مسارح في وضعية مزرية ووضعية فنان ملتبسة وعطل شامل للممارسة المسرحية في المغرب وإعلان عن حالة إفلاس، تلك هي الصورة القاتمة التي يرسمها العاملون في المسرح المغربي، وربما، لأول مرة، وبالرغم من حالة التفاؤل، تجمع النقابات المسرحية على أن الوضعية العامة للمسرح المغربي تستدعي معالجة شاملة رغم المكاسب الجزئية التي تحققت، ذلك أن وضع المسرح المغربي لا ينفصل عن حال الممارسة الثقافية المغربية بشكل شامل. فقد أكدت النقابة الوطنية لمحترفي المسرح في المغرب، بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، الذي يحل اليوم، في بيان لها، أن نساء ورجال المسرح المغاربة يواصلون الحضور الفعلي والإبداعي رغم كل الصعاب، حتى يبقى أبو الفنون شامخا يواجه التحديات. واعتبر البيان المسرحيين المغاربة كانوا دوما في طليعة النخبة المثقفة، التي وظفت التعبير الفني في مسايرة المحطات التاريخية الكبرى التي مر منها المجتمع المغربي، ولقد لعبوا دائما الدور المنوط بهم في الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحداثة والتقدم، وساهموا بالقدر الكافي في الانتصار لقيم البذل والعطاء، وترسيخ قيم التطوع والتضحية والمواطنة الحقة، وترويج مبادئ التربية الذوقية والجمالية للمواطن... وقد أدوا هذه الأدوار كلها اعتمادا على مجهودات نساء ورجال ضحوا من أجل المسرح المغربي بعيدا عن مسالك النفاق والتملق لسلطة الجاه والمال. وأشار البيان إلى أنه، وفي أفق تحديات مغايرة، دخل المسرح المغربي أفقا جديدا قوامه الاستناد إلى إرث الرواد الحافل بالنضال والدروس، ومعانقة تطلعات جيل جديد من المسرحيين الشباب الطموحين نحو مستقبل أفضل يحتاج فيه المسرح، لكي يواصل دوره الرائد في إشاعة قيم الجمال والإبداع والتواصل الفني الحي، إلى أنماط تنظيمية جديدة ومتجددة، وأشكال مبدعة وخلاقة. وأورد بيان النقابة ما تحقق للمسرحيين المغاربة، وأوجزه في سن نظام قانوني يؤطر الممارسة المسرحية ويمنحها المكانة التي تستحقها، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي. ومن المكاسب، أيضا، اهتمام وزارة الثقافة بمقترح النقابة المغربية لمحترفي المسرح، والذي صاغته على شكل مخطط تنموي تحت اسم مشروع «الخطة الوطنية لتأهيل قطاع المسرح الاحترافي»، وذلك بفتح نقاش وطني واسع حولها، بإشراك جميع الفعاليات النشيطة في مجال المسرح الاحترافي ببلادنا، بهدف توحيد التصور وخلق إطارات قانونية لتأهيل الممارسة المسرحية المحلية، حتى تكون في خدمة التنمية الشاملة، انسجاما مع المكانة التي يوليها الدستور الجديد للثقافة والفنون. وأيضا، الإسراع بمراجعة قانون الفنان، بما يفيد فاعليته في تأطير المسرح وفنون العرض بشكل يضمن كرامة الفنانين ويوفر لهم قواعد مهنية تناسب خصوصية اشتغالهم ويحمي حقوقهم المادية والمعنوية، وخلق مؤسسة للرعاية الاجتماعية للفنانين؛ للسهر على العناية بشؤونهم المعيشية والأسرية، بشكل يصون كرامتهم ويمنحهم المكانة التي يستحقونها داخل المجتمع المغربي، الذي يمنحهم دائما وضعا اعتباريا لائقا. على مستوى آخر، أكد المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد، في كلمة باسم نقابة المسرحيين المغاربة، أن الكائن المسرحي، في هذا الوطن، هو اليوم وحتى إشعار آخر معتقل ومعطل، أما أبواب المسارح فهي مقفلة، وأغلب تلك البنايات التي كانت مسارح، في زمن من الأزمان، فقد هدمت، وما بقي منها هو اليوم مجرد خراب وأطلال، أو هي في الطريق لأن تلحقها عوادي الزمن، وأن يصبح حالها مثل حال المسرح الوطني بتطوان وحال مسرح سرفانتيس بطنجة، وبهذا يكون احتفالنا ناقصا، وتكون بهجتنا معطوبة، لأننا في هذا المغرب نستحق أكثر مما أعطي لنا، نستحق بنايات مسرحية تشبه معمارنا، ونستحق حركة مسرحية جادة ومتجددة، ونستحق معاهد ومدارس وكليات فنية في كل جهات الوطن، ونستحق عيدا سنويا يكرم الفنانين المجتهدين، ونستحق إعلاما ثقافيا يواكب الحركة الفتية، ويؤرخ لها بالكلمة المكتوبة والمنطوقة، ويجسدها بالصورة الثابتة والمتحركة، ونستحق أن يكون مسرحنا سفيرا لنا في البلدان الأخرى، ونستحق أن تكون لنا مهرجانات تكتشف المواهب الشابة في الكتابة والإخراج وفي التشخيص وفي التقنيات، ونستحق أن تكون لنا جهات رسمية تأخذ بيدها وترعاها، ونستحق أن يكون مسرحيونا مكرمين في حياتهم ومماتهم، ونستحق أن تكون لحكومتنا سياسة ثقافية عامة تتضمن الفعل المسرحي، وتتضمن الإنتاج المسرحي، وتتضمن البنية المسرحية، وتتضمن التكوين المسرحي، وتتضمن الإعلام المسرحي، وتتضمن التوثيق المسرحي. ويضيف «إن هذا المسرح اليوم غائب أو مغيب، والحاضر فيه لا يمارس وظيفته الحقيقية، وهو لا يفسر ولا يغير، ولا يشرح ولا يعالج، ولا يعلم ولا يربي، ولا ينذر ولا يحذر، ولا يحلل ولا يركب، وهو لا يضحك على حمق الواقع والوقائع، ولا يرصد المفارقات الغريبة والعجيبة في حياتنا اليومية، والتي هي اليوم حياة بلا معنى، وهي وجود خارج المعنى الحقيقي للوجود، وهو لا يكشف عن الأمراض الاجتماعية، ولا يضع يده على الأعطاب السياسية الهيكلية، ولا يقدم أي تصور لواقع اجتماعي وسياسي آخر؛ واقع يكون أكثر إنسانية وحيوية، ويكون أكثر ديموقراطية ومدنية، ويكون أكثر تعبيرا عن الحياة والحيوية، وقد يكون هذا المسرح المغربي معذورا في تخلفه، لأنه محاصر بإكراهات مادية ومعنوية كبيرة وخطيرة، ولأنه موجود في وضع غير حقيقي وغير سليم وغير مريح، وبذلك، فهو بفقره يعكس فقر الواقع، ويعكس بؤس الحياة السياسية، ويعكس الخواء النفسي والروحي، ويعكس فوضى الرؤية العامة في المجتمع، والتي هي رؤية غير واضحة بكل تأكيد».