ابن بطوطة، في مدينة دبي، هو واحد من أكبر مراكز التسوق في العالم، خصوصا من حيث المساحة التي يغطيها، وما تزال أشغال توسعته جارية. المساحة المخصصة للمحلات التجارية في هذا المركز الضخم تناهز سبع هكتارات، تشغلها 275 وحدة من أكبر وأشهر «الماركات» العالمية؛ بينما تغطي منطقة المطاعم مساحة تناهز أربعة آلاف متر مربع؛ وتتسع مواقف السيارات لأكثر من 5000 سيارة؛ إضافة إلى مجمع سينمائي عملاق يضم 21 شاشة عرض. ينقسم مول ابن بطوطة في دبي إلى ستة فضاءات تختصر أسماء أهم البلدان التي زارها الرحالة المغربي في القرن الرابع عشر للميلاد، فمن الجناح الصيني إلى الجناح الهندي والفارسي والتونسي والمصري والأندلسي، في قصة تاريخية ترويها نماذج لاختراعات وابتكارات علماء المسلمين مثل الأسطرلاب والساعة المائية وتقنيات قياس الوقت والفلك والأبراج وغيرها.. في جولة تمتزج فيها المتعة بالفائدة. أما ابن بطوطة في مسقط رأسه، بمدينة طنجة، فهو مجرد ضريح صغير مهمل، يصله الزائر عبر زقاق ضيق ملتو على طول عقبة حادة، وحين يبلغه لاهثا قد يجده مغلقا، فيتدخل أبناء الجيران لتنبيه من يحتفظون بمفتاح الضريح، فالأسرة المشرفة عليه لا تتبع وزارة ولا مصلحة عامة، ولا تعرف عن صاحب الضريح غير اسمه. وعندما فكرت السلطات المركزية والمحلية، للمرة الأولى والأخيرة، في تكريم أعظم أبناء طنجة عبر تاريخها المديد، بمشاركة شخصيات مغربية ودولية، تبارى الباحثون في عروضهم المنوِّهة برحلة ابن بطوطة، كما تباروا في التهام أكلات العشاء الفخم المقام على متن باخرة راسية في ميناء المدينة. في تلك المناسبة، تم الإعلان، كما يتذكر المنظمون والمشاركون، عن إحداث متحف ابن بطوطة الذي تقررت إقامته في السجن العتيق الضيق في القصبة (!؟)، وكأن عاصمة البوغاز لا تملك عقارا تخصصه لمحمد بن عبد الله بن محمد الطنجي غير سجن قديم لا يتجاوز بضعة أمتار مربعة، لا تليق بمقام رجل اشتهر بكونه رحالة وقاضيا وفقيها ومؤرخا. ومع ذلك، فما حدث بعد 16 سنة هو أن المتحف المذكور ظل حبرا على ورق، فحتى السجن القديم عز تخصيصه لابن بطوطة الذي كرمته دول عدة بتماثيل ومؤسسات بحثية تحمل اسمه. وأدهى من كل ذلك وأمرّ أن بعضا من كبار الباحثين المغاربة يشككون في أمر الضريح الصغير المهمل في الزقاق الضيق، مدعين أن قبر ابن بطوطة غير معروف، مثله في ذلك مثل تاريخ وفاته. وقبل ذلك، ألقى ابن خلدون ظلالا من الشك على ما رواه صاحب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار». بينما لقي الرحالة الطنجي الثناء من علماء الغرب والشرق، من أمثال المستشرق ريجيس بلاشير، والمستشرق الروسي كراتشكوفسكي الذي يعتبره منافسا لمعاصره ماركو بولو، والباحث الياباني ياموتو الذي أكد أن روايات ابن بطوطة وجدت توكيدا لها في المصادر الصينية وفي أسفار ماركو بولو، وأطلقت عليه جامعة كامبريدج لقب أمير الرحالين المسلمين. عزاء ابن بطوطة أنه ليس المغربي الوحيد الذي لا يحظى في بلاده بما يستحقه من تقدير، فغيره كثير، كثرة من يحظون بالاعتبار دون استحقاق، ومنهم مجاملون وشذاذ آفاق.