لم يستطع برنامج «مقاولتي» خلال السنة المنصرمة، دعم 64 مقاولا شابا فقط، فبعد أن كان العدد في 2007، تاريخ انطلاقة البرنامج، حوالي 612 مشروعا مع تمويل بنكي ل 121 مشروعا، تقهقر العدد إلى ما دون 64 مع تمويل ل 9 مشاريع فقط، وقد أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي بفشل هذا البرنامج، نتيجة عدم تلاؤم العرض مع خصوصيات الطلب، وكذا تسجيل عجز في ثقافة التدبير لدى الشباب وغياب مواكبة لما بعد الانطلاق، تكون بنيوية وقائمة على خبرة متعددة الاختصاصات، ثم صعوبات في الولوج إلى التمويل والعقار والمقرات الملائمة. منذ عدة أشهر، طفت على واجهة الأحداث المشاكل الحقيقية التي يعانيها شباب في مقتبل العمر والذين وضعوا ثقتهم في برنامج حكومي اسمه «مقاولتي»، حيث أصبح هذا الشباب ليس عرضة للبطالة فقط، بعد أن منى النفس بشغل قار عثر عليه بشق الأنفس، بل أضحى عرضة لتقييد حريته وإيداعه السجن، لأن الأبناك تلاحقه بعد فشل تجربته بواسطة «مقاولتي»، حيث أكد الاتحاد الوطني لجمعيات شباب «مقاولتي»، أنه بالإضافة إلى ما عرفه البرنامج من مشاكل متتالية، وما يعانيه مجموعة من الشباب الذين وضعوا ثقتهم في الحكومة، وجدوا أنفسهم اليوم أمام ضغط عدم الربح وفائض الديون ومتابعات الأبناك التي تدفع بهم إلى الإفلاس بشكل سريع، مما أجهض هذه التجربة التي تهدف إلى مساعدة الشباب في خلق مقاولات، وأكد الاتحاد، أن الإكراهات الجديدة المرتبطة بالجدارة الائتمانية للمقاولات التي أنشئت في إطار هذا البرنامج شكلت عائقا لدينامية هذه المشاريع. وفي هذا الصدد، لوحظ ارتفاع في حالة عدم القدرة على التسديد في مختلف المشاريع وبالتالي دخولها في حالة منازعات مع الأبناك الممولة. حيث تطالب الجمعيات بإيقاف المتابعات القضائية في حق شباب «مقاولتي» وإيجاد حلول تفعيلية واستعجالية لإنقاذ هذه المشاريع من الإفلاس. المجلس الاقتصادي يقر بفشل البرنامج أكد تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي حول تقييم نتائج سياسة التشغيل فشل برنامج مقاولتي، حيث لم يستفد من هذا البرنامج سوى 4000 شاب من 30 ألفا التي كان يتوقع لها في البداية الاستفادة منه. مما يعني أن 26 ألف شاب أقصوا من الاستفادة من هذا البرنامج، وأكد تقرير المجلس، أن النتائح المحصلة غير مرضية بتاتا، مما يستدعي إعادة نظر بعمق في هذه الآلية، حيث يجب أن تعمد إلى توسيع الدعم المالي لفائدة حاملي المشاريع، مؤكدا التفاوت الحاصل بين الأهداف المعلنة والنتائج المحققة، وأضاف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن إجراءات برنامج مقاولتي لم تأت بفائدة لبعض فئات الشباب التي تعاني كثيرا من البطالة، وخص بالذكر الشباب العاطلين المنقطعين عن الدراسة، والذين ليست أمامهم أي «فرصة ثانية» في مجال المدرسة غير النظامية أو التدرج المهني، وكذلك الشباب حاملي الشهادات من أبناء المدن الصغيرة والمتوسطة، الذين لم يستفيدوا إلا بشكل ضئيل من هذه البرامج، في غياب نسيج اقتصادي قريب منهم، وكذلك العاطلين الذين طال أمد بطالتهم، أو الذين يعانون من وضعية إقصاء أو إعاقة، فهم يبقون على أرض الواقع خارج دائرة هذه البرامج، إذ إنها لا تأتي بأجوبة نوعية تتلاءم مع وضعيتهم. وأكد التقرير ذاته، أنه علاوة على الطابع البطيء والممل الذي يطبع مسار الاستفادة من البرامج، والمزايا التي تستفيد منها بعض المقاولات المحظوظة، بل وحتى الاستعاضة عن مناصب شغل قارة بأخرى أقل استقرارا، فلا مناص من ملاحظة أن البرامج الثلاثة المخصصة لإدماح الشباب، وهي برنامج «إدماج» وبرنامج «تأهيل» وبرنامج «مقاولتي»، مازالت تفتقر، حسب تقرير المجلس، إلى الجاذبية وإلى قدرة أكبر على الإدماج. وسجل المجلس فيما يتعلق بعقود الإدماج المبرمة حسب برنامج «إدماج» غياب أي تغطية اجتماعية للمستفيدين، مما يقلل من قدرة هذه الآلية على الاجتذاب، ثم الطابع الجامد للآلية الذي يفضي إلى إقصاء المرشحين الذين يعانون صعوبات في الإدماج. وفيما يتعلق ببرنامج «تأهيل»، فقد سجل عجزا في التغطية من قبل فاعلي التكوين المؤهلين في مجموع الأقاليم، وخصوصا تلك التي يكون محيطها الاقتصادي غير متطور بما يكفي، وكذا صعوبات ترتبط بغياب إجراءات لدعم الحركية الجغرافية للمرشحين من نقل وإقامة وتغذية. أما فيما يخص برنامج «مقاولتي»، يضيف التقرير ذاته أن المجلس سجل عدم تلاؤم العرض مع خصوصيات الطالبين وعجزا في ثقافة التدبير لدى الشباب و غياب مواكبة لما بعد الانطلاق، تكون بنيوية وقائمة على خبرة متعددة الاختصاصات ثم صعوبات في الولوج إلى التمويل والعقار والمقرات الملائمة . مشاريع «مقاولتي» أمام القضاء أكد علي العرفاوي، رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات شباب مقاولتي، أن مجموع المشاريع الممولة من قبل الأبناك بلغ 1862 مشروعا، منها 1533 مشروعا وضعت ملفاتها في المتابعات القضائية من قبل الأبناك الممولة أمام المحاكم التجارية، 500 مشروع منها صدرت في حقها أحكام بيع الرهون. وطالب العرفاوي، بإيجاد حلول استعجالية لإنقاذ المشاريع من الإفلاس، وهو ما لن يتأتى إلا بتدخل المسؤولين على البرنامج لتفعيل المواكبة الحقيقية من أجل إدماج مشاريع مقاولتي في التنمية الاقتصادية، وخلق صناديق دعم مباشرة لها. ودعا العرفاوي إلى استفادة مشاريع مقاولتي من برنامج مشاتل المقاولات، وتعويض المشاريع المتضررة، لاسيما أن معظم مشاريع البرنامج قد أفلست بعد شهور من تأسيسها، بسبب تماطل الأبناك في تمويلها، حيث عرفت ارتفاع نسبة الديون قبل التمويل (مصاريف الكراء، وفواتير الماء والكهرباء والهاتف والالتزامات الضريبية ومرافقتها في نموها). وطالب رئيس الاتحاد بضرورة تمويل المشاريع المتضررة، من خلال تمويل مباشر أو بإعادة تمويلها أو في إطار التقائها مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حسب تقرير سابق لوزارة التشغيل حول حصيلة مقاولتي. وأكد الاتحاد الوطني لجمعيات شباب برنامج «مقاولتي»، أن المتابعات القضائية قد شرع في تنفيذها بالإكراه البدني والحجز على الممتلكات وتنفيذ أحكام ببيع المرهون، وحسب بلاغ للإتحاد، فإن أولى المتضررين هي مقاولة شابة من أكادير، شرع مؤخرا في بيع أصلها التجاري، وهو المصير الذي ينتظر باقي المستفيدين من مشاريع مقاولتي، وقد استنكر الاتحاد الخطوة، وتساءل عمن يتحمل مسؤولية الفشل، خاصة أن البرنامج كان يهدف إلى خلق 30 ألف مقاولة وتوفير 90 ألف منصب شغل في حدود 2008، من أجل انتشال الشباب المغربي من البطالة ، ليتحول الأمر إلى الزج بهم في ردهات المحاكم ومنها إلى غياهب السجون، حيث يعتبر الاتحاد أن تأخر الأبناك في تمويل المشاريع وانعدام مواكبة حقيقية وفعالة لهذه المشاريع، هو السبب الحقيقي في إفلاس جل مشاريع مقاولتي، هذا بالإضافة إلى تخاذل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، بصفتها المسؤولة عن مواكبة مشاريع «مقاولتي»، ناهيك عن نهج سياسة صم الآذان تجاه مشاكل ومعاناة شباب مقاولتي التي تنهجها القطاعات المشرفة على هذا البرنامج، حسب البلاغ ذاته. سياسة صم الآذان رغم معاناة «شباب مقاولتي» التي وصلت إلى ردهات المحاكم، فإن وزارة التشغيل لا زالت تعتقد بأن البرنامج قابل للتطبيق، حيث تعتزم وزارة التشغيل والتكوين المهني دعم التشغيل الذاتي خلال برنامجها لسنة 2013، إذ أكد عبد الواحد سهيل وزير التشغيل والتكوين المهني، مؤخرا بالبرلمان، أن برنامج عمل 2013 يتمثل في تتبع تنفيذ وتطوير البرامج الجاري بها العمل، واعتماد برامج جديدة في إطار تصور جديد لبرامج إنعاش التشغيل، ومتابعة تقييم البرامج الحالية( تأهيل ومقاولتي..)، ووضع الآليات الضرورية للتصور الجديد لنظام الإدماج. وتتمثل أهداف الإدماج لسنة 2013 بالنسبة لبرامج التشغيل المدعمة في برنامج «إدماج» في هيكلته الجديدة، والهدف هو إدماج 60 ألف باحث عن شغل، وبرنامج «تأهيل»، الذي يهدف إلى تحسين قابلية 20 ألف باحث عن شغل، وبرنامج مقاولتي، ويهدف إلى مواكبة 4000 حامل مشروع. وأكد وزير التشغيل تتبع تنفيذ وتطوير برامج إنعاش التشغيل وتحسين جدواها على ضوء نتائج الدراسة التقييمية، واعتماد برامج جديدة (برامج مبادرة وتأطير واستيعاب). واعتبر سهيل أن الحكومة تهدف إلى خفض نسبة البطالة إلى 8 في المائة في أفق 2016، بالإضافة إلى تطوير حكامة سوق الشغل، وتحسين ظروف الإدماج والتشغيل بالقطاع الخاص مع استهداف أمثل لفئات الباحثين عن العمل، ودعم تنافسية المقاولة.
سهيل : «منكذبوش على المغاربة معندناش التمويل اللازم»
دعا عبد الواحد سهيل وزير التشغيل، خلال ترؤسه أشغال المجلس الإداري للوكالة الوطنية لإنعاش الشغل وتشغيل الكفاءات، مؤخرا، إلى إعادة النظر في أساليب عمل الوكالة، معترفا في الآن ذاته بفشل برنامج مقاولاتي. وحث سهيل الوكالة على البحث عن صيغ تمويل جديدة، بعد تعثر طرق التمويل السابقة، بقوله «منكذبوش على المغاربة معندناش التمويل اللازم»، مقترحا اعتماد مقاربة واقعية على ضوء التعثرات التي شهدها برنامج مقاولاتي. وفي نفس السياق، أمر الوزير بإجراء تدقيق لمالية «لانابيك» وتقييم تدابير إنعاش التشغيل، وترجيح مصلحة المشغلين في عقود الإدماج، منتقدا بشكل صريح عقود الإدماج الحالية التي لا تحمي مصالح المتعاقدين، وتساهم، حسب سهيل، في تكريس هشاشة عقود الشغل التي تعيد غالبية المدمجين إلى نقطة الصفر، بعد انقضاء عقود الشغل بمضي ثلاث سنوات. وكشف مصدر حضر اجتماع المجلس الإداري، أن الوزير دعا إلى إعادة النظر في أساليب الإدماج المعتمدة ب«لانابيك» لافتا الانتباه إلى أن الوقت قد حان لتقديم عروض شغل تواكب الحاجة الملحة للطلب الوطني على فرص الشغل.