الاعتذار الذي أعرب عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، على نقطة زمن ثانية كان الطرفان فيها قريبين من حل وسط كانت قبل نشر تقرير لجنة التحقيق التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة. في إسرائيل أملوا في حينه بان يتيح الاعتذار سحب التقرير الذي لم يكن مريحا للطرف التركي أيضا، كونه زعم فيه بأن الحصار البحري الذي فرضته إسرائيل على غزة يتطابق ومبادئ القانون الدولي. ويشير التقرير إلى أن الرد الإسرائيلي كان مبالغا فيه، وهذا عمليا هو الأساس لصيغة الاعتذار التي بحثت في حينه واتفق عليها الآن، بالنسبة ل «الأخطاء العملياتية». في الوقت الذي كان يمكن فيه شرح رفض إسرائيل الاعتذار في شتنبر 2011 بتخوف نتنياهو من رد فعل ليبرمان يحتمل أن يكون عامل حاسم آخر هو القلق من تسونامي سياسي، في أعقاب التوجه إلى الأممالمتحدة التي خططت له السلطة الفلسطينية بشأن الحصول على اعتراف بها كدولة. في إسرائيل خافوا من أن تبتلع المزايا الكامنة في الإعراب عن الاعتذار في الموجة العكرة من التصريحات والأعمال المناهضة لإسرائيل، التي كانت متوقعة في ذاك الوقت. رفض إسرائيل الاعتذار في حينه كان نقطة الذروة في الدرك في العلاقات، حين طردت تركيا كل الدبلوماسيين الإسرائيليين من فوق درجة سكرتير ثانٍ، بل وهددت باتخاذ عقوبات أخطر. مع أن الصيغة التي اتخذت الآن لا تختلف جوهريا عن الصيغ السابقة، إلا أن ثمة بضع مزايا في التوقيت الحالي أولا، حقق الاعتذار بعد نهاية حملة الانتخابات في إسرائيل وتشكيل الائتلاف، وحين بات أحد المعارضين المركزيين للاعتذار، ليبرمان، خارج الحكومة وذلك لرفع لائحة اتهام ضده في قضية تعيين السفير في لتفيا. وبالنسبة للأتراك أيضا يعد هذا توقيتا مريحا نسبيا. فقد تحقق الاعتذار قبل بداية جولة الانتخابات المحلية في الدولة (التي تعتبر نوعا من المؤشر على مدى قوة حزب السلطة). وفضلا عن ذلك، قبل أن تبدأ رسميا حملة انتخابات اردوغان للرئاسة الانتخابات في 2014 ستكون المرة الأولى التي ينتخب فيها الرئيس التركي مباشرة. واردوغان، الذي يتوقع أن ينتخب بأغلبية كبيرة، يأمل في أن يدخل إلى الدستور تغييرات تجعل الرئاسة مؤسسة «ذات أسنان»، خلافا لمكانة الرئيس الرمزية حاليا. ولو لم تكن المرونة التركية كبيرة منذ الآن فواضح أنه كلما تقدمت الحملة الانتخابية في هذه الدولة، فستكون القيادة التركية أكثر جمودا في موقفها. ميزة واضحة في التوقيت الحالي هي أن الاعتذار عرض كأحد انجازات زيارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما: فليس فقط تحقق اختراق في العلاقات مع تركيا، بل انه يمكن أن يعزى هذا الانجاز إلى إسرائيل في علاقاتها مع الولاياتالمتحدة ويحسن مدى الثقة بين نتنياهو واوباما. ومثل هذه الثقة ضرورية لغرض القرارات الصعبة المرتقبة في المسألة الإيرانية. كما يمكن القول أن حقيقة أن الدفعة الأخيرة للاتفاق كانت من الرئيس الأمريكي نفسه، ساعدت نتنياهو في المراحل النهائية من تنفيذ القرار. إضافة إلى ذلك، فان الوضع المتدهور في سوريا والذي لا يتوقع أن يحل حتى لو سقط الرئيس السوري بشار الأسد (بالعكس أغلب الظن الوضع سيتدهور أكثر فأكثر)، يستدعي التعاون، وليس فقط في المجال الاستخباري، بين إسرائيل وتركيا. محقون أولئك الذين يدعون بان تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا لم يبدأ مع قضية مرمرة، وانه من المتوقع لاحقا أزمات أخرى، ولاسيما إذا ما طرأ تدهور مع الفلسطينيين. ومع ذلك، فان حدث مرمرة كان شاذا وأدى إلى رد فعل عاطفي شديد لدى الجمهور التركي والجمهور الإسرائيلي. وحتى لو كان في رئاسة الحكومة التركية شخص مختلف عن اردوغان، فانه من أجل إعادة بناء العلاقات مع تركيا كان الاعتذار الإسرائيلي ضروريا. كما أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تعتذر فيها إسرائيل لدولة أخرى. فقد سبق أن اعتذرت إسرائيل لنيوزيلندا في 2005 على استخدام عملاء الموساد لجوازات سفر مزيفة. وفي العام 2011 اعتذرت لمصر على قتل رجال الأمن المصريين أثناء مطاردة لخلية مخربين تسللت من سيناء. رجال قانون إسرائيليون من المرتبة الأولى راجعوا صيغة الاعتذار للتأكد من أنها لا تخلق سابقة خطيرة لإسرائيل في أعمالها في المستقبل. مهم أيضا التشديد بأنه يوجد إجماع جارف في إسرائيل على أن الوضعية التي كان فيها مقاتلو الوحدة البحرية صعبة حتى متعذرة، وانه حتى عندما تبحث الأخطاء العملياتية، فانه يجب التأكيد والقول أن الانتقاد هو عمليا على بعض جوانب السيطرة نفسها، وليس على أداء المقاتلين نفسه. رئيس قيادة الأمن القومي، يعقوب عميدرور، الذي كان ممن دفعوا نحو تحقيق الاتفاق مع تركيا، عبر عن مشاعره في حديث مع من تفاوض معه في الجانب التركي فقال: «القضية هي مثل وليد ولد وينتظر كيف سيعتني به أبوه وأمه». ينبغي الأمل في أن تكون للطرفين الحكمة للمضي في الخطوات الحالية إلى اتجاه ايجابي من إعادة بناء العلاقات وعدم التركيز على نقاط الخلاف التي لا تزال قائمة بين الدولتين.