وخصوصا مع تضعيف القدرة الشرائية للمواطنين برفع أثمان المواد الإستراتيجية. وعليه فإن مستقبل التشغيل أصبح أكثر غموضا وتعقيدا مما سبق، ذلك أنه في الوقت الذي كان ينبغي فيه البحث عن مستثمرين جدد وتقوية استثمارات الدولة ها هي الحكومة تقلص من حجمها وبالتالي فهي تساهم بيدها في تبطيئ وتيرة النمو. إضافة إلى ذلك فإن نوعية هذه الاستثمارات المرتبطة بالدولة تكون في غالبيتها مرتبطة بالمشروعات الاجتماعية والتنموية من مستشفيات ومدارس وبنيات تحتية وغيرها، إضافة إلى ذلك فإن عملية التجميد هذه، قد توحي بأن أجواء الاستثمار في المغرب غير ذات جدوى، الشيء الذي قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الخاصة وخصوصا الأجنبية منها، لأنه في آخر المطاف تبقى الدولة هي المسؤول الأول عن بناء مناخ ملائم لجلب الاستثمارات الخاصة الأجنبية منها والوطنية. والذي يغيب أيضا عن أذهان أصحاب القرار هو ذلك الربط الميكانيكي بين الترشيد والنفقات وأصبح كل من يضيق الخناق يعد مرشدا في تدبير المال العام، والحقيقة أن الترشيد ينبغي أن يطال النفقات والمداخيل، لأنه على الدولة أن تبذل مجهودات حقيقية لتحصيل مستحقاتها هنا وهناك، والتي تبلغ أكثر من حجم الاستثمارات المراد تجميدها، إضافة إلى ذلك، وكما تؤكده جل النظريات الاقتصادية التي أخرجت بلدانها من الأزمات الاقتصادية التي كانت تتخبط فيها، فإن الإنفاق العمومي بشقيه التسييري والاستثماري مطلوب وينبغي الرفع منه وليس تجميده، لأنه هو الضمانة الأساسية في تحريك الدورة الاقتصادية المعروفة المتمثلة في : إنفاق حكومي رفع من القدرة الشرائية رفع من الطلب رفع من الإنتاج رفع من طلب عوامل الإنتاج رفع من القدرة الشرائية وهكذا والأغرب من ذلك أن التبرير الذي جاء به وزير الميزانية والمتعلق بعدم تنفيذ المبالغ المرحلة سنة بعد سنة يجعلنا نتوجس خيفة من هذا العذر غير المدروس وغير المبرر تماما، ذلك أن الانتباه البسيط لهذا الأمر يقودنا إلى تساؤل نعتبره أيضا جوهريا، لأنه يتمحور ويرتبط بكفاءة الأطر التي تقوم بعمليات التوقع والدراسات والأبحاث المتعلقة بصياغة ميزانية الدولة، لأنه كان من الأجدر عدم إضافة مبالغ أخرى للاستثمار ما دامت هناك مبالغ لم تنفذ في السنوات الماضية، رغم أن الحكومة ليس من حقها على المستوى التعاقدي فقط، أن تجمد مبالغ مخصصة للمواطنين إذا ما اعتبرنا المصادقة على قانون المالية بمثابة تعاقد أخلاقي مع المواطنين ذلك أن عدم تنفيذ المبالغ المخصصة يعتبر تقصيرا من الجهات المعنية والمرتبطة بعملية أجرأة الميزانيات القطاعية ولا ينبغي حرمان المواطنين من حقهم في هذه الاستثمارات المفضية ولو نظريا إلى التشغيل الذي يعد من المعضلات الكبرى في بلدنا. أستاذ العلوم الاقتصادية