في ذلك اليوم خلدت للنوم على سريري في بيت والدتي، حيث أزورها كل يوم عطلتي.. أغادر مملكتي الصغيرة، حيث أكون «الملِكة» و«الأمَة» في الآن نفسه، لأختليّ في لحظات بنفسي على سريري الصّغير (السّابق) أداعب طفولتي، التي لا تفارق محطاتُها البريئة مخيلتي كلما وضعت برأسي على الوسادة، حيث تتهاطل على مسامعي همسات جدتي وأيضا، لمساتها، وهي تمرر بأصابعها على ضفيرتي.. نزعت جلباب الأم، إذن، غادرتُ حضن طفلي وأرتميتُ بين أحضان طفولتي، حيث الحنين إلى أيام البراءة والعذوبة والأحلام الجميلة.. في تلك الليلة تذكّرتُ، أيضا، تفسيرا كانت جدتي قد قدّمته لي جوابا عن استفسار طرحته عليها: «ما معنى المْرا ضْلعة عُوجة؟».. عبارة سيطرت حينها على تفكيري، بعيد حضوري نقاشا حادّاً دار بين جدّي وجدّتي.. ليرمي في وجهها العبارة ويغادر، متجها إلى السّوق الأسبوعي «خْميس مْديونة» لإحضار مُتطلَّبات «الخيمة».. وحينما أسدل الليل ستارته، اختبأتُ في «شُونْ» جدتي الدافئ على أضواء «اللامبة» الخافتة، وطلبت منها توضيحا عما قاله جدّي، ظنا مني أنه قد شتمها.. ضحكتْ وأطبقت عليّ بذراعيها وضمّتني بكل قوتها.أجابت قائلة: «قالو الناسْ اللَّولينْ للتّاليينْ: المْراة ضلعَة عُوجَة.. اللّولينْ ما كذبوش.. ولاينّي التّاليينْ ما فهموشْ.. الضّلْعة عُوجة.. خلقها سيدي ربّي إيلا جيناهَا لعنادْ.. وبغيناها بْزّز منها تّقادّ غادينْ نهرّسُوها.. وإيلا هرّسناها نُوحْلو فيها.. هادْ شي علاشْ سيادْنا اللّولينْ قالو راها ضْلعة عُوجة.. ماشي دومة فالوادْ».. ابتسمتُ وقتها وخلدت للنوم، لكون جدتي لم تُشبع فضولي الطفولي ومنحتني جوابا لم أستوعب معنى سطوره إلا بعد أن «رمى» بها بائع للخضر في وجه إحدى النساء في السّوق الشعبي بعد نقاش حاد بينهما.. فقد قال بأعلى صوته: «راكُومْ ضْلعة عُوجة»، ويقصد بالطبع شتمها والنيل منها، ولم يَدرِ أنّ الأمر ليس كذلك، كما فسّرت الأمرَ جدتي، حيث المقصود من تلك «المأثورة» أنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج من الرّجل، والاعوجاج يعني الانعطاف، وجلّت قدرته له حكمة في خلقها من ضلع أعلى فوق القلب، أي أنّ الرجل هو نهاية منعطف المرأة، مهْما سارت طويلا في انعطافها، ليكون صدر الرجل الملاذ الأخير لمطلبها، ففيه كل الأمان لغريزتها الأنثوية، واذا فقدت المرأة أمانها في زوجها أجبرها على أنْ تبحث عنه وتتمناه، فإذا توفر لها أسَرَها، وإنْ غاب عنها خسرها.. فالأنثى في دواخل كل امرأة فينا طفلة، اينما وجدت ابتسامتها فثمة ألْفتُها، وذلك ما قصدته جدّتي بقولها: «إيلا جيناهَا للعناد.. وبغيناها بْزّز منها تّقادّ غادينْ نهرّسُوها». وبدوري، استوعبتُ مقولة جدّتي بعد مروري من منعطفات الحياة وعرة المسالك، بكون المرأة بطبيعتها ذات عاطفة مُلتهبة، تهدأ أينما وجدت دفئها وأمانها وحفظا لكرامتها، في المكان الذي لا توجد فيه رياح وعواصف الألم والحزن، التي تؤذي عاطفتها اللينة وتخدشها.. فالزوج يقتطف زوجته كالزّهرة من بيت يحتوي أخوة وأخوات وأما وأبا.. يأخذها من بين أحضان أسرتها، وحجته أنه سيحافظ عليها حفاظه على بؤبؤ عينيه، وما إن تمر شهور الخطبة وأيام الزّواج الأولى وينال متعته منها حتى تراه معدّدا عيوبها بالقول: «المْراة ضْلعة عُوجة»، «المْراة ناقصة عَقل ودِينْ» متناسيا لهفته عليها قبل أن يسبلها عذريتها.. اسمَ والدها.. رشاقتَها... يضعها في غرفة نومه.. فلا سعادة ولا عاطفة، لتذبل تماما كالزّهرة، بل وأكثر من ذلك يعتبرها «ضِلعاً أعوج»، ومن حقه إصلاح اعوجاجه بالعنف، بشتّى أنواعه.. وهذه رسالة أبعثها إلى كل زوج وزوجة... أحسنوا إلى أنفسكم وأعيدوا نهر العواطف في بيوتكم.. ليَهنَأ كل واحد منكم بنصفه الآخر، الذي سعى إلى الارتباط به واختياره دون غيره... ولا تنسَ، أيّها الرجل، أنّ المرأة إنسان.. له عقل يفكر وقلب ينبض ولا اعوجاج يطاله.. والرّجلُ الحق هو من يسلبها عقلها وقلبها بالحُبّ وليس بالعنف..