في سنة 1958 خرج والد عبد الباري الزمزمي من جُبة أبيه الصوفية، وقال: «ألا فليشهد عليَّ المؤمنون والعلماء الصالحون أنِّي أتبرؤ من المتصوِّفة الجاهلين، وأتقرب إلى الله ببغضهم، وأدعو إلى محاربتهم». مات الأب وتوالت خرجات الابن المثيرة للجدل: حارب اليسار، ونفى الشهادة عن المهدي بنبركة، انقلب على أصدقائه في حزب العدالة والتنمية الذي وصفه ب«النذالة والتعمية» وقال عن أعضائه إن أخلاقهم لا ترقى إلى مجرد أخلاق الكلاب، كسر قاعدة «اذكروا محاسن موتاكم» غداة وفاة عبد السلام ياسين، وقال إن مرشد العدل والإحسان «غير مأسوف عليه.. وغيابه خير من وجوده»، وإنه «كان مثار فتنة وبلبلة بسبب خروجه عن منهج الإسلام». فوق كرسي اعتراف «المساء»، يحكي عبد الباري الزمزمي كيف انقطعت صلة الرحم بينه وبين أعمامه، ولماذا هجر فكر جده، وهاجر من طنجة إلى الدارالبيضاء حيث تعرض للمضايقات والاعتقال، وكيف تم إنزاله من فوق منبر خطبة الجمعة بأمر من الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، وحكاية تدخل عبد الإله بنكيران لمنعه من الكتابة في جريدة «التجديد».. ثم يعود للدفاع عن فتاواه الجنسية المثيرة للجدل، ويقول إن مضاجعة المرأة للمرأة (السحاق) لا تعتبر زنى وليست من الكبائر. ثم يقدم تفاصيل حصوله على مأذونية النقل «كريما»، ويقف عند حكومة بنكيران التي يعتبرها فاشلة ولن تستطيع تطبيق الشريعة الإسلامية. - ما الذي أغراك بالانتماء إلى حزب «النهضة والفضيلة» والترشح باسمه للانتخابات البرلمانية؟ قبل فترة من انتخابات 2002 البرلمانية، جاءني بعض الأعضاء من حزب «النهضة والفضيلة» وعرضوا عليّ الانضمام إلى هذا الحزب والترشح باسمه للبرلمان، لكنني لم أوافق على طلبهم ذاك في الحال، بل طلبت منهم منحي مهلة للتفكير، وبعدما طلبتُ المشورة من بعض الأشخاص الذين أثق في سداد رأيهم، وافقت على الانتماء إلى الحزب. وحتى أكون صريحا معك، فموافقتي تلك لم تكن عن قناعة تامة بمبادئ هذا الحزب، وإنما كانت تعبيرا عن انتماء تقني، أي أنه كان يلزمني، لكي أدخل غمار الانتخابات، أن أترشح باسم حزب معين، فصادف ذلك عرض «النهضة والفضيلة» الذي قبلته. - بعدها أصبحت مناضلا منضبطا في هذا الحزب؟ لا، لم يحدث أن حضرت اجتماعا أو لقاء تنظيميا لهذا الحزب. - ألم تطلع على الوثائق المرجعية للحزب قبل أن تقبل الانخراط فيه والترشح باسمه؟ لا، لم يحدث ذلك. - لكنك لاحقا ظهرت بمظهر المدافع عن الحزب المطلع على هويته، خصوصا عندما قال أحمد الريسوني إن «النهضة والفضيلة» ليس حزبا إسلاميا؟ أنا كنت أنطلق مما يقوله قياديو هذا الحزب، ومن الخرجات الإعلامية للحزب التي يؤكد فيها الأخير على مرجعيته الإسلامية ودفاعه عن الدين؛ ناهيك عن كون كل الأحزاب المغربية تعترف في وثائقها بالإسلام دينا للدولة. - استمر ارتباطك ب«النهضة والفضيلة» إلى غاية سنة 2011، وهي السنة التي سيدخل فيها هذا الحزب إلى تحالف الثمانية (G 8) إلى جانب أحزاب يسارية وعلمانية و«إدارية».. أنا لا أمانع في الجلوس إلى جانب أشخاص من أطياف سياسية متعددة، فلا ضير في ذلك؛ وأذكر أنه في أول اجتماع لمجموعة الثمانية، قام بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى أحزاب يسارية وتحدثوا بكل خير عن الإسلام. - هذا التحالف، حسب ما قيل، كان موجها ضد حزب «العدالة والتنمية»؟ وإن يكن. - هل يجوز شرعا أن تتحالف مع العلمانيين لمواجهة الإسلاميين؟ يجوز إذا كان هؤلاء الإسلاميون غير صادقين. من ناحية أخرى، أنا أعتبر أن حزب «العدالة والتنمية» وأحزاب تحالف الثمانية سيان؛ فقد أظهر حزب «العدالة والتنمية» أنه لا يحمل صدق الإسلام. وقد قلت في محاضرة لي، ألقيتها مؤخرا في ليلة ذكرى المولد النبوي، إن الإسلاميين لا يجب أن يتسلموا زمام الحكم، وهذا موقفي منذ زمن بعيد، لأن الحكم مَزلقة، وكل من يتولَّه يجدْ نفسه وقد أصبح موافقا على المنكر وعلى كل ما يحدث في البلاد من مخالفات شرعية. وبناء عليه، فإذا لم تكن لك قدرة على التغيير فلا ينبغي أن تدخل إلى الحكومة، لأنك حينها سوف تصبح طالب صيد، أي أنك ستتحول إلى باحث عن المصالح الشخصية فقط، وتجعل من الإسلام مجرد قنطرة للوصول إلى مآربك الذاتية. - متى يمكن للإسلاميين، في نظرك، أن يدخلوا إلى الحكم؟ حين تكون لهم قدرة حقيقية على تغيير الواقع الفاسد وإحداث فرق واضح. - إذن، فحكومة بنكيران، في نظرك، لم ولن تحدث أي تغيير؟ أنا، شخصيا، لا أرى أي تغيير ملحوظ منذ أن تولى حزب «العدالة والتنمية» قيادة الحكومة، والوضع في المغرب لا زال على ما كان عليه إن لم أقل إنه ازداد سوءا. - في ردك على أحمد الريسوني، قلتَ إن كل الأحزاب المغربية هي أحزاب إسلامية، ألا ترى أنك كنت تخلط بين الإسلامية والمسلمة؟ كيف؟ - الأحزاب الإسلامية هي التي تؤمن بأن الإسلام نظام حكم، مثل «العدالة والتنمية».. تلك مجرد شعارات يرفعها حزب «العدالة والتنمية» كما ترفعها أحزاب أخرى، ناهيك عن كون حكومة بنكيران لن تقوى على تطبيق الشريعة الإسلامية. وأكرر قولي بأن هذه الحكومة انساقت مع التيار، ويكفي أنها تضم بين ظهرانيها شيوعيين واشتراكيين. - ما الذي تقترحه، إذن، على حكومة «العدالة والتنمية» حتى تكون لها الفاعلية وتنجز مهامها على أتم وجه؟ أنا أقول إنهم لا يجب أن يتولوا الحكم. - متى يمكن للإسلاميين، في تقديرك، أن يشاركوا في الفعل السياسي عامة، وفي الحكومة تحديدا؟ عندما يستشعرون في أنفسهم القدرة الفعلية على تغيير الوضع أو حين يطلب منهم الدخول إلى الحكم وفقا لشروطهم. وطبعا، كلا الأمرين متعذر في الوقت الراهن، إذ لا يمكن الآن تطبيق الشريعة، كما أن الحكومة غير مطلوب منها ذلك؛ ومن ناحية أخرى، هناك أحاديث كثيرة تنهى عن تولي المسؤولية لأنها تجرّ صاحبها إلى ارتكاب الأخطاء ما لم تكن لديه القدرة على مواجهة الأطراف الأخرى. - لكن التغيير يكون بالتدرج؟ هناك تغيير لا يقبل التدرج، فإما أن يكون جذريا وإما ألا يكون، مثل «المؤسسات الحرام»، أي الأبناك الربوية والشركات المصنعة للخمر ومؤسسات القمار..، هل تظن أن 100 سنة قد تكون كافية لحكومة إسلامية كي تقضي على هذه المؤسسات التي تشغل الآلاف من الأشخاص؟ الأدهى من ذلك أن حكومة بنكيران لا تثير الحديث عن هذه المؤسسات بالمرة، بل تذهب إلى الانشغال بما تنشغل به باقي الأطياف السياسية، من قبيل مشكلة البطالة والإصلاحات الديمقراطية.