ضيفة مسار لهذا الأسبوع أستاذة اللغة الإنجليزية في سلك الثانوي في قرية «زايدة» القريبة من مدينة آزرو، صاحبة كلمة شعرية، حيث الكتابة عالمها السحري الذي تتقن فكّ أسراره وتجيد حبْكَ خيوطه.. تحمل رسالة شعرية هادفة، بعثت بها، من خلال لقائها ب«المساء»، إلى كل امرأة مبدعة، راجية منها أن تكتب فقط، وليس مهمّا إنْ كان ما تكتبه في بداياته رائعا أو متوسط الروعة، لأنّ عملها الدؤوب واجتهادها المتواصل لا بد سيساعدانها يوما على الخروج بعمل أقلّ ما سيوصف به أنه الأروع.. خديجة عماري هي بحر من الهدوء الذي لا يمكن أن تسبر أغواره، فقد يثور كما البحر، وقد يسكن كما البحر.. كثيرة الصمت، تحبّ أن تستمع من الآخَر أكثرّ مما تتكلم، حيث الكلام لا يستسلم إلا أمام حضرة ورقة بيضاء وقلم حبر.. لتكتشف خديجة الشاعرة، العاشقة للكلمة السّاحرة، التي تجد فيها الصديق والرفيق، إذ تنوب عنها في البوح بمكنون الدواخل، حيث الآلام وأيضا الآمال.. عشق الكتابة قالت خديجة عماري حين استفسرناها عن علاقتها بالكتابة والزجل: «الكتابة آخَرُ يسكنني، فما عادت نفسي لي بل هي لكل الناس... لقد ملَكني القلم وملكته، فجعلت من حبره روحاً ذات إحساس ومشاعر، ترجمت بها آهات النساء وحتى ابتساماتهن.. ويسكنني الرجل أيضا، حيث يريد التمرّد والانقلاب على مملكتي، ولكني حكيمة بما يكفي، لأجلسه إلى عرشي وأجعله يحكم بقوانيني.. لإيماني بأنّ المرأة جزيرة، يعيش فيها، وإنْ كان كثيرا ما يجهل خباياها، وجنة يطمح إليها، فهل يمكن أن يكون له ذلك إن لم يصالحها؟ بالتأكيد لا».. وعن حكايتها مع الكتابة أضافت عماري: «بدأت علاقتي بالكتابة منذ تعلمت الخط بالقلم، فخضتُ كل التجارب التي يتخبط فيها القلم، بين الشعر والرواية والقصة وحتى الرّسم... ولكن أكثر ما يطرق بابي هو الشعر الحرّ، تلك اللغة الجميلة المفعمة بأرقى أشكال التعبير الراقي والسّلِس، إنها لغة الحب والصلح والسلام».. ابنة الأطلس خديجة عماري، 24 ربيعا، من مواليد المدينة الأطلسية ميدلت، حيث قضت أجمل سنوات طفولتها لترافق والدها إلى العيش لمدة ثمان سنوات في مدينة طانطان، وتعود إلى مدينتها الأم وملهمتها؛ حيث الثلوج ناصعة البياض والمواسم بنكهة التفاح، إلى أن حصلت على شهادة الباكلوريا وانتقلت لاستكمال دراستها الجامعية في مكناس، لتنال الإجازة -تخصص آداب انجليزي سنة 2010 وتغادرها سنة 2012 إلى فاس، لأجل متابعة دراستها في سلك الماجستير:»دراسات نسائية»، المسلك الذي تعتبره خديجة سبيلها الذي مكّنها من الاطّلاع على دواخل الأنثى إن في الغرب أو في الشرق.. وهناك فقط -تحكي خديجة- «نضجت كتاباتي وتشبّعت بوعي نسائي ّأكبر، لأجد كتاباتي تتسلل خلف ستار الأنثى، وأكتشف أسرارها وصندوق خباياها، غير أن الأقدار لم تشأ لي أن أنهيّ الدراسة في سلك الماجستير لأعود أدراجي إلى قرية «زايدة»، المتواجدة بالقرب من مدينة آزرو، حيث أعمل كأستاذة متعاقدة للغة الإنجليزية في سلك الثانوي». القصيدة.. طقوس الميلاد ترى خديجة أنّ للكتابة ثالوثا مُقدَّسا: اللحظة، الزمكان والذات المبدعة.. موضحة بقولها: «تكون اللحظة المُحرّكَ الأساسي للإبداع، فترى تراكم أحداث ما، تملأ ذات الشاعر حتى يفيض قلمه حبرا فيسكبُ العبارات الجميلة على أرض عذراء، تثمر نصّا أدبيا رائعا أو قصيدة جميلة وذات لغة عذبة». -الزمكان: ولادة القصيدة ومكانها أمران مهمان يشكلان جزءاً أساسيا من هوية القصيدة، فعند ولادة الأخيرة أو حتى عند المخاض يشكل الزمان والمكان واحدا من مسلّمات القصيدة، التي تؤثر بشكل كبير في مضمونها، ولذلك قيل إنّ الشاعر ابن بيئته... -الذات المبدعة: فحقيقتها أنها ذوات مُنصهرة في شخص واحد هو المبدع. والخلاصة: هي أنه كلما كتبتُ أجدني محملة بشحنة مكونة من أيونات موجبة وأخرى سالبة باتحادهما يُولَد العمل الأدبي وعن طقوسها في الكتابة أوضحت عماري: «قد لا تستأذنني لحظة الكتابة.. فقد تطرق بابي وأنا أمشي بين الناس في زحمة الأسواق، فأجد لي مكانا للجلوس فيه وآخذ مذكرتي وقلمي وأشرع في الكتابة».. وتضيف: «أحب كثيرا أن أخلو إلى وحدتي وأكتب في ساعات متأخرة من الليل، حيث يسود جو ملهم بصحبة القلم لأسافر باللغة، حيث وكيف أشاء، وربما حيث وكيف هي تشاء... حيث أحمل ورقتي البيضاء وقلم حبر وكوب شاي أو قهوة، سنن مؤكدة أثناء الكتابة الاختيارية بالنسبة إلي... وأفضل هذه الطرق التقليدية أكثر من استعمال الحاسوب لتدوين أولى مسوداتي، حيث تشكل الورقة بالنسبة إلي ورقة الهوية الحقيقية للعمل الإبداعي».. المرأة والإبداع يبقى الإبداع، في نظر خديجة عماري، واحدا ولا فرق بين الذكر والأنثى فيه، لكون هذه الأخيرة قادرة على العطاء إذا أعطيت لها الفرصة، وأحيانا عليها أن تجد هذه الفرصة لنفسها إنْ لم تتح لها، حيث ليس من السهل وفق محدّثتنا «السباحة ضد التيار وإنْ كنت أؤمن بأنّ الاتجاه الذي أسلكه هو الأصحّ، فنحن اليوم في نقطة تحول عميقة جدا؛ ثورة نسوية تطالب برفع الظلم عن المرأة، ولذلك فأمام هذه الأخيرة أشواط عدة لتقطعها، إلى جانب الرجل بوصفهما ذاتين مختلفتين، وكل ذات تحسّ وترى ما لا تراه الأخرى، ليس بهدف التنافر، وإنما بهدف التكامل». إصدارات تقول خديجة عماري: «لدي روزنامة أعمال عرفت انتظارا طويلا، لتنضج من جهة ولتفتح لها أبواب لتطلع إلى العالم، وبخصوص جديدي فلديّ ديوان قيد الطبع بعنوان «أسوار وأساور»..