بعد أحد عشر يوما من التطهير العرقي الإسرائيلي بغزة أصدر البيت الأبيض أخيرا تعزية. لكن ليس من أجل أرواح 680 شهيدا أزهقت الآلة العسكرية الإسرائيلية أرواحهم، بل من أجل روح القطة «ويلي» التي وافاها الأجل المحتوم عن سن يناهز 18 سنة. والقطة «ويلي» هي القطة الأولى في أمريكا، على وزن السيدة الأولى «لورا بوش»، التي عبرت رفقة ابنتيها «باربارا» و«جينا» عن حزنهن البالغ لرحيل «ويلي». وقد غطى خبر رحيل القطة «ويلي» في بعض الجرائد الأمريكية على أخبار رحيل المئات من الفلسطينيين في غزة، حتى أن صحيفة «دالاس مورنينغ نيوز» حكت عن معاناة القطة السوداء «ويلي» في البيت الأبيض بسبب الغيرة بعد دخول الكلبين «بارني» و«بيزلي» إلى حياة الرئيس بوش وزوجته «لورا». كم هم إنسانيون هؤلاء الساكنون في البيت الأبيض. ليسوا أقل إنسانية من «تزيبي ليفني» وزيرة الخارجية الإسرائيلية التي قالت أمس أمام ممثلي الدول الأوربية دفاعا عن جرائم حكومتها، بأن الجيش الإسرائيلي يحرص على حياة المدنيين في غزة، ولذلك يرمي عليهم (بين قذيفة وأخرى) بلاغات تدعوهم لمغادرة بيوتهم. ومع أن السيدة «ليفني» كانت تتغابى أمام هؤلاء السادة الأوربيين، فقد أمسكوا جميعهم عن سؤالها سؤالا واحدا بسيطا، وهو أين تريد الآنسة «ليفني» أن يذهب هؤلاء السكان المدنيون عندما يغادرون منازلهم، هل تريدهم أن يلجؤوا إلى المؤسسات التابعة لغوت اللاجئين مثلا، لقد قصف جيشها قبل أمس مدرسة تابعة لهذه الوكالة وقتلوا أكثر من 40 طفلا وامرأة وجرحوا 60 آخرين. هذه الوزيرة الوقحة تطالب سكان غزة المدنيين بمغادرة بيوتهم حرصا على سلامتهم، لكن إلى أين تريدهم أن يذهبوا وجيش حكومتها يحاصرهم برا وجوا وبحرا داخل مساحة لا تتعدى أربعين كيلومترا مربعا ويمطرهم بالقذائف والصواريخ بلا توقف منذ أحد عشر يوما. أمس قال طبيب نرويجي يشتغل في إحدى مستشفيات غزة أنه لم ير منذ بدء المحرقة الفلسطينية سوى ضحيتين عسكريتين من حركة حماس، بينما كل الضحايا الذين وصلوا إلى المستعجلات هم من المدنيين، أربعون بالمائة منهم أطفال، وثلاثون بالمائة منهم نساء. هذا ما يسمى بحرب الجبناء. الحصار الذي تضربه إسرائيل على الفلسطينيين في غزة يجب أن تتم مواجهته بحصار مضاد تكون إسرائيل ومصالحها ضحيته هذه المرة. ولذلك فالنداء الذي أطلقه مثقفون ورجال أعمال مغاربة، منهم مغاربة يهود كإدمون عمران المليح وسيون أسيدون، يبقى نداء حضاريا ونضاليا على درجة كبيرة من الأهمية. وأهميته تأتي من موقعهم كمثقفين ورجال أعمال يطالبون الحكام، ورجال الأعمال، ورجال الصناعة، وأصحاب المصارف وأصحاب الضيعات الفلاحية والفندقيين والفاعلين الاقتصاديين وكل المواطنين المتشبعين بقيم العدالة والسلام، وجميع الضمائر الحية في هذه البلاد، من أجل الكف عن استيراد واستهلاك المنتجات الإسرائيلية، وتوقيف جميع المعاملات التجارية والتدفق السياحي للإسرائيليين نحو المغرب. إن هذا البلاغ الذي وقعه هؤلاء المثقفون والاقتصاديون والصحافيون يجب أن يتم تعميمه حتى يوقع من طرف كل الأحرار في المغرب. وحتى يكون بلاغا للناس وللحكومة، لكي يتحمل كل منهما مسؤوليته أمام التاريخ. فالحكومة مطالبة منذ اليوم بوقف الرحلات السياحية التي تنظمها وكالات سياحية للإسرائيليين لمختلف مدن المغرب. كما أنها مطالبة بوقف جميع وارداتها من إسرائيل والتي تصل إلى المغرب بطرق ملتوية عبر شركات متنكرة بأسماء أوربية، والتي بلغ رقم معاملاتها بداية سنة 2008 مليارين و100 مليون سنتيم. على بعض المخرجين السينمائيين المغاربة الذين تحمسوا لعرض أفلامهم حول هجرة اليهود المغاربة بقاعات سينمائية ومهرجانات بإسرائيل أن يراجعوا مواقفهم وأن يطفئوا حماسهم الزائد للسفر نحو تل أبيب. كما على الذين تعودوا أن يبعثوا في طلب المغني «إنريكو ماسياس» لتنشيط سهراتهم وإعطاء الانطلاقة لبيع مشاريعهم العقارية، كما صنع مالك النخيل غولف بالاص بمراكش قبل شهرين، أن يتأملوا اليوم خروج «ماسياس» الأحد الماضي بدعوة جمعية يهودية للوقوف أمام سفارة إسرائيل بباريس للتعبير عن دعمه الكامل للمجزرة الرهيبة التي يقترفها الجيش الإسرائيلي في غزة. أمثال هؤلاء الفنانين العنصريين يجب أن يمنعوا من القدوم إلى المغرب، تماما كما تمنعه الجزائر التي ولد فيها من وضع رجله على أرضها. لا أن يتم استقباله في المطار استقبال الأبطال وتتم استضافته في سهرات القناة الثانية والإشادة به كما صنع معه عمر سليم قبل مدة. أمثال «ماسياس» كثيرون، وهم لا يخفون تعاطفهم ومباركتهم للهمجية الإسرائيلية في فلسطين، ومع ذلك يجدون في المغرب ومهرجاناته كرما لا يجدونه حتى في تل أبيب. أمثال هؤلاء يجب أن يفهموا أنهم غير مرغوب فيهم في المغرب منذ اليوم. وعلى وسائل الإعلام أن تفضح مواقفهم العنصرية المناهضة لحق الفلسطينيين في الوجود، حتى يعرف الجميع حقيقتهم التي يخفونها وراء قناع سميك من الطيبة والتسامح الخادع. إن الدلالة العميقة لوجود مغاربة يهود ضمن الموقعين على هذا النداء من أجل مقاطعة كل أشكال التعامل والتطبيع مع إسرائيل هي أن المغاربة الأحرار سواء كانوا مسلمين أو يهودا هم الذين ربطوا مصيرهم بالمغرب كوطن أم لأن جذورهم الحقيقية توجد فيه وليس في مكان آخر. على المغاربة بمثقفيهم ورجال أعمالهم وإعلامييهم وسياسييهم أن يجعلوا إسرائيل تفهم أن المغرب متفق تماما مع قرار محامييه بمتابعة إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة اقترافها لجرائم ضد الإنسانية. وعلى المغاربة أن يأخذوا الدرس من الجمهور التركي الذي جاء خصيصا يوم الثلاثاء الماضي إلى ملعب كرة السلة بأنقرة حيث يلعب المنتخب الإسرائيلي ضد المنتخب التركي، لكي يقذف المنتخب الإسرائيلي بالأحذية رافعين لافتة كتبوا عليها «إسرائيل قتلة». وهو الأمر الذي جعل عناصر المنتخب الإسرائيلي يهربون من الملعب تحت حماية رجال الأمن ويخسرون المباراة لصالح المنتخب التركي بسبب جبنهم ورفضهم العودة إلى الملعب لاستئناف المباراة. إن إحدى أوراق الضغط على إسرائيل لكي توقف تطهيرها العرقي بغزة هو أن تشعر بأن مصالحها الخارجية مهددة عبر العالم. وما الجهد الإعلامي والدبلوماسي الكبير الذي تقوم به وزيرة الخارجية الإسرائيلية «تزيبي ليفني» لتبرير عدوان جيشها على المدنيين العزل في غزة، سوى طريقة لتجميل الوجه البشع لهذا الكيان المتوحش الذي لا يرتوي إلا بدماء الأطفال، حتى يظهر أمام العالم بمظهر الضحية الذي تتهدده صواريخ حماس، والذي ينتفض دفاعا عن نفسه وعن مواطنيه ضد الإرهاب، كما تسميه ليفني وبوش وساركوزي. على المثقفين والسياسيين والصحافيين والحقوقيين المغاربة أن يحظوا بشرف توقيع هذا البلاغ، وأن يحرصوا على تطبيق بنوده، وأن يكونوا يقظين إزاء كل من يحاول أن يكسر هذا الحصار على إسرائيل في المغرب. فإذا كان «كولومباني» مدير «لوموند» قد كتب بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر «كلنا أمريكيون» وصمت اليوم وهو يرى الدم والدمار الفلسطيني في غزة عن كتابة «كلنا فلسطينيون»، فإننا كمغاربة سنتبنى هذا الشعار وسنقول للعالم «كلنا فلسطينيون»، ولا نامت أعين الجبناء.