في الأسابيع الأخيرة، حلت ذكرى رحيل محمد تيمد، المسرحي المغربي الأصيل الذي عاش لإنعاش المعاني المضادة في المسرح والحياة. تيمد هو أحد الأصوات الرائدة لمسرح الهواة وأحد الذين طبعوا هذا المجال بالتميز الإبداعي والتجريب، ويهم كاعتراف أن نستحضره في أيامنا من مداخل الكتابة أو البحث أو الارتباط الصحافي ضدا على طاحونة النكران التي يراد لها أن تكون منطقا مهما في حياتنا عامة وحياتنا الثقافية بشكل خاص. قد لا نقول الكثير عن تجربة مبدع من حجم محمد تيمد، إلا أن الأساس هو استحضاره بيننا في زمن قلت فيه كثيرا الأسماء التي تعطي بلا حدود خدمة للإبداع والوطن والناس البسطاء. طبعا مجال الكتابة راكم أشياء مهمة عن تيمد، منها أساسا كتابات حسن المنيعي وعبد الرحمان بن زيدان وبعض الأسماء التي عرفته عن قرب، كما أنجزت عن تجربته أبحاثا جامعية، منها أطروحة الدكتوراه لمحمد زيدان التي بحثت في ارتباط تجربته بمسرح العبث، إلا أن كل هذا لا يكفي لتحقيق الاعتراف لشخص خاص ومبدع لن يتكرر وإسهامه في مجالنا، راكم ما يزيد عن عشرين مسرحية وترجم بأسلوبه ونوع القضايا التي اشتغل عليها وخصوصية الرؤية التي حكمت عمله وارتباطه بالثقافة والفن حساسية إبداعية متميزة أثرت المسرح المغربي الحقيقي الذي استنبت مع الهواة وخصبت أفقه بعد استنبات لاحتياجاته الفعلية، وكان أن توحد في ذلك مع أمثاله من الكبار كالراحلين محمد مسكين وحوري الحسين ومحمد الكغاط، والمستمرين في العطاء من قبيل المسكيني الصغير وعبد الكريم برشيد وسعد الله عبد المجيد وعبد القادر عبابو... الخ. محمد تيمد طبع الكتابة المسرحية وطبع الإخراج أيضا، وهذا ما تترجمه نصوصه بشكل كبير، حيث تبدو وكأنها كتبت ليخرجها هو وحده. تيمد لم ينشغل بالانضباط لأطر نظرية ما لكنه انشغل بالانضباط لهواجس مقلقة كثيرة، منها أساسا إقلاق ما هو سائد في الوجود والثقافة والمسرح، فجوهر مسرحه، حسب حسن المنيعي، مخالف لما هو سائد في الساحة الفنية، ويسعى إلى إفراز خطاب صاعق يدين عبثية الوجود وانسحاق الضعفاء وضراوة المتخومين. عاش الكثير من الاغتراب في وطنه، وربما تنقله بين فاس ومكناس وطنجة كان لمقاومة غربة الوجود وعلاقات المجتمع. في اللقاءات التي كان يستضيفه فيها الإعلامي سعيد كوبريت بطنجة كان يحب أن يسمع «يا غريب ليك الله»، وفي فيلم «شاطئ الأطفال الضائعين» منح الشخصية الرئيسية الكثير من شخصيته هو، بحسب المخرج جيلالي فرحاتي. تيمد، كما يقول عنه فرحاتي، «لم يعط ما يستحقه كمبدع من حجم كبير ومثقف بمعنى الكلمة وإنسان راق في أسلوبه وفكره. تيمد عاش الألم والإهانة وأشياء أخرى بسبب عدم فهم اختياراته في مجالات الثقافة والإبداع». ما يعنيه قول فرحاتي وقول الذين عرفوا هذا المبدع، هو أن تيمد من طينة الكبار، أعطى للكتابة والتشخيص وللممارسة الثقافية أشياء نفيسة، ولم يأخذ أي شيء في حياته. عاش الكثير من النكران، وفي موته يعيش كل النسيان. ضد هذا نكتب الآن عن تيمد ونقول بتعابيره من مسرحية «الزغننة» لمن تبقى من الناس في هذه الأرض التي تجمعنا: «عالجوا الموقف إذن قبل فوات الأوان.. عالجوا الموقف».