حسنا فعل الوفا حين تواضع ونزل من الكرسي الجلدي للوزير إلى الطاولة الخشبية للتلميذ. وكان سيكون مفيدا لو اصطحب معالي الوزير معه وزراء آخرين وعاد بهم إلى مقاعد الدرس لأن أداء حكومة بنكيران، التي تتعلم حتى الآن في جيوب المغاربة جداول الضرب والقسمة في رفع الأسعار، أبانت أن وزراءنا يحتاجون إلى دروس الدعم والتقوية، وتماما كالفقيه دحمان «اللي قرا البرا في سبعة أيام وقاليهم الخط عيان». أظهرت حكومة بنكيران أنها حكومة في طور التعلم، لذلك فإن عودة الوفا إلى قاعة الدرس بداية مشجعة لاستمالة أقرانه الوزراء إلى العودة إلى زمن الطباشير والخشيبات. وبما أن «اللي بغا الحوت يفزك عليه سروالو»، فقد كان على الوزير الوفا -لو كان، فعلا، يريد أن يطلع على واقع التعليم والمدرسة العمومية في المغرب- أن «يفزك سروالو»، كما يقوم بذلك كل صباح أساتذة وتلاميذ إعدادية عبد الكريم الخطابي في آسفي الذين تحاصرهم خلال كل موسم أمطار بركُ المياه المتجمعة أمام باب المؤسسة؛ ولولا «يوتوب» لما تعرف المغاربة على أن هناك مدارس عمومية في آسفي يجب ركوب المياه للوصول إليها، ولولا التلاميذ الذين يصورون مدارس الوفا عبر هواتفهم الذكية لما علم المغاربة أيضا بأن الداخل إلى إعدادية الخطابي في آسفي يجب أن يقف حتى تمر قوافل البغال والحمير. والوفا، الذي يدير حاليا أحد أعقد القطاعات العمومية في المغرب، لا شك أنه سينتهي إلى نتيجة مفادها أن التعليم في المغرب غارق في مستنقع موحل من المشاكل العصية على الحل، لأن كل الوزراء الذين تعاقبوا على تدبير هذا القطاع في المغرب انتهوا إلى النتيجة نفسها؛ والموضة المتبعة حاليا على كافة التراب الوطني هي تخصص بعض المسؤولين في المصالح الإقليمية للوزارة في تجزئة المؤسسات المدرسية وتحويلها إلى سكن وظيفي؛ وكم كانت ستكون فرحة أساتذة وتلميذات إعدادية فاطمة الفهرية في آسفي كبيرة لو أدار الوزير الوفا مقود سيارته الوزارية نحوهم واقتعد طاولة وسط الحجرة الدراسية إلى جانب التلاميذ كما فعل الأسبوع الماضي في أصيلا، فقط لأن قسم التربية الأسرية في الإعدادية تحول إلى «كًراج» خاص بسيارة أحد المسؤولين التربويين. ورغم أن البلدية وضعت الفضيحة في يد النيابة العامة لدى المحكمة، فإن الوزارة لم تر ضرورة للتدخل؛ وهكذا فلو أن الوزير الوفا حل بقسم التربية الأسرية في إعدادية فاطمة الفهرية لكان وجد نفسه ليس أمام السبورة وعلى الطاولة بل بجانب «الجوانط» و»بيدوزات ليصانص». وفي إعدادية ابن زيدون في أحد البخاتي حيث رفع أساتذة شكاية رسمية إلى مصالح الوزارة يكشفون فيها بلهجة من التنديد والتذمر عن تعرض تلميذات إلى تحرش جنسي من قبل السيد مدير الإعدادية، فكان أن أرسلت الوزارة لجنة تحقيق انتهت برفع خلاصتها إلى المسؤولين مركزيا فيما متعت المدير بعطلة معززة بشهادة مرضية، أما أولئك الأساتذة الذين قاموا بواجب التبليغ حماية لتلميذات يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على أرواحهن وسلامتهن داخل المدرسة، فقد كانوا أولى بزيارة الوزير الوفا، لكن كما يقال «الخير ظاهر على قزيبة الحنش»، وعوض أن يفتح تحقيق قضائي في مضمون شكاية هؤلاء الأساتذة حماية لحرمة المدرسة وسمعة التلميذات، تسبب أصحاب الشكاية في عطلة مدفوعة الأجر للسيد المدير. لكن يحسب للوزير الوفا، مع ذلك، أنه يخرج من مكتبه الوزاري ويدخل أقسام الدرس، وهو يقول في قرارة نفسه: «مشيت عند اولاد المكي نسحاب الخير متكي، الساعة لقيت الحالة تبكي»، وهي الحالة نفسها التي ربما أراد بنكيران تجنبها في المستشفيات حين جلب «الصبيطار» إلى رئاسة الحكومة للتبرع بالدم عوض التوجه مع وزرائه إلى أقرب مركز صحي عمومي كما قام بذلك الملك والأميرات، لكن السي بنكيران ووزراءه لا حرج عليهم في ذلك ماداموا في «السنة الأولى حكومة»، ونحن دفتر الوسخ.