لن تخرج حكايتي لهذا اليوم عن سياقها، لكونها تحمل «نبضات» بلمسة نسائية.. فبطلتي اليوم هي امرأة فضّلت أن تعيش «خليلة» لرجل على أن تحمل صفة «متزوجة» في بطاقتها الوطنية وجواز سفرها، عملا بممثلثها المشهورة، والتي تجعل منها -حول كأس منعنع أو فنجان قهوة- عنوانا لجلّ جلساتنا المسائية مع رفيقات الدرب في الزواج، بما له وما عليه، حيث تفرغ كل واحدة منا ما أبكى عينيها من زوجها.. تصغي إلينا باهتمام، تتألم لهمومنا، وتعلق «اللهمّ نْبقى صاحْبتو ويْصرف عليّ ولا مراتو ونصرف عليهْ!».. مقولة تعقبها قهقهات وابتسامات... تردّدها مرات عدة، صديقتي ذات الثلاثين من عمرها، بعد تجربة زواج فاشلة، جعلتها تخرج من تجربتها وكل رصيدها، جرح معنون «أحببته وأخلصتُ له، فكرهني ورماني». ألتمس لها عذرا، وأحسّ بمرارة صدمتها في من جعلت من راحة يديها وسادة لخده... خُذلت.. جرحت.. مدت يديها الاثنتين.. اعتذرت.. فأهينت الأنثى فيها وجُرِحَ قلب المرأة في دواخلها... أعرف أنْ ليس أصعبَ على المرأة من إهانتها من رجل أحبّته يوما، لذلك ربما لصديقة حجتها وعذرها أيضا في أن تفضّل البقاء «عشيقة»؛ بيتها مقهى، سريرها كرسي، قد يكون بلاستيكيا أو خشبيا، حسب حظها في كل مرة يلتقيان.. المهم أنها تعود مساء إلى بيت والدتها، التي لا تتعب من مهاتفتها بغرض الاطمئنان على سلامتها.. حكاية صديقتي هذه ما هي إلا «قطرة» في كأس يكاد أن يفيض من حجم معاناة النسوة مع من جعلوا منهم حائطا استظللن بظله يوما، حيث لا تخلو جلسة نسائية بيني وصديقاتي من الحديث وحتى الانفجار بكاء حين تتذكر إحداهنّ ماضيا لم يستطع الزمن أن يمحو أثره، وفي كل مرة تسارع «بطلتي» إلى ترديد مقولتها المشهورة: «اللهم نكون صاحْبتو وَلا مْراتو»، اعتقادا منها أنّ ما يمكن أن تنعم به مع الرجل من حب وعيش كريم يكون خارج إطار الزواج وليس داخله.. نتفق معها مرة حينما تواجهنا بالواقع المعاش وبحرص الرجل المغربي على أن تكون له امرأة في الدار بمواصفات الخادمة وامرأة في القهوة والبار، بمواصفات تحاكي «بطلات» كليبات «روتانا» و»غنوة»... يستوقفني «المسار» الذي اختارته صديقتي لحياتها كثيرا، لأنه مبنيّ على معادلة صعبة على أي امرأة العمل بها، وخاصة من يحملن قناعاتي التي تضع جنة المرأة على صدر رجل، حين تداعب طفولته شبابه وأيضا رجولته، لتجعل منه سلطانها ومالك مفاتيح حياتها، تبتسم حينما يقهقه وتبكي حين يحزن.. تعيش له ولأجله، لكوني أؤمن بقدرة الحب على صنع المعجزات، التي يأبى بعض الرجال تصديقها، وحجتهم في ذلك عدم القدرة على تضميد الجراح ونسيان الماضي.. أقول للواحد منهم: عن أي ماض تتحدث؟ ومتى كان مصير المستقبل ينبني على الماضي، وحتى إنْ سلّمنا بهذه «النكتة» المضحكة حد البكاء -لكونها تحمل وراءها طوفانا يعصف ليس بحياتك فقط وإنما بحياة من يحملون اسمك- ففي الماضي أيضا أيام جميلة ولحظات تستطيع الأزقة والأشجار والاحجار التي رُسمت عليها الأسماء تذكّرَها.. لكنك محوتَها في لحظة وتتذكر الأخطاء.. عجيب أمرك، أيها الرّجل، لك من الطباع ما يستعصى على الفهم أحيانا، وتفسيرات لا ترقى إلى مستوى ادّعاءاتك المعرفية والثقافية... اسمح لي أن أوجّه لك دعوة أيها الرجل.. عبر أثير الكلمات.. حتى لا تجعل من مقولة صديقتي «حجة» لامرأتك للارتماء في حضن غيرك، مفضّلة لقب «العشيقة»، «الحبيبة» على «الزوجة» و«الأم».. انسَ الماضي.. لأنك بطل الظلم الذي وقع فيه، وتذكرْ أنّ المرأة هي كالأرض الطيبة، إذا زرعتها بالحب ورويتها بالحنان وأعطيتها الثقة فستجني الخير والسكن المُريح... كنْ ذكيا وازرع الورد، حتى تتعطر بأريج جميل.. اجعل من ابتسامة زوجتك رفيقَ دربك في البيت، في العمل وحتى في المقهى... ولا تكن ذلك الرجل الذي يرسم ابتسامة على شفاه كل النساء من حوله إلا على شفتي زوجته، فيهديها «سمّا بطعم العسل».. لكنه سمّ قاتل في نهاية المطاف..