حمل التقرير الصادر عن مؤسسة مشروع العدالة العالمية، الذي صنف المغرب في الرتبة 80 من أصل 97 دولة في مجال الرشوة، نتيجة صادمة، أكدت أن آلة الفساد بالمغرب لازالت تشتغل بنفس الوتيرة، إن لم يكن حجم نشاطها قد اتسع، علما أن تقارير دولية أخرى أكدت أن المغرب تراجع بثماني درجات في مجال الرشوة، وهو ما أشار إليه التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، التي أكدت أن المغرب ودع الرتبة 80 ليحتل الرتبة 88 من أصل 176 دولة. هذه التقارير الدولية انضافت إلى عدة تقارير أصدرتها منظمات مغربية، حذرت فيها من أن الرشوة لازالت متفشية في عدد من القطاعات، ما يثبت بأن شعارات محاربة الفساد والتغيير التي تناوبت عدة حكومات على رفعها، لم تحقق أي نتيجة تذكر، خاصة في ظل الحكومة الحالية التي لجأت إلى مواجهة الحقائق الصادمة، التي وردت في التقارير الدولية، بحملات تحسيسية أثارت سخرية عدد من الجمعيات الحقوقية، خاصة تلك التي تهتم بمحاربة الفساد والرشوة . وفي هذا الصدد، أكد نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي، أن الحكومة تلجأ دائما إلى مواجهة هذه التقارير السوداء بمحاولة التقليل من أهميتها وتبني خطابات مستهلكة من قبيل: «نحن بصدد» و«سنلجأ لتحضير قوانين وموائد مستديرة»، وهنا يمكن التساؤل، حسب أقصبي، عن الجديد الذي أتت به هيئة الوقاية من الرشوة. ونبه اقصبي إلى وجود هوة كبيرة بين الخطاب الحكومي والممارسة في مجال الوقاية من الرشوة، وقال إن الحكومة جاءت بخطاب متقدم عن الحكومات السابقة، بعد أن أعلنت نيتها اتخاذ حزمة من الإصلاحات على الصعيد الاقتصادي لمحاربة مكامن الرشوة، من خلال القطع مع اقتصاد الريع من كريمات وغيرها، وكذا إصلاح القوانين المنظمة للصفقات العمومية، وعقلنة الإدارة وتبني الشفافية في إسناد المناصب، لكن مع مرور الوقت ظهرت فجوة شاسعة بين الخطاب والممارسة. وقال أقصبي: «إلى يومنا هذا ليس هناك أي شيء من خطاب الإصلاحات الكبرى، ولم تظهر لها أي مؤشرات في الأفق، وما هو موجود واقعيا عبارة عن تعثرات في عدد من المجالات»، ويبقى الاستثناء المسجل، حسب أقصبي، هو اعتماد الميزانية المفتوحة، رغم أنها بقيت بدورها بعيدة عما هو ضروري وفق المعايير الدولية. ويبدو أن الآلية التي تم اعتمادها من أجل مكافحة الرشوة، من خلال خلق هيئة للوقاية، لن تعطي أي نتائج ملموسة في المديين القريب والمتوسط، وهو ما يعني أن صورة المغرب ستبقى رهينة لسمعة سيئة مقترنة بالرشاوى والفساد، الذي تمكن من التسلل إلى عدد من دواليب السياسة والاقتصاد، وهو ما ترصده التقارير الدولية التي تحمل كل سنة مؤشرات خطيرة على حقيقة الرشوة. وفي هذا الإطار، حذر أقصبي من الكلفة الباهظة غير المباشرة لهذه التقارير، على صعيد نظرة المستثمر أو السائح الذي يكون فكرة سلبية للغاية نتيجة الرتبة «الخايبة» التي يحتلها المغرب في مؤشرات الرشوة والفساد، مما يجعل عددا من المستثمرين يحجمون عن تنزيل مشاريعهم، وقال أقصبي إن الحديث هنا عن الكلفة هو بلغة المصداقية والجاذبية بالنسبة للمغرب، ونظرة الفاعلين الاقتصاديين الدوليين على المستوى العالمي. وأضاف أن هناك مكاتب أبحاث ودراسات تمنح للمستثمرين الدوليين جميع المعطيات من أجل تكوين فكرة عن البلد الذي ينوون الاستثمار فيه، ومن هذا المنطلق، تكمن أهمية وخطورة الرتبة التي يحتلها المغرب، والتي تؤثر بشكل مباشر على الاستثمار والسياحة. وأكد أقصبي أن هذه التقارير تخرج كل سنة بنتيجة تؤكد بأننا لازلنا بعيدين عما هو ضروري لخلق بلد يتمتع بجاذبية بالنسبة للاستثمار، مؤكدا أن تحسين وضع المغرب يمر عبر محاربة حقيقية للرشوة، وهي العملية التي يجب أن تتم عبر آليات واضحة، بعد أن اتضح أن «هيئة الوقاية من الرشوة ليست لها القدرة على التحرك وبالتالي ليست لها مصداقية أمام عدم منحها صلاحيات حقيقية». واعتبر اقصبي أن الواقع الحالي لحجم الرشوة بالمغرب يجعل الحكومة «تسارع إلى محاولة إخفاء عجزها عن محاربتها من خلال حملات إشهارية وتحسيسية مثيرة للضحك المبكي، من أجل التغطية على فشلها في هذا المجال، رغم أن ذلك يعد إهدارا للمال العام من خلال الهضرة والبهرجة باسم محاربة الفساد عوض القيام بمجهود حقيقي في هذا المجال». وعاد أقصبي إلى جملة «عفا الله عما سلف» التي صرح بها رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران، والتي أثارت سيلا من الانتقادات، حيث أكد أن هذه الجملة خلقت رسالة سلبية للغاية، وتحولت إلى ما يشبه إشعارا للمفسدين بأن المجال لا يزال مفتوحا أمامهم لنهب المال العام، وأن أيام الرفاهية لازالت متواصلة ويجب اغتنام الفرصة، وقال أقصبي إن هذا التصريح، بغض النظر عن وقعه المباشر من الناحية الاقتصادية، فإنه «أمر محبط يمنح ترخيصا باستمرار الفساد».