يحكي الكاتب المغربي محمد مشبال في كتابه «مصر في عيون المغاربة» أن هناك «حقيقة تاريخية وثقافية هي أن الهوى المصري يشكل جزءا من ثقافة القارئ المغربي ووجدانه، إلا أن الأجيال الجديدة ليس لديها حنين كبير لما هو مصري لأسباب، منها «التعالي واللامبالاة». ويتحدث الكاتب عن تحول نظر الكثيرين عن هذه الجغرافيا الثقافية، في وقت كانت هي غاية أي طالب للعلم. وهكذا ظهرت أسماء مثقفين مغاربة حظوا بالاحترام كمحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وعبد الفتاح كليطو وسعيد يقطين وغيرهم. في هذا الكتاب يكشف المؤلف خفايا مثقف انتقل من ثقافة مصرية إلى ثقافة مغربية. نشأ الكاتب على قراءة أعمال المصريين والمشارقة، لكنه اعتبر انتقاله من الدراسة الثانوية إلى الجامعة «انتقالا من الثقافة المصرية إلى الثقافة المغربية»، حيث نال درجة الماجستر من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1987. يقول: «لا يوجد بلد أو شعب أو ثقافة استطاعت أن تتغلغل في وجدان المغربي وتصوغ وعيه مثلما استطاعت مصر والمصريون والثقافة المصرية. أصبحت الثقافة المصرية عاملا فاعلا في تشكيل الرغبة الأدبية والفنية والفكرية عند الإنسان المغربي»، حتى لدى بعض الذين لم يزوروا مصر، ومنهم الروائي محمد أنقار مؤلف رواية «المصري». يقع الكتاب في 224 صفحة متوسطة الحجم، وصدر في القاهرة عن المركز العربي للدراسات الغربية. ويقول المؤلف إن الرحلات المغربية إلى مصر لم تتوقف منذ القرن الثالث عشر الميلادي، ففي أوائل ذلك القرن دوّن محمد أبو عبد الله العبدري -القاضي الفقيه الذي جاء من مدينة فاس وتوفي بمصر- رحلته، التي سماها «الرحلة المغربية»، ثم توالت رحلات المئات من العلماء والأدباء والحجاج والطلاب والفنانين المغاربة. ويرى مشبال أنه «آن الأوان لكي يتدبر المثقف المغربي» الصيغ المختلفة والممكنة للتواصل بين الثقافتين المغربية والمصرية. وقد أهدى مشبال، الذي يعمل أستاذا للتعليم العالي بكلية الآداب في جامعة عبد المالك السعدي في مدينة تطوان، كتابه إلى الكاتبين المصريين سيد البحراوي وأمينة رشيد «أول من احتضن هواي المصري». ويضيف مشبال في كتابه أن هناك «حقيقة تاريخية وثقافية هي أن الهوى المصري يشكل جزءا» من ثقافة القارئ المغربي ووجدانه، إلا أن الأجيال الجديدة ليس لديها حنين كبير لما هو مصري لأسباب، منها «التعالي واللامبالاة». ويرى أنه «آن الأوان لكي يتدبر المثقف المغربي» الصيغ المختلفة والممكنة للتواصل بين الثقافتين المغربية والمصرية. وفي تمهيد عنوانه «الحلم المشرقي» يروي مشبال تجربته، حيث كان أبوه يحثه على التفوق الدراسي «حتى تسافر إلى مصر كما سافر عمك وأصبح بعد عودته من شخصيات المدينة»، فأصبحت مصر في ذهنه مصدرا للمكانة الاجتماعية المرموقة، حتى أنه رغم تعرض صورة مصر في الثمانينيات «لكثير من صور الاهتزاز» آثر السفر إليها للدراسة بدلا من فرنسا التي فضلها معظم الطلاب المغاربة. ويوضح مشبال أنه بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 وموت رموز الثقافة والفنون خلت الساحة المصرية «للغناء الاستهلاكي»، وانصرف المغاربة إلى الفنون الغربية، وأنه في ظل عزلة ثقافية وسياسية مصرية «ساد الاعتقاد أن الريادة الغنائية قد انتقلت إلى مناطق عربية أخرى... ولم تكن السينما أفضل حالا من الغناء»، حيث سادت موجة سميت في مصر بأفلام المقاولات، وهي أعمال متواضعة المستوى ذات طابع تجاري. ويضيف أن تلك الفترة شهدت أيضا هجرة لأبرز المثقفين المصريين، وتراجع البحث الفكري والأدبي «في بلد أنتج أعظم المفكرين والأدباء في الثقافة العربية الحديثة»، في حين برز مثقفون مغاربة حظوا بالاحترام، منهم محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد مفتاح وعبد الفتاح كليطو وسعيد يقطين، ومثقفون تونسيون مثل عبد السلام المسدي وحمادي صمود والهادي الطرابلسي، والسوري كمال أبو ديب، والسعودي عبد الله الغذامي، والفلسطيني فيصل دراج. ويقدم مشبال في كتابه صورة المغربي المفتون بالهوى المصري من خلال قراءة أربعة أعمال أدبية لمغاربة من أجيال مختلفة، هي «القاهرة تبوح بأسرارها» لعبد الكريم غلاب، الذي يمكن تصنيفه كسيرة ذاتية عن حياة مؤلفه في القاهرة في منتصف الثلاثينيات لاستكمال دراسته بجامعتها، «غير أن الأجواء السياسية أغوته فتحول من مجرد طالب منتظم إلى سياسي مثقف يناضل لأجل استقلال بلاده». أما العمل الثاني فهو «مثل صيف لن يتكرر» لمحمد برادة، الذي مزج بين السيرة الذاتية والتخييل الروائي في فترة تمتد بين عامي 1955 و1998 حيث درس بمصر ثم تكررت زياراته لها كوجه مغربي مرموق، «مما يعكس ذلك الهوى المصري الذي تجذر في كيانه منذ زمن بعيد». أما العمل الثالث فهو «القاهرة الأخرى» لرشيد يحياوي، الذي سجل يومياته في القاهرة ورآها «كما يرى موظف (مصري) غلبان» بعيدا عن النظرة الاستشراقية السياحية. كما يتناول المؤلف رواية محمد أنقار «المصري»، التي تعكس محبته لنجيب محفوظ وللثقافة المصرية، بل إن عنوانها يدل على توقه «إلى فضاء آخر وأناس آخرين، مما دفعه إلى التفكير في كتابة رواية مستوحاة من الفضاء المصري»، حيث يريد بطل الرواية أن يكتب عملا روائيا شبيها بإحدى روايات محفوظ. وعلى الرغم من صدور رواية «المصري» في القاهرة في نوفمبر 2003 ضمن سلسلة شهيرة هي «روايات الهلال»، فإنها لم تحظ باهتمام النقاد والمثقفين في مصر، وهو ما يراه المؤلف جزءا من آثار العزلة المصرية التي بدأت منذ نهاية السبعينيات.