هناك عدد قليل من الوظائف التي كان من الممكن أن تجذبني إليها بعيدا عن منصبي الأخير كسكرتير خاص لصاحب السمو الملكي الأمير تشارلز، أمير ويلز، لكنني سارعت إلى انتهاز الفرصة حالما سنحت لي لأن أصبح السفير البريطاني في المغرب بعد ما يقارب سبع سنوات من الاشتغال في القصر الملكي بلندن. لماذا ذلك؟ الجواب هو: لأن المغرب بلد مهم وصوته مسموع واستشارته تؤخذ على محمل الجد. لقد تمكنت المملكة المتحدة من الوقوف على هذا بشكل جلي في مجلس الأمن بصفتها عضوا زميلا للمملكة المغربية في هذا المجلس، حيث لعب المغرب دورا حيويا خلال مداولات مجلس الأمن العام الماضي، والتي بلغت ذروتها خلال رئاسة المغرب للمجلس في دجنبر من السنة الماضية. لقد كان المغرب محقا في استخدام رئاسة مجلس الأمن لشد انتباه المجتمع الدولي إلى التهديدات التي تترصد السلم والاستقرار الدوليين في منطقة الساحل. مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري»، الذي نظمته الحكومة المغربية في مراكش شهر دجنبر الماضي، كان أيضا واحدة من أهم الخطوات الدبلوماسية للسنة الفارطة، وهي الاعتراف بالمعارضة السورية الذي بعث أملا جديدا للتعجيل بوضع حد لمعاناة الشعب السوري. نيويورك ليست هي المكان الوحيد الذي يعمل فيه كلٌّ من المملكة المتحدة والمملكة المغربية جنبا إلى جنب وعلى أعلى المستويات، بل إن العلاقة بين بلدينا عريقة وتمتد إلى ما يقارب الألف عام. إننا شركاء طبيعيون لأن لدينا الكثير من القواسم المشتركة، فالدولتان كلتاهما نشيطتان في مجال التجارة البحرية، كما أن ازدهار وتأثير كلا بلدينا مبني على تنمية اقتصاداتنا المحلية كأقطاب إقليمية، ولا أدل على ذلك من أن كلا من مطار لندن هيثرو ومطار الدارالبيضاء يعدان أكثر المطارات اتصالا بالمناطق التي ينتمي إليها كل واحد منهما. من الميزات التي تتقاسمها المملكة المتحدة والمملكة المغربية أن في كلتيهما نظام حكم ملكي. لقد كان لي عظيم الشرف، خلال فترة اشتغالي في منصبي الأخير، أن أطلع عن قرب على أواصر الصداقة الدافئة بين العائلتين الملكيتين البريطانية والمغربية، وذلك عندما رافقت صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز خلال زيارته للمغرب سنة 2011، وكذلك في وقت لاحق من نفس العام عندما مثلتْ صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى جلالة الملك في حفل زفاف الأمير وليام بكنيسة وستمنستر، ثم بعد ذلك عندما حضرت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم الصيف الماضي لحضور الاحتفالات الخاصة باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث الثانية في قصر بكنجهام وقلعة وندسور. حتى عندما هبت رياح التغيير على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ربيع عام 2011 وكان أمام المملكة المتحدة خيار لاتخاذ قرار حول إمكانية تأجيل زيارة الأمير تشارلز للمغرب، فقد كان القرار -بدون أدنى تردد أو شك- هو المضي قدما والقيام بالزيارة الملكية كما كان مخططا لها تماما. إن المغرب ليس بحاجة إلى دروس من المملكة المتحدة لمتابعة الإصلاحات الجارية لأكثر من عقد من الزمن والتي تسارعت وتيرتها منذ عام 2011؛ فالمغرب -إلى جانب بريطانيا- يعد واحدا من أعرق الدول في العالم، وهو لا يفتقر إلى الحكمة ولا إلى الشجاعة لمواصلة إصلاحاته، لكن بريطانيا -باعتبارها شريكا وصديقا للمغرب- مستعدة لتقاسم خبرتها التي قد تكون مفيدة للمغرب. لقد كان من أولى الأنشطة الرسمية التي قمت بها بالرباط بعد شروعي في أداء مهامي كسفير للمملكة المتحدة في المغرب إلقاء كلمة في البرلمان المغربي خلال إعطاء الانطلاقة لمشروع يهم دعم البرلمانيات والبرلمانيين الشباب للمساهمة بشكل أكثر فعالية في النقاش الديمقراطي. إننا فخورون أيضا بأن نساهم في دعم مشروع خاص بتدريب الصحفيين المغاربة ودورهم في تعزيز مشاركة ديمقراطية أوسع وفي الرفع من الشفافية ودعم الجهود الرامية إلى محاربة الفساد. إن السفارة البريطانية في المغرب تمول خلال سنة 2013 عشرة مشاريع في هذه المجالات، وذلك من خلال صندوق الشراكة العربية الذي أعطى انطلاقته وزير خارجية بلدي وليام هيج خلال زيارته للرباط عام 2011، وبذلك نكون قد دعمنا مشاريع بميزانية تقدر ب1.5 مليار درهم عبر المنطقة مع حلول عام 2015. وفي الشق الاقتصادي، وفي ظل عالم يعرف فيه الاقتصاد تعثرا كبيرا، فإنه من الطبيعي أن ينظر الأصدقاء إلى بعضهم البعض بغية العمل المشترك للخروج بمشاريع مبتكرة تعود بالنفع على كلا الطرفين. يعمل البلدان معا وبشكل وثيق في هذا المجال رغم أني أطمح، بشكل شخصي، إلى أن نقوم بأكثر من ذلك بكثير. إن للشركات البريطانية الخبرة والتجربة والابتكار للعمل مع المغرب على تنفيذ مشاريعه الطموحة في مجالات متنوعة مثل الطاقات المتجددة والخدمات المالية والبنيات التحتية، ولا أدل على ذلك من الألعاب الأولمبية التي احتضنتها لندن عام 2012. إن هذه الألعاب لم تكن مجرد احتفال رياضي رائع، لقد كانت أيضا تكريما وإشادة بالشركات البريطانية التي تمكنت من إنجاز أعظم عرض رياضي على الكرة الأرضية وداخل الآجال المحددة وفي احترام تام للميزانية المخصصة لتلك المشاريع. يكمن التحدي الآن في بناء جسور تواصل أكثر قوة ومتانة بين الشركات البريطانية ونظيرتها المغربية، وكذا إقناع الشركات البريطانية بأن المغرب مفتوح لأعمالهم واستثماراتهم رغم الاختلافات التاريخية واللغوية. إن هذا الأمر هو الذي دفع برئيس وزراء بلدي ديفيد كاميرون إلى تعيين رجل أعمال بريطاني من الطراز العالي وهو اللورد شارمان كمبعوث للتجارة إلى المغرب، وذلك لأن المغرب يعتبر أحد الأسواق الرئيسية والقليلة التي تم تعيين مبعوث للتجارة من هذا النوع إليها. إن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على الأهمية التي نوليها لتعزيز علاقاتنا التجارية بالمغرب، وخير مثال على ذلك هو توقيع اتفاقية الشراكة بين Casablanca Finance City وCity UK في أكتوبر الماضي، وأنا أطمح إلى تأمين المزيد من النجاحات المماثلة في المستقبل. من المعروف أن السفراء يتحدثون كثيرا، لذلك فنحن في وضع جيد يسمح لنا بفهم أهمية التواصل الفعال في تعزيز التجارة وإدارة العلاقات الدولية وتوسيع التفاهم الأكاديمي، لذلك فإن المملكة المتحدة ستعمل بشكل وثيق مع المغرب على تقديم أعلى مستوى من الجودة في تدريس اللغة الإنجليزية. أنا أطمح، مع حلول انتهاء ولايتي هنا، إلى أن نكون قد ساهمنا في الزيادة بشكل كبير في عدد المغاربة القادرين على التواصل بلغتي الأم من أطفال وطلاب جامعات ومشتغلين في المجالات الأكاديمية والحكومية والأعمال. أعتقد أن العمل مع منظمات ذات مستوى رفيع، مثل المجلس الثقافي البريطاني، سيمكننا من تحقيق نتائج متميزة لإضافة اللغة الإنجليزية إلى مجموع اللغات التي يتقنها المغاربة. كما أن هذا الأمر سينال استحسان الأعداد المتزايدة من السياح البريطانيين الذين يزورون المغرب، وهو ما يشكل جسرا آخر من الجسور التي تربط بين بلدينا. نحن لن نكتفي بالاتصالات الثنائية، وإنما سنبحث عن طرق جديدة للتعاون بين بريطانيا والمغرب من أجل المنفعة المتبادلة، فالمملكة المتحدة بصفتها عضوا في الأممالمتحدة والاتحاد الأوربي تفتخر بأنها تساهم في المشاريع التنموية لكل من الأممالمتحدة والاتحاد الأوربي في مختلف مناطق المغرب. إننا أيضا مدافعون ثابتون، وبطريقة علنية، عن التجارة الحرة والأسواق المفتوحة، لذلك فإننا نتطلع إلى انطلاق المفاوضات الشهر المقبل لاتفاقية عميقة وشاملة حول التجارة الحرة بين الاتحاد الأوربي والمغرب. إننا أيضا نرأس مجموعة الثمانية (G 8) للبلدان المتقدمة، وهذه الرئاسة تمكننا من قيادة «شراكة دوفيل» لمجموعة الثمانية (G 8) للبلدان المتقدمة وبلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط. لقد أعلن رئيس وزراء بلادي، ديفيد كاميرون، أننا سنركز خلال رئاستنا على دعم القطاع الخاص في هذه المنطقة والاستجابة للتحديات الاقتصادية الدولية الراهنة والحساسة، كما أن مبادراتنا ستشمل أيضا التركيز على أولوية الاستثمار ودعم عمل الشركات الصغيرة وتشجيع المشاركة الاقتصادية للمرأة. خلال الأسبوع الماضي فقط، احتضنت العاصمة المغربية الرباط اجتماع لجنة إدارة «شراكة دوفيل» تحت الرئاسة المشتركة لبريطانيا والأردن، حيث تمت خلاله الموافقة على مشاريع تفوق ميزانيتها 40 مليون دولار، سيكون المغرب أكبر المستفيدين منها. تجدر الإشارة هنا إلى أن بريطانيا محظوظة لوجود المشورة المتواصلة والعمل الدؤوب لسفيرة المغرب في المملكة المتحدة الشريفة للا جمالة في كل مجالات التعاون هذه. لا يوجد هناك نقص في فرص العمل والتعاون بين بريطانيا والمغرب. أنا على يقين بأن مدة اشتغالي في المغرب ستكون حافلة جدا، وأنا أعلم بأنها ستكون مرضية على الصعيدين المهني والشخصي وستساهم في أن تزيد من معرفتي بقيم وثقافة هذا البلد الجميل، وكما قال لي رئيسي السابق، الأمير تشارلز، ذات يوم، فإن المغرب «هو أصل الكثير»، فنحن عندما ننظر إلى الأقواس العظيمة في كنيسة وستمنستر بلندن -الكنيسة حيث توج ملوكنا وملكاتنا لآلاف السنين- فإننا نعلم بأن أشكالها الهندسية نشأت هنا في المغرب. أنا فخور، اليوم، ونحن نشهد على دخول شراكتنا وصداقتنا القرن ال21، بأنه تم إرسالي لقيادة عمل بريطانيا هنا.