يقارب عمرها 80 سنة، أسّسها نساء ورجال تعليم فرنسيون كانوا يعملون في المغرب، تمتد جذورها إلى فرنسا، تهتمّ بالدفاع عن قضايا نساء ورجال التعليم وتساعدهم في المجال القانوني وتدافع عنهم في حال تعرضهم لاعتداءات أو تعسفات إدارية، ينخرط فيها أزيد من 70 ألفا من نساء ورجال التعليم.. عالجت منظمة التضامن الجامعي المغربي في السنة الماضية 141 قضية، أغلبها اعتداءات في حق هيأة التعليم، تربطها شراكة بوزارة التربية الوطنية لكنها غير مفعّلة وتفتقر إلى الدينامية لتحقيق الغاية منها.. في هذا الحوار يحدثنا عبد الجليل باحدو، رئيس منظمة التضامن الجامعي المغربي، عن مسارها واهتماماتها وخدماتها وكذا عن شراكتها بوزارة التربية الوطنية. - نود في البداية لو تقدموا لنا ورقة تعريفية عن التضامن الجامعي المغربي؟ التضامن الجامعي المغربي منظمة تطوعية مستقلة تأسست سنة 1934 من طرف أعضاء هيأة التعليم الفرنسية العاملين في المغرب كامتداد للمنظمة المركزية القائمة في فرنسا FEDERATION DES AUTONOMES DE SOLIDARITE والتي تم إنشاؤها سنة 1909 كجمعية غايتها مؤازرة أعضاء الهيأة التعليمية في مواجهة أخطار المهنة، وخاصة الحوادث المدرسية التي كانت تخضع لنظام مسؤولية المدرّسين عن الخطأ الشخصي.. مع الاستقلال، أسس المُدرّسون المغاربة جمعية التضامن الجامعي المغربي، وإنْ كان ذلك في الحقيقة ليس إلا نقلا لمسؤولية تسيير الجمعية إلى أياد مغربية. وتستمد الجمعية روحها من فكرة التضامن، تضامن الهيأة بما يلحم أسرة التعليم ويجعلها أكثر قوة وفاعلية، من أجل أداء رسالتها النبيلة، التي لا يمكن لأحد أن يُشكك في أهميتها ودورها المؤثر في صياغة مصير مجتمعنا وصناعة الإنسان المغربيّ، فأداء عضو هيئة التعليم دورَه ورسالته على الوجه المطلوب يتطلب توفير حماية حقوقه وتوفير الشروط المناسبة لممارسة عمله على المستويين المادي والمعنوي.. والتضامن الجامعي هيأة تلتزم مبادئ الديمقراطية الداخلية والتسيير الذاتي، وقيمها الأساسية هي (التضامن، التشارك والتواصل، العقلانية، الحياد، الاستقلالية، الديمقراطية والاحترام المتبادَل) وهي تضمّ ما يزيد على 70 ألفَ عضو في أكثرَ من 7 آلاف مؤسسة تعليمية، مُوزَّعة على مختلف مناطق المغرب. - ما هي نوعية القضايا التي يتدخل فيها التضامن الجامعي المغربي؟ وما هي حدود اشتغاله؟ التضامن الجامعي المغربي منظمة في خدمة كل من ينتسب إلى قطاع التربية والتعليم، تقدّم لمنخرطيها مجموعة من الخدمات القضائية، القانونية، المعرفية والاجتماعية، فهي تدافع عن منخرطيها كلما أدخلوا في دعوى بصفتهم مسؤولين مدنيا عن حوادث يتعرّض لها التلاميذ تحت حراستهم أو بسببهم. تدافع عنهم، كذلك، عندما يكونون ضحايا أو متابَعين من أجل جنح من قبيل الشتم والقذف والتهديد والضرب والجرح والوشاية الكاذبة، سواء ارتُكبت تلك الجنح أثناء ممارستهم وظيفتهم أو بمناسبة ممارستهم لها أو بسببها.. كما تدافع عنهم أمام المحاكم الإدارية في مواجهة أخطاء الإدارة والقرارات الإدارية المُتّسمة بالشطط في استعمال السلطة، والتي تمسّ المركز القانوني للمنخرط، مثل النقل التعسفي، الحرمان من الترقية، العزل والتوقيف غير المُبرَّرين، القرارات التأديبية المعيبة، الاقتطاعات غير المشروعة من الأجرة، الإعفاء من المهام المتسمة بخرق القانون، الطعن في نقطة التفتيش أو الإدارة... وتجدر الإشارة إلى أنّ الجمعية تدافع عن هيأة التعليم، ولا تساند عضوا في الهيأة ضد آخَر، مَهْما تكن الأسباب والدواعي، بل تسعى إلى تشكيل لجنة صلح لتسوية أي مشكل بالطرق الحبية بما يحفظ للمهنة كرامتها، إضافة إلى مؤازرة المنخرط أمام القضاء العادي والإداري.. واعتبارا إلى أنه لا أحد يُعذر بجهله القانون، فإنّ الجمعية تضع رهن إشارة منخرطيها، مستشاريها القانونيين والإداريين، يُقدّمون لهم التوجيهات القانونية ويشرحون مساطر معالجة مشاكلهم المهنية، كما يجيبون على كل المشاكل الإدارية أو التربوية التي يواجهونها. كما تصدر الجمعية سنويا «المرشد التضامني»، وهو دليل عملي سنوي يُمَكِّن المنخرط (ة) من مواكبة كل ما يجد ويتطور، خاصة في الميدان التشريعي، حيث نعمل على شرح النصوص الرئيسية، مُستهدفين أمرَيْن أساسيين هما: كرامة عضو هيأة التعليم كعضو عامل واحترام قواعد أصول الإدارة العمومية للتعليم وتعميق الوعي بحقوق وواجبات أعضاء الأسرة التعليمية. كما تصدر الجمعية كتبا وأدلة ضمن سلسلة منشورات صدى التضامن، تتناول قضايا التربية والتشريع مع كثير من التوسع والتخصّص، يناهز عددها الخمسين إصدارا، تتوخى كلها توفير المعارف والخبرات اللازمة لتطوير المستوى المادي والمعرفي للأطر التعليمية وتأهيلها لأداء مسؤولياتها التربوية والإدارية والاجتماعية وإعدادها للارتقاء المهني.. تتوفر التضامن الجامعي المغربي حاليا على مركز للإيواء في الدارالبيضاء، يستقبل المنخرطين والمنخرطات الذين يتوافدون على العاصمة الاقتصادية للفحوص الطبية أو العلاج أو لأغراض أخرى.. وهناك مشاريع لإنشاء مراكز مماثلة في جهات مختلفة. - شهدت الفترة الأخيرة مجموعة من الاعتداءات على نساء ورجال التعليم، والملاحظ دائما هو دخول النقابات على خطوط تلك الاعتداءات، فيما يُسجَّل غياب موقف التضامن الجامعي من تلك الاعتداءات.. كيف توضحون هذا الأمر؟ لا تفوت منظمة التضامن الجامعي المغربي الفرصُ لتسليط الأضواء على نشاطها، وما تنشره جمعيتنا سنويا من إحصاءات مفصلة عن عدد الاعتداءات وطبيعتها والإجراءات المتخذة في شأنها، يكفي دليلا على الدور الذي تؤدّيه التضامن الجامعي وباستمرار في مجال حماية أعضاء الأسرة التعليمية ومواجهة ما يتعرّضون له من أخطار خلال مزاولة مهامهم.. لقد تدخلت التضامن في السنة الماضية 141 قضية، صدرت في شأن 85 منها أحكام نهائية، كما أنها توصلت هذه السنة، وإلى غاية 31 مارس 2013، ب94 قضية، من بينها 68 تتعلق بالاعتداء على أعضاء الهيأة التعليمية المنخرطين (ات) في التضامن، وهذه الملفات ننشر طبيعتها ونوع الاعتداءات ومتسويات حدوثها، ومن قام بها ومَن كان ضحيتَها ومآلاتها القضائية، فعملنا ليس عملا موسميا ولا ينتقي أحداثا بعينها، فنحن نعتبر أنّ أيَّ اعتداء على عضو في الهيأة التعليمية، بصرف النظر عن انتمائه النقابي أو الحزبي، هو اعتداء على أسرة التعليم كلها.. هل تتوفر التضامن الجامعي المغربي على دراسات أو إحصائيات رسمية مضبوطة حول العنف المُمارَس على نساء ورجال التعليم؟ وهل لديها أرقام في الموضوع؟.. كما أشرت، فإننا نتوفر على الإحصائيات المتعلقة بمنخرطينا ومنخرطاتنا الذين يتعرّضون لمخاطر المهنة، فحسب هذه الإحصائيات يمكن أن نؤكد أنّ العنف والاعتداءات على أعضاء أسرة التعليم سارت تاريخيا في خط بياني صاعد على الشكل التالي: 1960: عالجت الجمعية 7 قضايا؛ 1961 1981-: كان متوسط القضايا 16 في السنة؛ 1981 1990-: انتقل إلى 87 قضية في السنة؛ 1990 -إلى الآن: متوسط 150 قضية في السنة؛ ويمثل السبّ والشتم: %45 من القضايا المعروضة؛ والضرب والجرح: %11. ومما نسجله أن أكثر الفئات تعرُّضا للاعتداءات هم أساتذة ومديرو التعليم الابتدائي بنسبة %47، بينهم %26.3 إناث و73.7 % ذكور. وأساتذة التعليم الثانوي الإعدادي، بنسبة %15.3، بينهم 30 % إناث و70 % ذكور، ثم أساتذة التعليم الثانوي -التأهيلي بنسبة %13، ومنهم %12.5 إناث و87.5 % ذكور. وبطبيعة الحال فإنّ الاعتداءات تطال مديري الابتدائي والإعدادي والثانوي والحراس العاملين والإداريين والأعوان في مختلف مناطق المغرب، بل إنها طالت حتى نائبَ وزارة التربية الوطنية، كما أنّ هناك قضايا يتم حلها بالوسائل الودية من خلال لجن الصلح التي تتوفر عليها التضامن الجامعي المغربي في كل الأقاليم والجهات، فضلا على قضايا يتنازل عنها أصحابها لأسباب مُتعدّدة. إن هذه الإحصائيات تهم فقط نسبة 30% من أعضاء الهيأة الذين هم منخرطون في التضامن الجامعي المغربي، ولا تعني مجموع الأطر العاملة في قطاع التعليم المدرسي، الذين وصل عددهم -حسب إحصائيات 2011- إلى 252.424، تشكل هيأة التدريس في الابتدائي 138.884 والإعدادي 49.480 والتأهيلي 51.061. وإذا كان عدد التلاميذ المسجلين في المؤسسات التعليمية العمومية برسم نفس السنة يبلغ 6.379.689 تلميذا، يكون المجتمع المدرسي يضم 6.632.113 مواطنا، ومجتمع بهذا العدد، وبتنوع مشاربه الاجتماعية والاقتصادية الثقافية، وما يحمله من اختلالات مجتمعية في أبعادها القيمية والتربوية والمعرفية والثقافية، لا بُدّ أن يحمل إلى وسطه بعضَ الظواهر التي يعرفها المجتمع العام، ومن بينها العنف، الذي يحتلّ مكانة أساسية في الحياة اليومية، فباعتبار أنّ المؤسسة التعليمية توجد في قلب المجتمع، فإنها لا تنجو من العنف أو تكون غير بعيدة عنه.. - هل هناك تنسيق بين وزارة التربية الوطنية والتضامن الجامعي المغربي في مجال محاربة ظاهرة العنف أو التقليل منها على الأقل؟ -رغم أن الفصل ال19 من الوظيفة العمومية ينص على أنه «يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيع والسباب التي قد تستهدفهم بمناسبة أدائهم مهامهم، فإن التجربة دلت على أنّ وزارة التربية الوطنية لا تؤدي دورها في دعم ومساندة موظفيها الذين يتعرضون للاعتداء والإهانة والقذف.. وتقوم التضامن الجامعي المغربي بسد هذا الفراغ منذ أكثر من خمسين سنة، حيث تؤازر منخرطاتها ومنخرطيها في حالة التعرض للعنف المادي أو المعنوي أو التهديد من طرف أولياء وآباء التلاميذ أو التلاميذ أنفسهم أو عناصر أجنبية عن المؤسسة. وترتبط الجمعية بشراكة مع وزارة التربية الوطنية منذ 2005، إلا أنها في حاجة إلى تفعيل ودينامية لتحقيق الغاية من توقيعها، وقد وجّهنا العديد من المراسلات إلى السيد وزير التربية الوطنية الحالي، منذ توليه مهامه، من أجل تجديد هذه الاتفاقية وتطويرها، ومازلنا في انتظار رده. - يسجل بعض المنخرطين في التضامن الجامعي المغربي تذمّرهم من بطء المساطر المتبعة في حال لجوئهم إلى التضامن الجامعي، وإذا كان العكس يمكن الاستشهاد بحالات تبنتها التضامن الجامعي المغربي؟ إطلاقا، ليس هناك أي بطء في تقديم خدمات التضامن الجامعي المغربي، بل على العكس، فالجمعية تحرص أشدّ الحرص على الاستجابة لطلبات المشورة القانونية والعادية، سواء عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني أو البريد العادي ومباشرة في مكتب الجمعية.. كما تتم متابعة قضايا مخاطر المهنة بشكل فوري، وكل ذلك وفق إجراءات وشكليات يحددها القانون الداخلي للجمعية، وخير دليل على ذلك مئات القضايا التي تعالجها الجمعية سنويا، حيث وصل عدد القضايا خلال هذا الموسم إلى 94 قضية، ننشر بعضها في المرشد التضامني أو الجريدة التربوية وعلى موقع الجمعية الإلكتروني، كما أن مراسلينا ومراسلاتنا وأعضاء مكاتبنا الجهوية والإقليمية يكونون سباقين إلى دعم ومؤازرة أي منخرط أو منخرطة، ونقدم أمثلة على ذلك من قضية الأستاذة التي تم الاعتداء عليها وفقء عينها في شيشاوة (رغم أنها كانت غيرَ منخرطة لالتحاقها بالتعليم حديثا) وملف سلا، الذي تعرَّضَ فيه أستاذ لمحاولة القتل، وملف الأستاذة التي تعرّضت لحملة شرسة من طرف الصحافة واتهمتها بالاعتداء على تلميذ وتشويه وجهه.. ولضيق المجال لا يمكن أن نستعرض كل القضايا التي نعالجها في المنظمة. - هل يقوم التضامن الجامعي المغربي بمبادرات استباقية لتوعية نساء ورجال التعليم حول المشاكل القانونية التي قد تساهم في تقليل مظاهر العنف داخل المؤسسات التعليمية والمؤسسات التابعة لوزارة التربية الوطنية أو الحد منها؟ بالتأكيد، فدور التضامن الجامعي المغربي لا يقتصر فقط على دعم ومؤازرة المنخرط الذي يواجه وضعية ما من أوضاع مخاطر المهنة، ولكنْ أيضا بذل كل الجهود من أجل تجنب المخاطر المُحتمَلة والوقاية منها، وهذه المبادرات الاستباقية تتجسد في ما ننشره من دراسات وتوجيهات في «المرشد التضامني» و»الجريدة التربوية» وفي «موقع» الجمعية على الأنترنت، وكذا ملخصات مقتضبة مع مجموعة من النصائح عن قضايا الأخطاء والأخطار التي تُعرَض علينا من أجل التنبيه إلى ضرورة تجنّب إتيان أي فعل من شأنه أن يُستغَلّ ضد المدرس وإلحاق الضرر المعنوي والمادي بوضعيته، وكذلك من أجل الحرص على التمسك بأخلاقيات المهنة حتى يحصّن المدرس كرامته ويُقدّم الصورة اللائقة به كصانع قيم ومُربي أجيال. كما أننا نعتقد أنّ العمل البيداغوجي يشكل أهمَّ وقاية من العنف المدرسي، إذا كان المدرسون يساهمون من خلال المواد التي يدرّسونها في تكوين المواطن الصالح للمستقبل، ومن هنا فإنّ المدرسة والهيأة التعليمية والتلاميذ معنيون بهذا الموضوع ومطلوب منهم، هم أنفسهم، إيجاد عناصر الإجابة والحلول.. ومن أجل ذلك، نطالب أعضاء الهيأة التعليمية بالانخراط الفعليّ في عملية الإصلاح وعدم الاكتفاء بالمطالبة بالحقوق، بل أداء مسؤولياتهم التي تتمثل في تنشئة الأجيال وتربيتها على روح المواطنة الإيجابية وتمكينها من القدرات العلمية والثقافية اللازمة لقيادة عملية التحديث والتطوير والنمو الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع..