لم تنفصل التجربة الشعرية النسائية في المغرب عن نظيرتها الرجالية، وظلت نفسها محكومة بشروط إنتاج هذه القصيدة على المستوى الثقافي والاجتماعي، فالشعر المغربي لم يتخل عن نبرته الاحتجاجية منذ أكثر من خمسين سنة من عمر التجربة الشعرية الحديثة، وكان أن تأثر الشعر النسائي وخضع لنفس معايير إنتاج القصيدة والأدب على وجه العموم. لكن مع ذلك نجد مساحات واسعة للبوح الذاتي عند الشاعرات المغربيات، كما نجد تفوقا أسلوبيا واضحا في نصوصهن. في كتابه المعنون ب»كتابات مسمارية على جدارية مغربية» يرصد الكاتب العراقي مجيد الربيعي، التجربة الشعرية المغربية عند بعض شاعرات جيل السبعينات والثمانينات. يقول عن تجربة الشاعرة مليكة العاصمي: «إن شاعرة رائدة معروفة هي مليكة العاصمي ابنة مراكش تشكل حالة خاصة متفردة فهي على العكس من شاعرات أخريات غادرن مدنهن إلى غيرها فسكن الحنين قصائدهن إلى تلك المدن». مليكة العاصمي لم تغادر مراكش بل بقيت فيها، منذ الولادة، وحتى يوم الله هذا، فيها ولدت ودرست وتزوجت وأنجبت وناضلت وكتبت ووصلت إلى مركز سياسي بارز في حزب الاستقلال ،وانتخبت نائبة في البرلمان عن مراكش أيضاً. في قصيدة طويلة لمليكة العاصمي عنوانها (زلزلة على قرن الثور) ضمها ديوانها (شيء له أسماء) يرد ذكر مدن وبلدان عربية وإسلامية مثل: جنين، بيروت، مكة، القدس، بابل، شام، كنعان، نجد، تهامة، الأغوار، صحراء، المغرب، نقرأ من القصيدة على سبيل المثال: (أمامك يمتشق النخل حساماً في بابلْ تتجلل أشجار الأَرز مناطيداً في بيروتْ يتعالى السرد بأرض القدس، ويقذف ألسنةَ حرابٍ مسنونهْ أمامكَ يحمل نهر النيل وبردى ترتجّ مشارف صحراء المغربِ تهتز الكثبانُ وتصفع وجه النسمات المسكونة بالأرباح). على نفس الخط الشعري الصلب، نجد شاعرة أخرى أثارت خلفها زوابع نقدية، هي تجربة الشاعرة المغربية وفاء العمراني، وهي بعكس مليكة العاصمي بنت مدينة مراكش الكبيرة، تنحدر وفاء من مدينة صغيرة هي مدينة القصر الكبير، والمعروفة بشاعراتها وكاتباتها أمثال: الباحثة رشيدة بن مسعود والشاعرة والرسامة وداد بنموسى والشاعرة سعاد الطود وغيرهن. في ديوانها (الأنخاب) تحتفي الشاعرة بذاكرة المكان، تقول في قصيدة عن القصر الكبير مدينتها: (هكذا يطلع إليك (القصر) ذاكرة من المرايا أنشوطات يسلمها الوقت للحكايا هنا أرضعتني نخلة هنالك فيأتني برتقالة وبينهما بذر القلب جراحة) لكن وفاء ترحلت شعريا إلى مكان آخر بعيد هو بيروت في قصيدتها (بيروت والجرح يتطاول حتى اليتم) تقول: (أنت الشعر وللمدارات أبهة العشق سائغ أن تسمي المنبوذ شريعة والنسخ طريقاً هل تعقم الشمس نسل قراراتها دمشق تراهن بغداد توغل في المسافات والرباط حبلى آه بيروت - الرغبة والرصاصة تطغى) وكأنها تقارن بيروت الذاكرة والدور ببيروت المشهد الماثل وقتذاك فتقول: (بيروت فرحاً بتولياً وفي الموت ما يمنع الحكاية لم يعد العشب يشبه العشب ولم تبق الخطوة خطوة من يتقدم؟) لا تتوقف الشاعرة مليكة العاصمي عن طرح السؤال الشعري، إنها مثل الكثير من الشاعرات المغربيات مهجوسات بطرح الأسئلة كبوابة من بوابات القصيدة، لأن السؤال في اعتبارهن هو نصف جواب، عن حقيقة أو ما يفترض أنه حقيقة. لنتابع هنا كيف تصوغ سؤالها الشعري بإتقان وحرفية وتألق . كَيْفَ أتركُ هذا المساءَ دمي يتدفُّق مندلِقاً في حَوَافِي المدينةِ أترك هذا المساءَ تلالي مواجِهَةً للزَّوابعِ كيف أواجهُ هذا المساءَ أنينَ السهولِ ونَوحَ الأخاديدِ في جسدي أزمتي مأزومةٌ ورؤايَ سراديبُ هاربةٌ وسؤاليَ منتشرٌ في المدى القُزحيِّ أردِّده وأغنِّيهِ في غيهب الذَّاكرة. **** كيف أواجه هذا المساءَ حنيني لأمّي وكيف أعالج هذا البكاءَ الأليمَ البُكا المتفطّرَ هذا البكاءَ المعذِّبَ نوحُ المجرّات مُعتَصَرٌ بفمي وأنينُ المسافاتْ. نشرت وفاء العمراني مجموعة من القصائد والمقالات الأدبية بعدة منابر: الاتحاد الاشتراكي، أنوال، البيان، آفاق، الزماني المغربي، الآداب (لبنان)، أخبار الأدب (مصر)، ألف (قبرص)، القدس العربي (لبنان)... صدرت لها الدواوين الشعرية التالية: الأنخاب: شعر، اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 1991. أنين الأعالي: نصوص, دار الآداب، بيروت، 1992. فتنة الأقاصي، منشورات الرابطة، الدارالبيضاء، 1996 (مع شريط صوتي)، الطبعة الثانية في السنة نفسها عن الدار نفسها (بدون شريط) هيأت لك، أفريقيا الشرق، الدارالبيضاء، 2002. الحب والنضال.. عملة واحدة لكن يمكن الوقوف عند التجربة الثرية والفارقة للشاعرة المغربية الراحلة، والمناضلة المعروفة على صعيد النضال النسائي والحقوقي ثريا السقاط في ديوانها «أغنيات خارج الزمن» الذي صدر سنة 1990، أي سنتين قبيل وفاتها. ومن الوجوه الشعرية النسائية الجديدة التي حفرت لها مكانة في القصيدة النسائية المغربية، الشاعرة ثريا ماجدولين، وقد صدر لها عملان شعريان هما:» أوراق الرماد»، و»المتعبون». والشاعرة ابتسام أشروي : في ديوانها» لعبة الظل «. هناك أيضا شاعرة مغربية أخرى لاتزال حاضرة في خريطة الشعر المغربي، وهي الشاعرة حسنة عدي حيث أعلنت عن نفسها في عملها الشعري الأول «صور لامرأة مرتجلة» في أواسط التسعينات من القرن الماضي. كما يمكن الحديث عن الشاعرة المغربية الزهرة المنصوري التي صدر لها أيضا في نفس الفترة ديوان»تراتيل»، ومن نفس الجيل نجد الشاعرة أمل الأخضر في عملها «بقايا كلام»، والشاعرة حبيبة الصوفي التي أصدرت تباعا مجاميعها الشعرية، ومنها «فوق الورق»، دمعة الجيل الحزين»، «مرايا تعكس امرأة» و»آدم الذي».كما يمكن الحديث عن تجربة شاعرة أخرى هي تجربة حكيمة الشاوي في دوانها «العشق المزمن». لكن في نفس الوقت تبرز تجربة الشاعرة المغربية عائشة البصري باعتبارها من التجارب المهمة في المغرب، وفي منتج القصيدة العربية، من خلال ديوانها «ليلة سريعة العطب» وهو أحدث تجاربها الشعرية أو من خلال ترجمة مختارات من شعرها إلى اللغة الفرنسية واللغة الإسبانية واللغة التركية والإنجليزية. وقد راكمت خلال مدة عددا من أعمالها، وهي « أرق الملائكة» و»شرفة مطفأة» و»مساءات». تكتب عائشة البصري: في قصيدتها «ُبَالَةُ عِشْق» كأسان فارغان بقايا طعام على المائدة ذُبَالُ شمع على الشرشف الأحمر أعقاب السجائر تتمطى في المرمدة قرط تائه يبحث عن شبيهه بين ثنايا الملاءة. خصلة شعر تطرز بياض الوسادة .. عيون الفجر تتلصص على جسدين نائمين. *** كأسان فارغان عصفوران ينقران زجاج النافذة تأخر صوت المزلاج ورائحة القهوة...، لولا الخجل لشربا نخب الليلة الماضية، لولا العفة لالتحفا عري الجسدين أجنحة لطيران الليل *** كأسان فارغان جسدان يتلألآن .. ضوء الصباح يكنس ما تساقط من قبل الأمس على السجادة قطة الجيران تتسحب إلى الغرفة، أتوقظ هذه الفتنة أم تتركها تتلمظ نشوة الأمس وتحتل شاعرة شابة مثل الشاعرة فاطمة الزهراء بنيس مكانة ضمن شاعرات الألفية الثالثة، ومن بينهن أيضا الشاعرة علية الإدريسي أبو زيد. والشاعرة الدكتورة فاطمة مورشيد التي قفزت فجأة إلى المشهد الشعري المغربي، من طبيبة أطفال إلى شاعرة وروائية بمجاميع شعرية متوالية. وقد صدر لها ديوان»إيماءات» وديوان«تعال نمطر» عن درا شرقيات في القاهرة أو علمها الشعري» ورق عاشق». تكتب في قصيدة لها بعنوان «عراء» ككلّ الصّبايا أخفيتُ تحت القميص كتاباتي كبعض عرائي... وعند انفلات الصّبا فقدتُ حيائي ما عاد يُخجلني أن يَسري عنيّ ردائي. وفي مقطع آخر بعنوان «نفس» يتنامى خلسة بداخلي يُجمّلني يمحُو السنين عن جبيني نفس دافئ في فاترات الليالي.. أحقّا عاد لي أم تُراه صدى النغمات الخوالي؟ إبحار أنا والبحر هنا... وأنفاسُك عبر هاتفٍ محمولٍ تحملني... هناك شراعا، بلا بوصله والأفق عيناك...