بناء على تقليد سيئ تم ترسيخه في السنوات الأخيرة، يصر بعض «الإخباريين» (وهذا هو الاسم العتيق للصحافيين) على نشر الأخبار السيئة فقط وسط القراء، مع غض الطرف عن الأخبار الجيدة التي من شأنها أن تبعث الفرح والسعادة في النفوس والأمل في المستقبل؛ وهي أخبار ما أكثرها لو صفت النية وركّز المعنيون اهتمامهم على شغلهم، لا على البحث عن «جوا منجل». ولكيلا نذهب بعيدا، نكتفي بالحدث المهم الذي عرفته بلادنا نهاية الأسبوع الماضي، والذي عممت خبره، مشكورة، «وكالة المغرب العربي للأنباء»، لكن لم تشر إليه سوى بعض المنابر الصحافية المعدودة على أصابع اليد الواحدة، وبخجلٍ شديدٍ، غير مفهوم وغير مبرر. نعني هنا، على وجه التحديد، تلك «التجربة الافتراضية» التي أطلقها «منتدى الفضاء النمساوي» في منطقة أرفود ببلادنا يوم السبت الماضي، والتي ينتظر أن تستمر إلى نهاية الشهر الجاري. وهي تجربة تهدف، في ما أوردته قصاصة الوكالة، إلى «محاكاة رحلة استكشافية إلى كوكب المريخ»، على أساس أن هناك «تشابها كبيرا بين سطح أرفود وسطح المريخ». وبانتظار أن تنطلق الرحلة الفضائية نحو سطح المريخ الحقيقي خلال العشرين سنة المقبلة، لا يمكننا إلا أن نفرح ونسعد لهذا الخبر، لأننا عرفنا، بفضله، أن المواطن المغربي الحالم بالذهاب إلى المريخ يكفيه، من الآن فصاعدا، أن يذهب إلى أرفود، مع ما يعنيه ذلك من اقتصاد في الوقت وتوفير للطاقة والمجهود والميزانية. ورغم أن أصحاب التجربة لم يحددوا لنا ما إذا كان من الضروري ارتداء بذلة فضائية (باهظة التكاليف) لزيارة سطح المريخ المغربي أم إنه يمكن الاكتفاء ب«دجين» و«سبرديلة» عاديين، فإنه يمكن الترويج من الآن لأرفود كوجهة سياحية متميزة، وذلك عبر حملة إعلانية عالمية يمكن أن نختار عنوانا لها، مثلا، «تعالوا لزيارة سطح المريخ فوق سطح الأرض». ومن المؤكد أن قبائل السواح المختلفة سوف تتوافد على بلادنا بمئات الآلاف إن لم يكن بعشرات الملايين. ولا يمكننا، بهذه المناسبة، إلا أن نتوجه بعميم الشكر إلى الإخوة النمساويين الذين وضعوا أيديهم على هذا الاكتشاف الجغرافي – الكوني المفصلي في تاريخ البشرية السائرة بحزم نحو العلا؛ ونستسمحهم في أن نتقدم إليهم بطلب بسيط يتمثل في أن يواصلوا البحث في مناطق أخرى من بلادنا، في السهول والجبال والوديان، فلربما عثروا على أسطح تشبه أسطح باقي كواكب مجموعتنا الشمسية، والأمل منوط، بعد المريخ، بالعثور على ما يماثل أسطح الزهرة وعطارد، الحجريين، وزحل والمشتري، الغازيين؛ بما يفتح أمامنا إمكانية التجوال بين كل الكواكب دونما حاجة إلى مغادرة البلاد. والحقيقة أن هذه التجربة النمساوية لا تعمل سوى على تأكيد ما سبق للسينمائيين العالميين أن أثبتوه عبر أفلامهم المصورة عندنا: فمن مشاهد اختارها هؤلاء بين ورزازات وسلا مرورا بمدن أخرى مثل الدارالبيضاء ومراكش والصويرة وفاس، في وقتنا الحاضر، استطاع هؤلاء السينمائيون العباقرة إخراج أفلام يعتقد المشاهد العالمي أنها صوّرت، فعلا، في اليمن أو أفغانستان أو إثيوبيا أو الصومال؛ بل إن هناك أفلاما يعتقد مشاهدوها عبر العالم أنها صوّرت في أيام الفراعنة أو في عهد الإمبراطوريات الصينية القديمة أو في السنوات الأولى لظهور المسيحية، وكل ذلك بفضل الغنى في المشاهد الطبيعية والبشرية وبفضل وجود فضاءات طبيعية بكر لم تدنّسها «الحضارة العمياء» لحسن الحظ، لكن لم نكتشفها نحن، للأسف، وكان من الضروري أن «نربّع» أيدينا وننتظر إلى أن يعثر عليها، فوق أرضنا، أجانب برّانيون. لكن هذا ليس مهما، المهم هو أن يؤدي اكتشاف المريخ في أرفود إلى تغيير نظرتنا تجاه فضاءات تعودنا على الاستهانة بها وإعادة الاعتبار إليها من جديد لأنها صارت نافذتنا نحو الكواكب والمجرات، أي نحو المستقبل. والخير أمام.