ازداد الاهتمام بقضية الإعاقة من طرف المنتظم الدولي، خاصة في السنوات الأخيرة، بسن هذا الأخير الاتفاقية الدولية الشاملة لحماية حقوق ذوي الإعاقة التي تعتبر أول اتفاقية دولية لحقوق الإنسان في القرن الحالي. وبغض النظر عن احتوائها على الحقوق المنصوص عليها في المواثيق والتشريعات الدولية، سواء تلك التي تنتمي إلى الجيل الأول أو الجيل الثاني أو الجيل الثالث لمجال حقوق الإنسان، فإن القيمة المضافة لهذه المعاهدة الدولية أنها ذات طابع إلزامي للدول المصادقة عليها عوض الطابع الأخلاقي الذي عرفته صكوك دولية أخرى، نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1975، والقواعد الموحدة لتكافؤ الفرص للمعاقين سنة 1993؛ إضافة إلى أنها جاءت لتؤكد أن الحواجز لا ترتبط بالإعاقة بعينها بقدرما هي مرتبطة بالمجتمع الذي يعيش فيه الشخص المعاق. وتعد المملكة المغربية طرفا مشاركا وموقعا ومصادقا على الاتفاقية الدولية سالفة الذكر. وبقراءة استشرافية لوضعية ذوي الإعاقة في المغرب، نلاحظ أن الاهتمام بهذا المجال بدأ منذ أزيد من ثلاثة عقود مضت من خلال صدور أول تشريع خاص بهذه الفئة، وهو قانون الرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر سنة 1981، مرورا بتشريعات أخرى منظمة لهذا المجال. غير أن الواضح أن هذه القوانين لا ترقى إلى المستوى المطلوب، بسبب القصور والعجز اللذين يشوبانها، من جهة، وبسبب غياب الإرادة السياسية للمسؤولين من أجل أجرأة بعض بنود هذه التشريعات على أرض الواقع، من جهة أخرى. لذلك تواجه فئة الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب أشكالا من التهميش والعنف والفقر وهضم الحقوق... نتيجة تجاهل الفاعلين في هذا المجال لمشاكل هذه الفئة ونهجهم سياسة الهروب إلى الأمام والتملص من المسؤولية، زد على ذلك أن تدبير هذا الملف يناط بأشخاص تنقصهم الخبرة والإرادة السياسية والحكامة الجيدة، مما يحول دون أنسنة وضع الشخص المعاق داخل المجتمع المغربي. ورغم أننا نعيش مرحلة مغرب الإصلاحات، فإن المعاقين لا زالوا يعيشون وضعا مزريا، إذ لا يحظون بالحق الكامل الذي يخول لهم العيش بكرامة، ففي مجال الشغل، على سبيل المثال، حينما يجوب المرء شوارع العاصمة يصادف مجموعة من المعاقين أمام البرلمان وأمام مختلف القطاعات الوزارية يطالبون بحقهم في التوظيف المشروع، دوليا ووطنيا. لكنهم يجدون آذانا صماء لا تكترث لوضعيتهم الهشة، رغم النسبة المخصصة لهم من مناصب ميزانية الدولة (7 في المائة) سنويا. وفي مجال التعليم، تفتقر هذه الفئة إلى وسائل لوجستيكية تساير إعاقتها، ناهيك عن تكاليف العلاج الباهظة التي يجد المعاقون أنفسهم في مواجهتها دون معين؛ فكيف يتم الحديث في مجالس الحكومة والبرلمان وكذا في وسائل الإعلام عن مصطلحات كالعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص ونهج حكامة رشيدة... بينما هذه الشريحة الاجتماعية ترزح في وضعها المأزوم؟ ينتظر ذوو الإعاقة في المغرب أن يرى النورَ مشروعُ القانون رقم 62/ 09 الذي جاء نتيجة مخاض عسير ولد بعده كسيحا، إذ منذ أربع سنوات وهو يتنقل بين رفوف الحكومة والبرلمان. وهذا المشروع، إن كتب له الظهور، قد يتماشى مع مقتضيات مواد الاتفاقية الدولية المذكورة والمستجدات الدستورية ولو بشكل يلامس واقع المعاقين المعيش. ويمكن القول إن مخلفات أوضاع الإعاقة إرث قديم جديد يكلف الدولة خسائر مالية فادحة قد تصل إلى أزيد من تسعة مليارات سنتيم سنويا، إضافة إلى أنه يُشين سمعة المملكة في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي. من هذا المنطلق، يجب على المعنيين بذل كافة الجهود للنهوض بهذا الملف الشائك قصد تمكين هذه الفئة، التي يبلغ تمثل ما يقارب 10 المائة من مجموع سكان المغرب، من إيجاد مكانها الصحيح بين الأشخاص الأسوياء. ولبلوغ هذا الهدف، يجب إشراك المعاقين في اتخاذ القرارات في تدبير شؤونهم ووضع خطة استراتيجية معقلنة، بالإضافة إلى القيام بتكوين الفاعلين في هذا المجال وتشجيع البحث العلمي المرتبط بمجال الإعاقة.
عبد الواحد أولاد ملود* *باحث في قضايا الإعاقة بالمغرب