يردد سكان مدينة الفنيدق، القريبة من تطوان، سؤالا متجددا عن الأسباب التي جعلت مشاريع عديدة بالمدينة تفشل في رؤية النور، رغم تدشينها من طرف أعلى سلطة في البلاد، وهي المشاريع التي تستهدف فئات اجتماعية في حاجة حقيقية إلى المساعدة. سنوات عديدة مرت على إعطاء الملك محمد السادس انطلاقة أشغال البناء لعدد من المنشآت الاجتماعية والرياضية بالمدينة الساحلية الصغيرة، لكن بعضها لم تشهد بعد ضربة الفأس الأولى في عملية حفر أساساتها، بينما توقفت مشاريع أخرى في مراحل إنجازها الأولى، لتصير ملاذا لفئات اجتماعية مهمشة حينا، ومستقرا للمنحرفين وتجار المخدرات في أحيان أخرى. لا تزال فئات اجتماعية عريضة بمدينة الفنيدق تنتظر مواصلة أشغال إنشاء هاته المشاريع التنموية، التي توقف بناؤها في منتصف الطريق، وصارت إلى حدود هذه اللحظة مجرد أطلال مهجورة بفعل توقف أشغال بنائها لسنوات طويلة، حتى خيل لعدد من المتتبعين أن الدولة قد غيرت رأيها وتراجعت عن إنشائها، رغم أن هذه المشاريع تحظى برعاية ملكية. وتتنوع المشاريع الملكية المجمدة في مدينة الفنيدق بين منشآت رياضية وطبية واجتماعية، وأخرى متعلقة بالفنون والثقافة، إلى جانب مؤسسات للتكوين المهني والحرفي، بينما تقف عوامل سياسية وتعقيدات إدارية وراء توقف العمل فيها. الملعب الرياضي لا تزال الفرق الرياضية بمدينة الفنيدق، ومعها الجماهير، تنتظر إنشاء الملعب الرياضي بالمدينة، والذي كان من المفترض أن تنتهي أشغال بنائه منذ مدة، بعد مرور أزيد من 5 سنوات على إعطاء انطلاقة أشغال بنائه بالتزامن مع إطلاق مشروع القطب الحضري «المسيرة» بالفنيدق، وهو المشروع الذي تم بموجبه تفويت الملعب البلدي الحالي للشركة العامة العقارية، مقابل إنشاء ملعب رياضي بمواصفات الجودة بضواحي المدينة، يفترض أن يتسع لحوالي 6 آلاف متفرج، وقدرت تكلفته الإجمالية ب100 ملايين درهم. ويرجع السبب في التأخير الحاصل في إعطاء الانطلاقة للمشروع الرياضي إلى عدم قدرة الجماعة الحضرية لمدينة الفنيدق على توفير الوعاء العقاري الذي يفترض أن يحتضن الملعب الجديد، وهو التأخير الذي تسبب في مشاكل إضافية تضع مزيدا من الضغط على عاتق الفرق الرياضية بالمدينة، والتي وجدت نفسها بين مطرقة انتظار الملعب الجديد وسندان مطالبة الشركة العامة العقارية بحقها في استغلال البقعة الأرضية، التي يوجد فوقها الملعب البلدي، كما ينص على ذلك الاتفاق المبرم بهذا الصدد. ويتضمن مشروع «المسيرة»، الذي يهدف للاستجابة للطلب المتزايد على المرافق والخدمات بمدينة الفنيدق، وإلى خلق قطب حضري مجهز بكافة البنيات التحتية، مجموعة من المشاريع الأخرى، من قبيل إنشاء قاعة مغطاة للرياضات المختلفة، تبلغ تكلفتها حوالي مليار و200 مليون سنتيم، وحديقة ترفيهية تمتد على مساحة ثمانية آلاف متر مربع، وتبلغ تكلفتها 800 مليون سنتيم، ومحطة طرقية جديدة بالمدينة... ولم يجد أي من هذه المشاريع طريقه إلى أرض الواقع، بفعل عدم قدرة المجلس الجماعي الحالي على توفير الوعاء العقاري الذي يفترض أن يحتضنها. مركز إدماج المعاقين إذا كانت الأندية الرياضية بالمدينة لا تزال ملزمة باستعمال الملعب القديم بشكل مؤقت، في انتظار أن يرى الملعب الجديد النور، فإن فئة أخرى أكثر احتياجا لا تزال تنتظر أن تتحقق أحلامها على أرض الواقع، ويتعلق الأمر بالأشخاص ذوي الإعاقة الحركية. فقد اتخذت السلطات الإقليمية سنة 2010 قرارا بتشييد مركز لإدماج الأشخاص ذوى الإعاقة الحركية، وخصصت لبنائه مساحات واسعة من الأراضي التابعة للثانوية التأهيلية أبى الربيع السبتي، بلغت 2300 متر مربع، بغلاف مالي إجمالي بلغ مليارا و400 مليون سنتيم. وتضمن المشروع المعلن عنه وقتئذ، والذي أشرف على تدشينه الملك محمد السادس، فضاءات ملائمة لاحتضان ذوي الإعاقة الحركية، وتنمية قدراتهم الذهنية والبدنية وتسهيل إدماجهم في الحياة العامة من خلال تمكينهم من التعليم والتكوين. وتحتوي المؤسسة التي سيستفيد منها 300 شخص، بالإضافة إلى الإدارة، على ورشة لتكوين تقنيي صيانة معدات الشبكة والمعلوميات، وورشة ثانية لتكوين تقنيي محاسبة المقاولات، وأخرى لتكوين الفاعلين في الإنتاج بمساعدة الحاسوب، فضلا عن أقسام للدراسة وقاعات متخصصة للعلاج، وقاعة للعرض ومطعم ومطبعة وملعب. غير أن هذا المشروع، الذي تتدخل في إنجازه أطراف عدة، هي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارتا الإسكان والتعمير والتربية الوطنية، والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، فضلا عن التعاون الوطني ومكتب التكوين المهني والجماعات الحضرية بعمالة المضيقالفنيدق، سرعان ما طاله الجمود، لتتوقف أشغال بنائه التي كان يفترض ألا تتعدى 15 شهرا، وتتبخر آمال المعاقين حركيا، رغم مرور نحو 3 سنوات حتى الآن على انطلاقة أشغال الإنجاز. المركز الطبي وضع الملك محمد السادس، في ال25 من أكتوبر سنة 2010، الحجر الأساس لبناء مركب طبي اجتماعي بمدينة الفنيدق، لتلبية الاحتياجات الصحية لساكنة المدينة، وتغطية النقص الحاصل على مستوى الإقليم، في الخدمات الطبية المقدمة لعموم المواطنين. وشمل التدشين الملكي مركزا طبيا حضريا، يوفر الخدمات العمومية للمواطنين، ومركزا لتشخيص أمراض السل والأمراض التنفسية، بالإضافة إلى مركز لتشخيص الأمراض السرطانية، ومركز لتصفية الكلى، فضلا عن عيادة لطب الأسنان، وكان من المقرر أن تنتهي أشغال بناء هذا المركز متعدد الاختصاصات في غضون 18 شهرا، وفق ما أشارت إليه قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء في ذلك الوقت. لكن ورغم مرور أزيد من سنتين على هذا التاريخ، فإن المركب الذي يفترض أن يساهم في تقريب الخدمات الصحية للمواطنين، ويحسن تنويع العرض الطبي والاستشفائي بالمنطقة، لم يفتح أبوابه بعد في وجه المرضى، وبالكاد انتهت الأشغال الكبرى لإنشائه، قبل أن تتوقف الإجراءات الأخرى، كما هو الشأن بالنسبة إلى بقية المشاريع. دار الأمومة مرت سنة ونصف منذ وضع الملك محمد السادس حجر الأساس لبناء دار للأمومة، التي تشكل مركزا لاستقبال المرأة والطفل والاعتناء بهما في مرحلة ما بعد الولادة، لكن أشغالها الفعلية على الأرض لم تشهد بعد ضربة الفأس الأولى في حفر الأساسات، إلا خلال الأسابيع القليلة الماضية. ولا تزال البقعة الأرضية التي يفترض أن تحتضن «دار الأمومة»، والتي تقدر بمساحتها ب3787 مترا مربعا، تقع بمحاذاة مستشفى الحسن الثاني بالمدينة، مصنفة ضمن خانة الأراضي الفارغة، ولا تزال معها الأهداف المعلقة على هذا المشروع في تقليص معدل وفيات الأمهات الحوامل، عبر تحسين ظروف الولادة والاستشفاء، معلقة حتى إشعار آخر. ومن المفترض أن تقام المؤسسة الاجتماعية على مساحة 665 مترا مربعا مغطاة، وتتكون من قاعتين للاستقبال وقاعتين للاستشفاء والمساعدة الاجتماعية، و12 غرفة، بالإضافة إلى مطبخ وفضاء للغسيل وباحة للألعاب وإدارة، بغلاف مالي يبلغ 400 مليون سنتيم. وإلى جانب دار الأمومة، يعرف مركز رعاية الأطفال في وضعية صعبة، بدوره، وضعية صعبة، نظرا لتوقف أشغال إنشائه منذ مدة، رغم وجود حاجة ماسة إليه، في ظل انتشار هذه الفئة في أحياء تعرف هشاشة حقيقية، مثل أحياء «بن ديبان» و«عزفة» و«البرارك». دار المسنين تعتبر مؤسسة دار الأشخاص المسنين، والتي يتم تشييدها بالقرب من مقبرة حي سيدي بوغابة بالفنيدق، واحدة من مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تم تدشينها في إطار برنامج التأهيل الاجتماعي المندمج لعمالة المضيقالفنيدق، خلال المدة بين سنتي 2009 و2012، لكنها باتت تعتبر «أسوأها حظا» على الإطلاق، بعدما صارت مأوى للمشردين ومتعاطي المخدرات، ولم يعد بالإمكان الاقتراب منها نتيجة الروائح الكريهة المنبعثة من الفضلات البشرية التي يتركها المشردون بداخلها. ورغم انتهاء الأشغال الأساسية في البناية المذكورة فإنها لا تزال معرضة للإهمال، شأنها شأن القبور التي تطل عليها، ويذكر أنه سبق للسلطات المحلية أن قامت بإغلاق أبواب ونوافذ هذه المؤسسة، لكي لا تصير مأوى لمتعاطي المخدرات وللمشردين والمنحرفين، غير أن هذه الخطوة لم تنجح في إبعادهم عنها، إذ سرعان ما قام مجهولون بتكسير تلك النوافذ مجددا، وعادوا للإقامة داخلها. دار الفنون حظي الجانب الثقافي والفني، بدوره، بجانب من الإهمال، بعدما توقف عدد من المشاريع التي تم تدشينها في وقت سابق، دون أن ترى النور، وعلى رأسها دار الفنون التي تعتبر المبادرة الأولى من نوعها في المدينة، فضلا عن عدد من مكتبات الأحياء. ففي إطار برنامج التأهيل الاجتماعي المندمج لمدينة الفنيدق، والممتد بين سنتي 2009 و2012، وضع محمد اليعقوبي، العامل السابق لعمالة المضيقالفنيدق، في شهر أكتوبر من سنة 2010، حجر الأساس لبناء «دار الفنون»، التي تعتبر المؤسسة الأولى من نوعها في المدينة، لكن أشغال إنجازها سرعان ما توقفت ولم يختلف مصيرها عن مصير بقية المؤسسات المجمدة. غير أن «دار الفنون» جنت في طريقها أيضا على بناية الإدارة التربوية لمؤسسة تعليمية، أصبحت تنتظر بدورها تشييد بناء جديد يمارس فيه الطاقم الإداري أعماله اليومية، حيث شمل الفضاء الذي يفترض أن تبنى «دار الفنون» فوقه إدارة المدرسة الابتدائية «ابن النفيس»، وهو ما دفع إلى هدم البناية الإدارية، على أساس أن يتم إنشاء بناية جديدة في مكان آخر داخل المؤسسة، غير أن أشغال بناء الإدارة الجديدة توقفت بدورها، ووضعت الطاقم الإداري في موقف حرج. مكتبات الأحياء إلى جانب «دار الفنون»، شملت مشاريع برنامج التأهيل الاجتماعي المندمج، سيئة الحظ كذلك، مكتبة حي «المرجة»، وهي واحدة من بين المشاريع التي كتب لها أن تصبح، لحد الآن على الأقل، مأوى للمشردين ومتعاطي المخدرات، بدل أن تمارس دورها في توفير فضاءات للبحث العلمي والمطالعة لتلاميذ والرفع من مستوى تحصيلهم المعرفي و الدراسي. وليست هاته المكتبة سوى واحدة من بين 10 مكتبات دشنها الملك محمد السادس خلال زيارته لحي الأميرة بمدينة الفنيدق، وتدشينه لمكتبة الحي، في شهر فبراير من سنة 2010، حسب ما تم الإعلان عنه وقتئذ، غير أن الأشغال لم تنطلق فعليا سوى في 5 منها، وبينما فتحت اثنتان منها أبوابهما في وجه المستفيدين، لا تزال ثلاثة في طور الإنجاز، أما المكتبات الخمس الباقية فلا يدور أي حديث حولها بعدما طواها النسيان. وبالإضافة إلى مكتبات الأحياء، دشن الملك محمد السادس عددا من «دور الأحياء» التي لم تجد طريقها للإنجاز على صعيد عمالة المضيقالفنيدق رغم إعطاء انطلاقتها يوم 4 مارس 2010، وكان يفترض أن يتم تشييد 3 دور للأحياء بمدينة الفنيدق. وتضم هذه الدور، التي تبلغ تكلفة إنجاز الواحدة منها مائة وثلاثين مليون سنتيم، أقساما للتكوين المهني في الفصالة والخياطة والكهرباء وفنون الطبخ، وقسما لمحاربة الأمية، وقسمين للتعليم الأولي، وقاعة للإعلاميات وأخرى للعروض، وقد تم حفر أساسات بناء واحدة منها بإعدادية الزرقطوني، قبل أن يتم إهمال تلك الحفر التي أصبحت تشكل خطرا على تلاميذ المؤسسة.
تعدد المتدخلين وغياب التزام الجماعة الحضرية يؤخران الأشغال أرجع فاعلون في المجتمع المدني والعمل الاجتماعي بمنطقة المضيقالفنيدق الجمود الذي تعرفه هذه المشاريع التنموية والاجتماعية لعدة أسباب، يأتي على رأسها تهاون عدد من الأطراف الموقعة على الاتفاقيات في الوفاء بالتزاماتها. وتنص الاتفاقيات الإطار المتعلقة بإنشاء هذه المؤسسات على مساهمة عدد من الوزارات والمؤسسات العمومية، والمؤسسات ذات الطابع الاجتماعي، في توفير مختلف متطلبات إنشاء وتدبير معظم هذه المشاريع، والتي أشرف على توقيعها الملك محمد السادس أثناء زيارته للمنطقة في 16 فبراير 2010، وتتنوع تلك الالتزامات بين المساهمات المالية وتوفير الفضاءات وتكوين العاملين وغيرها. من جهة ثانية، أرجع فاعلون في الحقل المدني هذا التأخير، كذلك، لعدم قدرة الجماعة الحضرية بالفنيدق على القيام بدورها، المتمثل في إيجاد الأراضي التي يفترض أن تحتضن هذه المشاريع، وذلك لعدم توفرها على وعاء عقاري مملوك للجماعة من جهة، ولخشيتها من اتخاذ قرارات نزع الملكية من جهة ثانية، لاعتبارات سياسية وانتخابية مع قرب إجراء الانتخابات الجماعية المتوقعة هذه السنة. كما تنتظر الجماعة الحضرية انتهاء إجراءات حصولها على قرض من صندوق التجهيز الجماعي، من أجل تغطية مساهمتها في المشاريع المعلنة، ويضاف إلى هاته الأسباب تأخر وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم شمال المملكة، وفق ما أفادت به مصادر من اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بعمالة المضيقالفنيدق. يشار إلى أن توقف معظم الأشغال المبرمجة قد تزامن مع ترقية العامل السابق لعمالة المضيقالفنيدق، محمد اليعقوبي، والذي أصبح واليا بالنيابة لجهة طنجةتطوان حاليا، مما طرح أكثر من تساؤل حول ارتباط هذه المشاريع بشخصه، وعدم قدرة المسؤولين المتعاقبين على إدارة هذه العمالة، على تحريك المشاريع المتوقفة.