سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بداية الفصل الثاني من محاكمة أشهر نصاب في تاريخ الجزائر توبع فيها 75 متهما جلهم وزراء وبرلمانيون وسياسيون تلطخت سمعتهم في النظام المافيوزي الذي أنشأه رفيق خليفة
مؤسسة بنكية في كل مدينة من المدن الكبرى الجزائرية، شركة للطيران تقلع طائراتها وتحط في أوقات مضبوطة، قناة تلفزية في فرنسا، تموين سخي لفريق أولمبيك مرسيليا، مستخدمون يتعدى عددهم 15000 عامل...كل هذا الإنجاز الباهر لرفيق عبد المومن خليفة، كان كفيلا بإثارة إعجاب مواطنيه في الجزائر ولفت أنظار الناس في الخارج، في وقت كانت فيه بلاده الجريحة تلملم جراحها بعد أن خرجت بالكاد من حرب أهلية حصدت 100.000 قتيل.. نجاح هذا الرجل، الذي كان والده وزيرا سابقا وبسرعة كبيرة، أثار كثيرا من الإعجاب والحماس والحسد، خاصة أنه كان مجرد شاب في الثالثة والثلاثين من عمره فقط.. شاب مفعم بالحيوية توصل إلى حرق المراحل بكيفية مدهشة مكنته من الاستيلاء على ناصية المجد والثراء دفعة واحدة؟ لكن ذلك لم يكن سوى الوجه الظاهر البراق للحكاية. أما الوجه الخفي فتختفي وراءه قصة مليئة بالغموض والأسرار العجيبة. كيف ذلك؟ وراء هذا النجاح المثير للشاب رفيق، الذي بدأ سنة 1999 وانتهى سنة 2003، اكتشف الرأي العام من خلال المحاكمة التي جرت بداية 2007 أن تلك المؤسسة التي أقامها الشاب، لم تكن سوى جبل من ورق، وأن ما ميز نشاطها، كان مجرد ممارسات قذرة في مستوى ما تقوم به المافيا من إجرام. ماضي حافل بالإجرام كان رفيق خليفة رجلا في منتهى الإسراف ويمارس الرشوة على أعلى المستويات، وكانت خطته تتمثل في شراء ذمم الشخصيات السياسية والفنية والإعلامية والصناعية. ورغم ولوجه للعالم المخملي من بابه الواسع، فإن إدارته الكارثية لمشاريعه المشبوهة تسببت في خراب مئات الآلاف من الذين ادخروا أموالهم في أبناكه. ولم تسعفه عجرفته الصارخة ولو بكلمة اعتذار واحدة يقولها لضحاياه، أو إظهار ولو نزر يسير من التعاطف نحوهم. وعوض أن يتحمل مسؤوليته كاملة في هذا الفشل المدوي، لجأ تارة إلى اتهام الرئيس بوتفليقة على أنه هو من كان وراء خرابه، وتارة أخرى إلى اتهام مساعديه على أنهم هم من غرروا به وقادوه إلى الهلاك والإفلاس. فهل سيأتي يوم وتنكشف فيه خبايا هذه الفضيحة النكراء؟ المتتبعون للملف لا يعتقدون ذلك، ذلك أنه عوض أن تؤخذ العبرة من قضية خليفة، فإنها على النقيض من ذلك، فتحت الباب على مصراعيه لقضايا غامضة أخرى تورط فيها وزراء، وموظفون سامون، وأبناء وبنات النافذين في النظام الجزائري. وهذه القضايا على اختلاف درجات خطورتها، باتت تظهر بجلاء كبير المقت الدفين الذي أصبح الجزائريون يكنونه لتصرفات بعض مسؤوليهم، ولا أدل على ذلك، ما حام حول قضايا سومطراك والطريق السيار شرق غرب، وقضية الإيطالي صليبيم، والكندي س. ن، سي، لا فلان من غموض وشبهات. وحين أفلس خليفة وأدين، فإنه عبد الطريق بدون أن يدري لنصابين آخرين. لماذا إعادة محاكمة خليفة؟ بعد ستة أعوام من محاكمة الصندوق المركزي لبنك خليفة، ستعاد محاكمة 75 متهما في المحكمة الجنائية لمدينة بجاية الواقعة في الجنوب الشرقي للعاصمة بتهم تكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة، والنصب والاحتيال، وخيانة الأمانة، وتزوير وثائق رسمية. سيمثل كل هؤلاء أمام محكمة الاستئناف في غياب المتهم الرئيسي رفيق مومن خليفة، الرئيس المدير العام السابق للمجموعة التي تحمل اسمه، والمعتقل حاليا في لندن. وخلافا للمحاكمة الأولى التي كانت قد استأثرت باهتمام الرأي العام طيلة شهرين ونصف، من يناير إلى مارس سنة 2007، فإن كل المراقبين يتوقعون أن الفصل الثاني من هذه المحاكمة لن يزيد في تسليط أي ضوء على حماقات «الطفل الذهبي» ولا على «كرمه الخيالي» تجاه نخبة من الشخصيات النافذة في البلاد. في هذا الصدد يقول الأستاذ خالد برغال، أحد محامي الدفاع: «لن يتغير الحكم قيد أنملة ما دام القضاة يستندون على نفس القرار الصادر من المحاكمة الأولى، والجديد يتجلى فقط في تشكيلة هيئة التحكيم وعدد المتهمين، الذين سيصبحون 75 عوض 94 والشهود الذين سيربو عددهم على ثلاثة مائة». وحين يسأل المحامي عن جدوى إعادة هذه المحاكمة، يجيب: « لأن للمتهمين كامل الحق في فرصة ثانية، وإن كانت أغلبيتهم قد قضت الجزء الأكبر من عقوبتها، وبعضهم قد غادر السجن.» وزراء في قفص الاتهام هناك حظوظ قليلة كي نرى في قفص الاتهام وزراء وبرلمانيين وشخصيات نافذة سبق لها أن تلطخت سمعتها في هذه الفضيحة. «وأهم من ينتظر أن يرى في قفص الاتهام رجال سلطة استفادوا سابقا من نظام خليفة»، يقول المحامي خالد برغال بلهجة حاسمة. لقد سبق أن استمعت المحكمة سنة 2007 لشهود أساسيين كمراد مدلسي، وزير الاقتصاد حينئذ ووزير الخارجية حاليا، وعبد المجيد تابون، وزير السكنى الذي يشغل هذا المنصب منذ بداية سنة 2000، وهما يستفيدان اليوم في سنة 2013 من نفس القانون، الذي رفع عنهما كل تهمة. والجدير بالذكر أن بعض المتهمين أبرزوا مسؤولية وزير الإسكان في إيداع شيك ترجع ملكيته لمكتب التنمية والإدارة العقارية قيمته 103 مليارات أورو (5،10 دينار) في حساب «خليفة بانك»، وخرج الوزير من المحكمة حرا طليقا، وفي هذه المحاكمة أيضا، يستبعد أن يكون حتى ضمن الشهود. نفس الأمر بالنسبة لبوكرة سلطاني، وزير الدولة السابق، ورئيس الحركة الاجتماعية من أجل السلام الذي اتهمه العديد من المتورطين في القضية بضخ 100 مليون أورو، ترجع ملكيتها إلى الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية في حساب خليفة، مع العلم أن القانون يفرض عليه أن يودعها في الخزينة العامة. كما أن عبد المجيد سيدي سعيد، رئيس نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين العتيدة، لن يكون هو أيضا ضمن المتهمين، وإن كان قد اعترف أمام المحكمة سنة 2007 بأنه قام بتزوير أحد المحاضر. وهكذا، فإن الشخصيات السياسية والنقابية والرياضية والصحافية والفنية والعسكرية التي سبق لها أن استفادت من امتيازات شتى، لن تكون مطالبة بتقديم الحساب أمام المحكمة. يقول خالد بورايو محامي آخر من هيئة الدفاع بهذا الخصوص: «المحاكمة الأولى نصبت لمحاكمة المستضعفين، وهذه لن تشذ كذلك عن القاعدة» غموض القضية لا تشكل قضية «خليفة بانك» سوى شق من التحقيق الذي فتح سنة 2003، إذ أن قضيتين أخريين لا زالتا تعرضان تحت المجهر...»وهما على نفس الأهمية إن لم نقل أكثر، اعتبارا للأضرار الكبيرة التي تسببتا فيها للخزينة العامة « يقول المحامي يوسف ديلم الذي ساند سنة 2007 أحد مسؤولي البنك. القضية الأولى تسمى «قضية سويفت»، وهي تتعلق بتحويل العملة الصعبة من المجموعة في الجزائر إلى الخارج، فحسب وثائق رسمية، فإن مقدار هذه التحويلات التي وصفت بالمشبوهة والتي أنجزت ما بين سنة 2000 و2003 قدر ب 1,2 مليار أورو، ذلك أنه عندما كان النظام يشتغل بكل طاقاته، كانت تخرج «من بنك خليفة» 4 مليارات دولار يوميا وتصب في بنوك أوروبا وآسيا وأمريكا. هذه المبالغ الباهظة كانت تستعمل لكراء الطائرات وشراء السيارات الفاخرة من نوع الليموزين، وتسديد أجور كبار رجال الأعمال، واستخلاص فاتورات الفنادق والمطاعم وشراء العقارات للأحباب والأصدقاء واقتناء المجوهرات. وبعد مرور عشر سنوات على هذا الإفلاس المبين، فإن المحققين لم يستطيعوا إلى حد الساعة تحديد أسماء كل المستفيدين من هذه الامتيازات الهائلة»، يقول أحد العارفين بخبايا الملف. أما القضية الثانية فتتعلق بالمحطات الخمس لتحلية ماء البحر المهداة إلى الحكومة الجزائرية سنة 2002. «إنها سرقة بمعنى الكلمة»، يعلق أحد الوزراء السابقين الذين لهم إلمام بالملف. ذلك أن محضر استماع حررته مصالح الدرك يكشف بأن كل التجهيزات المتعلقة بهذه المحطات قد اقتناها خليفة من شركة سعودية بما قدره 65 مليون أورو، وأن محطتين مملوءتين بالأمْيَنْت قد وُجهتا إلى ميناء الجزائر العاصمة، إلا أنهما لم تشغلا أبدا. واحدة منهما أغرقت، والأخرى تآكلت بفعل الصدأ الذي طالها في عرض البحر ببومرداس، أما الثلاث الأخريات، فلم يتم تسلمها قط. وبعد تحقيق تكفلت به وزارة الموارد المائية وأسند إنجازه إلى مكتب سويسري لإقامة الخبرات، تبين أن المحطات الخمس لم تكن في الحقيقة سوى مضخات عائمة استعملت لتزويد مصطبات بترولية بالماء في عرض الخليج الفارسي. فأين ذهبت الملايين إذن؟ للجواب على هذا التساؤل يؤكد العارفون بخبايا الأمة أن قسما منها استعمل من طرف خليفة لشراء فيلا على مرتفعات مدينة كان بثمن قدره 35 مليون أورو (وبيعت بعد ذلك ب16 مليون أورو). أما القسم الآخر فقد توجه مباشرة إلى جيوب السعوديين. «إن التحريات التي قام بها قاضي التحقيق لدى محكمة «شراكة» بشأن هذين الملفين لم تتقدم إلى اليوم ولو بميليمتر واحد، ومن المحتمل جدا ألا نعرف أي شيء عن الحقيقة»، يقول أحد المحامين بنوع من المرارة. ما هو مصير خليفة؟ الآن وبعد ستة أعوام بعد المحاكمة الأولى، وفي غياب المتهم الرئيسي المعتقل بإنجلترا، سيمثل من جديد أمام محكمة البليدة خمسة وسبعون متهما، وثلاثة مائة شاهد للبت بداية أبريل في النظام المافيوزي الذي أنشأه رفيق خليفة. رفيق سيتابع محاكمته ومحاكمة مساعديه كمتفرج من بعيد، كما في المرة الأولى، عندما تلقى الحكم عليه بالمؤبد وهو بشقته الصغيرة بكينغستون بلندن، أما في مستهل شهر أبريل الحالي، فسوف يتابعها من قاع زنزانته بسجن واندسوورث في الجنوب الغربي للندن، حيث سينتظر تسليمه المحتمل إلى السلطات الجزائرية. لقد اعتقل خليفة في شهر مارس من سنة 2007، وزج به في السجن، وقد فقد بطبيعة الحال جزءا كبيرا من أصدقاء الأمس. يقول أحد أصدقائه الأوفياء القليلين: «من كان معه قبل سقطته الأولى أدار له ظهره، ولكنه يربط الاتصال يوميا مع عائلته وبعض أقاربه بواسطة الهاتف الذي تضعه المؤسسة السجنية رهن إشارة المعتقلين، إن رفيق يعتبر من المستهلكين الكبار لبطاقات التعبئة التلفونية في واندسوورث، وقد تزوج للمرة الثانية ببريطانية من أصول مغربية، ويقضي سحابة يومه إما سابحا في مواقع الشبكة العنكبوتية أو ممارسا للرياضة». لماذا لم يسلم بعد إلى السلطات الجزائرية؟ «ستجري مياه كثيرة تحت قناطر نهر التايمز قبل أن نرى رفيق خليفة يأخذ ورقة ذهاب دون إياب من لندن إلى الجزائر.» كتبت مجلة جون أفريك سنة 2010 . مرت ثلاث سنوات على ذلك، ولا زالت مسطرة التسليم مفتوحة على مستوى العدالة البريطانية. وإذا كانت وزارة الداخلية قد أعطت موافقتها يوم 28 أبريل 2010 بعد ثلاثة أعوام من مساومات بنكهة سياسية وقضائية، فإن لا شيء يؤشر على أن الرجل سيسلم في نهاية الأمر إلى الجزائر. ذلك أن محاميته السيدة أنيتا فاسيش، التي تخصصت في مساطر طلب اللجوء السياسي في الحقبة التي كانت موظفة بمنظمة العفو الدولية، ستقف سدا منيعا أمام هذه الفرضية. وفي حالة ما إذا رفض ملتمسها الذي تقدمت به إلى المجلس الأعلى في شهر يوليوز 2010، فإن المحامية ستلجأ إلى غرفة اللوردات ثم إلى المحكمة الأوروبية العليا لحقوق الإنسان. ولكي تزيد في تعقيد الأمور أكثر فأكثر في وجه هذا التسليم، فإن جريدة الغارديان البريطانية، زعمت في شهر أبريل 2010 بأن خليفة سيقتل لا محالة إذا ما قدر وأرجع إلى بلده. وقد اعتمدت الجريدة في هذا الزعم على وثائق قالت بأنها توصلت بها، مفادها أن رجل الأعمال السابق تلقى في شهر غشت 2008 زيارة شخصيتين رسميتين بريطانيتين حذرتاه من احتمال تصفية جسدية. ورغم أن لندن سارعت بتكذيب هذا الخبر، إلا أن دفاع المتهم اعتبر أن مجرد نشره هو في حد ذاته كاف لاتخاذه كذرع واق من هذا التسليم. «أعتبر نفسي في عداد الموتى إذا رجعت إلى الجزائر» يحذر خليفة بكثير من اليقين. عن مجلة «جون أفريك» بتصرف
كرنولوجيا الأحداث التي جعلت خليفة مطلوبا للجزائر أبريل 1998: إنشاء خليفة بانك يونيو 1999: إطلاق شركة خليفة إيرويز شتنبر 2002: تنظيم سهرة باذخة في مدينة كان لتدشين قناة تلفزيون خليفة نونبر 2002: البنك الجزائري يحبس التحويلات من خليفة بانك إلى الخارج مارس 2003: خليفة يلتجئ إلى لندن مارس 2005 : مذكرة قبض دولية في حق خليفة بداية 2007: الحكم على خليفة بالسجن مدى الحياة بتهمة إنشاء جماعة إجرامية والسرقة الموصوفة واختلاس أموال الدولة والتزوير. إلقاء القبض عليه في لندن أبريل 2010: وزير الداخلية البريطاني يعطي موافقته بتسليمه لبلده الأم