لا أدري هل تحتوي مكتبتنا النقدية المغربية على دراسة أكاديمية قيمة تقارب ما يلي: هل ثمة مجاز في دارجتنا؟ ما طبيعته؟ من توسله من مبدعينا وكتابنا في منجزهم القصصي أو الروائي أو السير ذاتي؟ وكيف وظفوه؟ وما القيمة الفنية التي أضافها إلى أعمالهم الأدبية؟ لا شك أن المجاز حاضر بقوة في مختلف لهجاتنا، العربية العامية والأمازيغية والريفية والسوسية والحسانية، وبالتالي لا يمر يوم دون أن نسمع في السوق أو في الشارع أو في الحافلة أو في القطار تعابير دارجة مدهشة ترج دواخلنا، فنقف مشدوهين تجاه عمقها وبلاغتها وإصابتها الهدف بدقة في قالب لغوي جد مقتضب ومكثف، نذكر منها مثلا: شاف الربيع ما شاف الحافة – جايكحلها اعماها - المندبة كبيرة والميت فار - من لحيتو لقّم ليه – الطلاب يطلب وامرتو تصدق – طالع واكل نزل واكل بحال المنشار...، بل هناك تعابير في الدارجة تؤدي دلالات لا تؤديها اللغة الفصحى مثل: ولد المشنتف – ولد المشعكك – الكية ما تبرى حتى تجي لخرى – أشاد البوحاطي هداك. ويتفاقم نفوذ الدارجة خاصة عندما يتعلق الأمر بما يسمى «التعداد»، أي البكاء على الميت حيث تتوسط امرأة دائرة من النساء فتبكي الميت بدارجة مؤثرة، وتردد النساء حولها ما تقوله المرأة مع ضرب الجميع أقدامهن على الأرض. كثيرة هي الرسائل التي يبلغها مجاز دارجتنا إلى المتلقي العادي وغير العادي، وهي رسائل للأسف لا تتضمنها بعض نصوص كتبنا المدرسية. وجدير بأن نؤكد أن المجاز الذي نتحدث عنه مستويات، بعضه يرتبط بالمدن، وبعضه الآخر يرتبط بالقرى والمداشر، وقد اعتمد لضمان سيرورته على التداول الشفوي، شأنه في ذلك شأن فن العيطة، الذي أعاد إليه الاعتبار حسن نجمي من خلال دراسة رصينة من جزأين. وقليل عدد كتابنا الذين استطاعوا الانفتاح على مجاز دارجتنا ووظفوه توظيفا خلاقا في كتاباتهم كمحمد زفزاف وأحمد بوزفور ومحمد شكري وإدريس الخوري والحبيب الدائم ربي. وفي مجال الكتابة الصحفية نسجل أن هناك صحافيين عديدين يطعمون مقالاتهم بمجاز دارجي معبر كعبد الله الدامون ورشيد نيني والمهدي الكراوي ومصطفى المسناوي والمعطي قبال والطاهر حمزاوي وحكيم عنكر وغيرهم، مع الإشارة إلى أن ثمة أعمدة تطلع في جرائد وطنية تسحرنا مجازاتها المتميزة. بالمقابل هناك أعمدة أخرى توظف الدارجة بشكل مبتذل، يستحق أصحابها (لعمود). وحتى يتفاعل الكاتب مع المجاز الذي تمتاز به دارجتنا، يتعين عليه أن يذوب في المجتمع، وأن يصيخ السمع إلى الحلاق والإسكافي والبائع المتجول والفلاح ولاعبي الورق وإلى متسكعين يظهرون ليلا ويختفون نهارا، وإذا تم ذلك وانضاف إليه المقروء الجيد للكاتب، سنقرأ بدون شك كتابة إبداعية مشرعة على واقعها ومشدودة إليه، ومكتنزة بالعمق الذي يسمح لها باتساع أفق التلقي. ناقد مغربي