«رب ضارة نافعة»، لعل المغرب كان محتاجا إلى صفعة من العيار الذي وجهت له الولاياتالمتحدة كي يستيقظ من سباته الطويل، ويعرف أن أسذج ما في السياسة هو «أن تضع بيضك في سلة واحدة». مسودة القرار الذي يهدف إلى توسيع مهمة المينورسو لتشمل «مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء»، كما صاغته واشنطن ليعرض على مجلس الأمن، جاء ليؤكد- لمن يحتاج إلى تأكيد- أن الثابت الوحيد في العلاقات الدولية هو المصلحة، وأن السياسة تتحرك مثل رمال الصحراء تماما، بشكل مفاجئ وعلى حين غرة، وعلى الدبلوماسية أن تكون يقظة ومستعدة لكل الاحتمالات، كي تتفادى الأسوأ. في مثل هذه اللحظات العصيبة، تظهر أهمية وضع «الرجل المناسب في المكان المناسب»، ويتجلى حجم الضرر الذي نلحقه بمصلحة البلاد حين نعين سفراء ودبلوماسيين بلا خبرة أو موهبة، بناء على وساطات سخيفة أو من أجل جبر الخواطر وضمان توازنات سياسية. السياسة مصلحة قبل كل شيء، و«الخطاب حجاب» أحيانا: مخطئ من يظن أن فرنسا وقعت للمغرب شيكا على بياض في ملف الصحراء، من اطلع على بعض برقيات «ويكيليكس» سيعرف أن الولاياتالمتحدة أعدت مسودة قرار يعتبر ميلاد دولة في الصحراء «غير واقعي»، لكن باريس عارضت المشروع، لأن رئيسها السابق نيكولا ساركوزي لم يكن يريد إغضاب الجزائر، أيام كان يطلب ودها بكل الوسائل، قبل أن يعود بخفي حنين. «ما حك جلدك مثل ظفرك»، ونزاع الصحراء لن يحسمه إلا أصحابه. تكفي نظرة صغيرة إلى الملف كي نعرف أن القضية لم يسبق لها أن تحركت إلا بمبادرات مغربية: عام 1975 حققت «المسيرة الخضراء» تطورا ميدانيا حاسما على الأرض، وفي 1991 أنهى الجدار الأمني سنوات الحرب، وعام 2007 تحقق مكسب دبلوماسي كبير عبر مشروع الحكم الذاتي الذي أقرته «الأممالمتحدة» كمقترح ممكن للحل، قبل أن يعززه المغرب بمشروع الجهوية الموسعة وتأسيس «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»... غير أننا اليوم إزاء «لكمة» دبلوماسية مفاجئة، ربما ترتبط بتصفية حسابات داخل الإدارة الأمريكية، لكنها تضع الدبلوماسية المغربية أمام المحك، وتدفع إلى إعادة النظر في كيفية تدبير الملف. واضح أن حقوق الإنسان هي النافذة التي دخلت علينا منها الريح، والمثل يقول: «الباب الذي تأتيك منه الريح أغلقه كي تستريح». إذا كانت مسودة القرار الأمريكي تعتمد على دعاية الانفصاليين، التي تخصصت مؤسسة «جون كينيدي» في تضخيمها، فإنها وجدت لها سندا قويا في ما عرفه المغرب مؤخرا من انتهاكات في مجال حقوق الإنسان. لقد عادت الانتهاكات، خلال السنوات الأخيرة، كي تشوش على الجهود التي بذلها المغرب طوال أكثر من عقد من أجل «طي صفحة الماضي». يكفي أن تتجول بين أشرطة «يوتوب» وتستمع إلى الشهادات الصادمة حول التعذيب والمعتقلات السرية، كي تعرف حجم الردة الحقوقية التي عرفها المغرب. هذه الشهادات التي ما فتئت «ترصع» تقارير المنظمات الدولية في السنوات الأخيرة، من هيومن رايتس ووتش إلى أمنيستي مرورا بمراسلون بلا حدود... دون الحديث عن التضييق على «حرية التعبير» و«إعدام» كثير من الجرائد على سبيل الانتقام. انتهاكات حقوق الإنسان ساهمت في «النكسة» الدبلوماسية التي تعيشها قضية الصحراء، ومهدت ل«الانقلاب» الأمريكي على الملف. إذا كانت التغييرات التي عرفتها الإدارة الأمريكية في إطار ولاية أوباما الثانية، وتصفية الحسابات بين فريقي كيري وكلينتون أسهمت في تغير موقف واشنطن، فإن الذين يخرقون حقوق الإنسان أعطوهم الذريعة. المعادلة بسيطة: الذين يساهمون في تكريس انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب هم المسؤولون عن تهديد الوحدة الترابية للبلاد. لو أعطينا للجيران نموذجا جديا في الديمقراطية، لأجبرنا الانفصاليين على قبول مقترح «الحكم الذاتي»، باعتباره الحل الأكثر واقعية لنزاع طال أكثر من اللازم. الصحراويون سئموا من قيادة تجثم على صدورهم لأكثر من ثلاثة عقود، كما مل الجزائريون من ملف يعلق عليه الجنرالات فشلهم في حل مشاكلهم الاقتصادية والسياسية. عندما تستكمل المملكة تطورها السياسي إلى دولة تحترم المؤسسات وتفصل بين السلط وتصون حقوق الإنسان، سينهار الطرح الانفصالي من تلقاء ذاته، كما تسقط أي فاكهة فاسدة نخرها الدود.