خلقت التسريبات المتعلقة بتصور الحكومة الحالية لمشروع إصلاح صندوق المقاصة، تخوفات حقيقية لدى عدد كبير من المواطنين، من أن يفتح هذا الإصلاح بابا مشرعا لموجة غلاء، قد تهدد الاستقرار الاجتماعي، وتجعل القدرة الشرائية لعدد مهم من المغاربة عاجزة عن المقاومة، في ظل الارتفاعات المتتالية للأسعار، والجمود الذي طبع الأجور رغم بعض الزيادات القطاعية المحدودة. هذه التخوفات تبقى مشروعة في ظل غياب آليات واضحة لكيفية صرف الدعم المباشر، الذي أعلنته الحكومة كبديل يمكن من توجيه الدعم لمستحقيه، وكذا أمام غموض مفهوم الفقر والطبقة المتوسطة عند الحكومة، علما أن هذه الطبقة قد تدفع ثمنا غاليا سيؤدي إلى تفقيرها، كما أكد سعيد الصفصافي القيادي في الاتحاد المغربي للشغل، الذي حذر من اللعب بالنار، واتهم الحكومة بفتح الباب أمام اللبرالية المتوحشة، مما سينعكس بشكل مباشر على الطبقة المتوسطة، بحكم أن تحرير الأسعار ورفع الدعم سينتج عنه قيام بعض المنتجين، الذين كانوا يستفيدون من صندوق المقاصة، برفع الأسعار، لتكون الحصيلة هي موجات غلاء غير متحكم فيها. وأشار صفصافي إلى أن صندوق المقاصة هو جزء من منظومة مجتمعية تشكلت بالأساس من أجل دعم الإنتاج الوطني ودعم الفئات الفقيرة، وأن المس بهذا الصندوق، هو مساس بهذه المنظومة المجتمعية التي تعرضت لهجوم متواصل من قبل الحكومة الحالية، انطلق مع رفع أسعار المحروقات، وما تلاه من مضاعفات جانبية تمثلت في ارتفاع أثمنة عدد من المنتجات، رغم المحاولات التي قامت بها الحكومة لتبرئة ذمتها، من خلال تقديم تفسيرات وتبريرات حاولت من خلالها فك الارتباط بين زيادة ثمن المحروقات وغلاء بعض المنتجات. من جانبه، أكد محمد ادعيدعة، القيادي في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن إصرار الحكومة على تنزيل إصلاح المقاصة دون نقاش سياسي واضح، ودون وضع آليات حقيقة للإصلاح، سيكون بمثابة صب الزيت على النار في ظل الاحتقان السائد حاليا أمام تردي الأوضاع المعيشية لجزء كبير من المغاربة. وأشار ادعيدعة إلى أن الحكومة ملتزمة بمنهجية أو مبدأ التشاركية في هذا الإطار، بحكم أن إصلاح صندوق المقاصة ليس قرارا حكوميا محضا، بل هو أمر يهم كل مكونات المجتمع من أحزاب ونقابات وفعاليات المجتمع المدني، محذرا من أن التسرع في تنزيل هذا الإصلاح الذي يعد ضروريا سيفتح المجال أمام الاستغلال السياسوي لأهداف انتخابية. وكشف ادعيدعة أن بعض الأحزاب شرعت فعلا في الاتصال بعدد من المواطنين بمناطق نائية من أجل تسليم بطائقهم، على أساس إدراج أسمائهم في لوائح المستفيدين من الدعم المباشر، واعتبر أن هذه الممارسات ستزيد استفحالا في حال عدم تبني حوار وطني من شأنه وضع تصور متكامل للإصلاح. ويبدو أن هاجس التخوف من ردود فعل قد تتطور إلى حركات احتجاجية قوية، على غرار ما وقع بعدد من الدول العربية التي جربت رفع الدعم عن مواد استهلاكية أساسية، سيكون قريبا من مشرط الحكومة لدى محاولتها إصلاح صندوق المقاصة. وفي هذا الإطار، اتفق عدد من النقابيين على أن الحكومة ستكون ملزمة بتحمل النتائج والانعكاسات السلبية في حال مضيها في ما تعتبره إصلاحا وفق منطقها الخاص، حيث أكد سعيد الصفصافي أن الحكومة لا تملك آليات واضحة ولم تقم بتحديد دقيق للطبقات التي ستستفيد من الدعم المباشر، ولا لكيفية ضمان وصول هذا الدعم لمستحقيه، وبالتالي فلابد من ندوة وطنية تأخذ بعين الاعتبار جميع الآراء، لأن الأمر يتعلق بموضوع حساس يرهن الاستقرار الاجتماعي للمغرب. وأكد صفصافي على أن نقابته تتابع هذا الموضوع باهتمام، بحكم أن مشروع الإصلاح لازال مجرد تصريحات، رغم أنه أشار إلى أن الحكومة الحالية عودتنا على أن تقوم بخرجات إعلامية في كل مرة تقرر فيها اتخاذ قرارات غير شعبية، وقال إن نقابة الاتحاد المغربي للشغل تنتظر تطورت هذا الموضوع وستتخذ الرد في حينه، في الوقت الذي قال فيه ادعيدعة إن الحكومة ستكون في مواجهة غضب عارم، وستكون مسؤولة عن التداعيات الوخيمة التي ستنتج، والتي سيكون لها وقع مباشر على الاستقرار الاجتماعي والسياسي بالمغرب.