أول شيء بادرنا به ونحن نسلم عليه وهو واقف أمام مقهى اتخذ من الهندسة الأمريكية اختيارا له هو «عليكم أن تكتبوا عن هذه الظاهرة، ظاهرة إغلاق المقاهي عندنا وقت الصلاة. هذا ليس معقولا». كان الخطاب بالنسبة إلي شيئا مثيرا. هذا هو خالد الدخيل المفكر السعودي الشهير صاحب الكتاب الحديث «الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة». كتابه هذا كان من بين الكتب المطلوبة في اليومين الأولين لمعرض الكتاب بالرياض. بجبته البيضاء والعقال المميز لسكان عرب شبه الجزيرة العربية كان الدخيل أكثر إنصاتا والتقاطا للأفكار والخوض في المواضيع التي كنا نخوض فيها. يجرنا النقاش مرة إلى تاريخ المغرب وأخرى إلى الثورات العربية التي تحمل فيها الشعب مسؤولية تقرير مصيره كما يقول، ومرة ثالثة كان يأخذنا الحديث إلى المجتمع السعودي، مؤكدا أن منطقة نجد شكلت أكثر المناطق انغلاقا، في حين أن منطقة الحجاز كانت أكثر المناطق انفتاحا بحكم وجود مكةالمكرمة بها، نتيجة احتكاك السكان بالوافدين من مختلف مناطق العالم للحج. الدخيل كان أيضا ملما بالحركة الفكرية بالمغرب، فقد تحدث عن إسهامات الجابري وعبد الله العروي، لكنه بدا مهتما بالعروي وبكتاباته، فكان يسأل عن جديده، ويؤكد بأنه صاحب مشروع فكري واضح. كما كان مهتما بأن يقرأ العروي كتابه الأخير عن الوهابية، وقال إنه استشهد في مقاربته في الكتاب بالعروي وتحدث أيضا عن المرابطين. وتساءل الدخيل كثيرا عما إن كانت هناك كتابات حقيقية في المغرب تؤرخ لتشكل الدولة في المغرب. وقد جرنا الحديث في هذا الباب إلى مقدمة ابن خلدون، وكتاب «الاستقصاء». كما تحدث عن المرابطين والموحدين، الذين قال عنهم إنهم كانوا دمويين. كما تحدث أيضا عن الأمازيغ، وكان يدقق في كل صغيرة وكبيرة. أما في ما يخص الاستعمار فقال إنه بالرغم من سلبياته فقد كانت له فائدة على الدول التي استعمرها، واعتبر أن العرب لا يزالون يعلقون كل مشاكلهم وتخلفهم على مشجبه، متسائلا إن كان الوقت لم يحن بعد لكي يخرج العربي من استعماره الذاتي الذي يسكنه، واستشهد في هذا الباب بمثل أمريكي يرددونه كثيرا مفاده أن «المستعمر قد خرج فهل خرجت أنت من الاستعمار». وأضاف الدخيل بأن «هذه اللازمة رددناها زمنا طويلا، وهي لم تفد شيئا العربي في أن يحدد أهدافه ويخرج الاستعمار من داخله كما فعلت اليابان». وللتدليل على أن الاستعمار ليس هو الكابح الأساس لعدم تقدم العرب أتى المفكر السعودي بمثال السعودية التي لم تعرف الاستعمار، لكنها لم تنطلق بعد، ونادى بضرورة الكف من لازمة أن الاستعمار هو سبب التخلف والتوجه نحو مكمن الداء مباشرة. ولم يفوت الدخيل، في جلستنا معه، الفرصة للدعوة إلى ضرورة تقبل أفكار الآخرين والاستفادة منها، مشيرا إلى أنه «ليس من المنطقي أن نغلق الباب عن أنفسنا ونتحكم في كل شيء». واعتبر أن طرح مسألة الحرية تشكل طامة كبرى في دولنا»، مؤكدا أنه «من الضروري أن نترك للفرد حريته الشخصية ولا نكون أوصياء عليه في كل شيء». وبخصوص الثورات العربية، قال الدخيل إنها نجحت لأن الشعوب العربية استطاعت لأول مرة أن تملك زمام أمورها وتبادر بطلب الإصلاح دون أن توجه خطابها إلى المستعمر وإلى عامل خارجي وإنما نادت برحيل حكامها. وأشار إلى أن من يردد بأن أمريكا هي المحرك فهو خاطئ، متسائلا: هل أصبحت أمريكا أسطورة تتحكم في كل شيء؟. وبخصوص المغرب قال الدخيل إن الملكية كانت ذكية حين بادرت إلى الإصلاح، مما جعل العاصفة تمر بسلام. أما بخصوص وصول الإسلاميين ومدى قدرتهم على الاستمرار في الحكم في الدول التي وصلوا فيها، فشك المفكر السعودي في ذلك، وقال: «لا أظن». كانت الجلسة سفرا في انشغالات الدخيل تظهر رويدا رويدا ولم يخرجنا منها سوى إشارة صاحب المقهى التي كانت تعني أنه يريد أن يغلقه لكون وقت صلاة العصر قد حان، فتذكرنا ما قاله لنا الدخيل في بداية اللقاء بأن «الإغلاق ليس اختاريا وإنما مدعوم بمرسوم رسمي يفرض ذلك».