حين كان ثمن الغاز بيطان مستقرا لا تطاله الزيادة من أمامه ولا من خلفه، كان المغاربة منشغلين ب»راس البوطا»، من شدة خوفهم من تسربات الغاز القاتل، بل إن حملة تحسيسية كان يقودها الفنانان محمد مفتاح وثريا جبران، تدعو المواطن إلى المزيد من اليقظة في التعامل مع القنينة، خاصة رأسها المثير للفتن والمواجع. لكن اليوم، لا حديث إلا عن الزيادة المرتقبة في أسعار غاز البيطان التي شغلت رؤوس العباد بعد أن لاحت في الأفق أخبار عن ارتفاع قادم لأسعار هذه المادة الحيوية التي بدونها لا يعم الدفء مطابخ المملكة. يتحدث المواطن همسا عن ارتفاع سعر البوطا الكبيرة وشقيقتها الصغيرة، ويؤكد العارفون بشؤون «المقاصة» بأن سعر القنينة الكبرى سيصل إلى 120 درهما، بينما سيرتفع سعر الصغرى إلى 30 درهما، مما يهدد القدرة الشرائية للمواطنين ويحرك في الأفئدة نوسطالجيا زمن الفحم الخشبي ومشتقاته. في ظل الارتفاع الصاروخي المرتقب لسعر الغاز، يمكن للمواطن أن يشتري قنينة بدفع أقساط أسبوعية أو أن يقدم البائع وعدا بالبيع للزبون في انتظار استكمال عملية اقتناء «البوطا»، رغم أن صندوق المقاصة ينفي وجود نية لرفع السعر، كي لا يتحول صندوق المقاصة إلى صندوق فقاصة كما يحلو للاقتصاديين تسميته. في ظل هذا الوضع، لجأت الشركات العاملة في مجال تعبئة قنينات الغاز إلى التلاعب بكمية البروتان، حيث يتم تقليص الكمية المعبأة بنصف أو بكيلوغرام حسب أحجام القنينات، رغم أن الضوابط تفرض احتواء القنينة الكبرى على 12 كيلوغراما مقابل نصف الكمية لشقيقتها الصغرى، أما الرضيعة فلا تتجاوز 3 كيلوغرامات. وهناك نبهاء في الغش زادوا في سُمْك ووزن القنينة الفارغة تحسبا لأي طارئ، مستغلين سبات جهاز المراقبة التابع لوزارة الطاقة أو أي جهة حكومية أخرى، وهي طريقة مقتبسة عن المخابز التي تفضل تقليص وزن الخبزة الواحدة بدل الزيادة في سعرها. في ظل هذا القلق الذي يجتاح المستهلك المغربي، نخشى أن يعض المواطن القنينة بأسنانه كلما شعر بقرب انتهاء مخزونها من الغاز، وهي الطريقة المغربية المعتمدة للزيادة في عمر البطاريات الصغرى؛ وهناك من يفكر في إبرام اتفاقية حسن الجوار مع «الفاخرية» الذين كان الترخيص لهم بفتح محل لبيع الفحم يحرك حركات احتجاجية للساكنة، رغم أن دراسة طبية أكدت أن المغاربة يملكون احتياطيا كبيرا في أمعائهم من الغازات، وأنهم ينفقون ملايين الدراهم لمحاربة هذا النوع من الغازات. نحن أمام حلين: إما أن نعيد النظر في سعر الغاز أو أن ندعم الفحم، الذي لا يتذكره المواطنون إلا مرة واحدة في السنة، وتحديدا حين يحل عيد الأضحى الذي يكون الإقبال فيه كبيرا على اقتناء هذه المادة؛ وفي الحالتين لن يتراجع موزعو القنينات على قرارهم القاضي بزيادة عشوائية في الأسعار كي يستأنس المواطن بزيادة مرتقبة، دون علم الجمعية المهنية لمستودعي الغاز بالمغرب الذين يبدو أن «الغاز» طلع إلى رؤوسهم بمجرد علمهم بالزيادة المستترة. في كثير من الدول الأوربية، يتم ربط الغاز بيتان بشبكة لتزويد التجمعات السكنية بهذه المادة، دون أن يكلف المواطن نفسه عناء التنقل عند البائع وحمل القنينة على الأكتاف والاحتراس من تسرب غازات قد تحول قاطني البيت إلى جثث، حينها سيضطر المغاربة إلى أداء فواتير الماء والكهرباء والغاز، بعد أن يتم خلق مديرية للغاز تابعة لإدارة علي الفاسي الفهري مدير الماء والكهرباء والغاز والكرة.