الفيلم الوثائقي «محاولة فاشلة لتعريف الحب» لمخرجه حكيم بلعباس ليس عن قصة الحب الأسطورية بين ايسلي وتيسيلت، بل هو رثاء للزمن والعمر والحياة برسائل إنسانية ملتزمة وهادفة بالغة البساطة، وبذلك يكون قدم نموذجا خالدا للفن الإنساني الراقي. وأن يتوقع الإنسان من هذا المخرج التألق المذهل فهذا شيء طبيعي، يلمسه مع فهم أدواته وألغازه التي يحركها للتأثير بالصورة الساحرة لكن من الصعب أن يدرك المتفرج شفط عمق العاطفة التي يستحوذ بها هذا المخرج على المتفرج. هذا الوثائقي يحفر في الذاكرة وفي أعماق الروح إلى الأبد، ويتميز عن أعمال المخرج السابقة بكونه تطرق إلى موضوع ذي نكهة فلسفية تغوص في الجاذبية الحسيه وجمال طبيعة الأطلس الشرقي القاحلة القاسية. إنه وثائقي مليء بالمشاهد المذهلة اللافتة للنظر والتأملات، وعلو شأنه يكمن في قيمة التعبير في الصورة، ومدى ما تنطوي عليه من رموز ودلالات يرغب المخرج في بلورتها داخل اللقطة، كي تفرز إثارة تخيلية ذات أبعاد معينة داخل نسق الفيلم. ولكي يوصل لنا هذه الرسالة يوظف المخرج حسّ شاب وشابة كممثلين غير محترفين ليحاكيا فضاء الأطلس الطبيعي الذي يستقبلك بابتسامة مرعبة وبدون رحمة. ويحمل الفيلم عمقاً مدهشاً بمشاهد غاية في الحساسية، مما يعطي صبغة واقعية إنسانية أكثر للأحداث. ويختطفك كل من ساهم في الفيلم من مكانك أثناء مشاهدتهم وهم يتكلمون بكل عفوية وبراءة وسعادة تقطر من القلب رغم ثقل حمل الحياة. وعلى المشاهد المتذوق ملاحظة أدق التفاصيل في حركات الكاميرا التي التقطت مشاهد تشبه الومضات واتبع أسلوبا اختار التفاصيل التي تثير وتأجج المشاعر، واستخدم اللقطات القريبة التي تشبه الصور البطيئة لامتصاص الأحاسيس والمشاعر الإنسانية. ومن اللقطات الساحرة التي أبدع فيها حكيم بلعباس (نعتبر الفيلم بأكمله قطعة فنية) ذلك المشهد الخالد وبطريقة عبقرية سلب بها عطف كل الحاضرين في القاعة عندما أمتعنا بتلك اللمسة الإبداعية في اللقطة التي تشبه اللوحة التشكيلة لزوجين عجوزين التصق رأساهما على الحائط وكأنهما خرجا للتو من قبر. ولا ينتهي الإبداع عند هذا الحد بل يتفتح كباقة زهور ونحن نشاهد سكان تلك المنطقة الجغرافية يغسلون وجوه بعضهم بكل رأفة وحنان، نشعر معها بأن المخرج وفّق في إيصال رسالته الإنسانية عن طريق مشاعر من انقض عليهم الدهر. ونعتقد أن المخرج أيقظ في نفس المشاهد أحاسيس جمال الفطرة بأعجوبة تحمل بصمة خاصة ومسحة روحانية ورسالة إنسانية باهرة، وترصد لنا بحساسية عالية القيم الإنسانية النبيلة المتمثلة في عالم البسطاء من شباب وشيوخ وتحمل عناء طبيعة متمردة. ومما لاشك فيه أن حكيم بلعباس قد عرض صورة مشرقة عن الروح الإنسانية بفيلم وثائقي بديع في تفاصيله وألوانه، مليء بالفلسفة والعمق والتناغم الشعري، غني بالمشاعر الإنسانية، ترافقه أصداء موسيقى تصويرية في أحسن نقائها وصفائها ورهافتها وأدائها، تهتز معها روح الإنسان ومشاعره.