اشتغل الفنان الفوتوغرافي المغربي جعفر عاقيل على موضوع شديد الأهمية، قدمه في معرض له تحت عنوان «اقتفاء الأثر»، وأعمال جعفر التي تركز على الخطوات والعابرين تعيد النظر إلى هذا الموضوع وتنبه إليه في سياق نظرة مدهشة عودنا عليها هذا الفنان المبدع. أخذ عاقيل وقته الكامل في هذا العمل الجديد، سواء في المغرب أو الشيلي أو فرنسا أو في أماكن أخرى، لتعقب خطوات المشاة من خلال الأضواء والظلال، الأمكنة والأزمنة، وفي كل مرة من خلال حالات ووضعيات مختلفة. لكن دائما، بهاجس واحد وقصدية وحيدة، تكمن في امتلاك هذا المرئي- اللامرئي لهذا الفعل العادي «المشي»، ولمن يقوم به، أي «الماشي». بدأ عاقيل شغفه بالفوتوغرافيا، كما يحكي عن نفسه، مبكرا جدا وبالضبط في 18 من عمره عندما أهداه والده آلة تصوير «Olympus OM10» بعد عودته من سفر خارج المغرب، ليتحول تدريجيا، وبعد سنوات طويلة من التكوين الذاتي الصارم، من فوتوغرافي عصامي مهووس إلى فوتوغرافي هاوي متمرس. وبموازاة ذلك، سيحصل جعفر عاقيل على دكتوراة وطنية في موضوع مرتبط جدا بهوايته: سيميائيات الصورة الإشهارية. ليصبح بعد ذلك أستاذا باحثا متخصصا في الفوتوغرافيا الصحافية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال. ويعود أول معرض له، وهو معرض جماعي، إلى سنة 1990. ومنذ ذلك الوقت سيضاعف من تجاربه الفوتوغرافية، سواء داخل المغرب أو خارجه بلمسات كرافيكية وتشكيلية. وفي السنوات الأخيرة، سيعمد إلى مقاربة فوتوغرافية تقوم على الروبورطاج متخذا من «الفضاءات الحضرية» موضوعا أساسيا لكن ليس من منظور توثيقي وإنما من منظور تعبيري. وبالاهتمامات الفنية والجمالية نفسها، سيحاول جعفر عاقيل أن يجعل من فوتوغرافياته وسيلة تفكير في كيفية تفكيك الفضاءات والأشياء والعلامات التي تحيط بنا ثم إعادة بنائها في شكل ألوان وخطوط وأضواء ونقاط وكتل وأشكال... وهذا ما يجعل مفهوم الفوتوغرافيا عند عاقيل موضوع بحث دائم ومستمر على صورة قادرة على تمثيل كل هذه العناصر. وخاصة على إعادة كتابة «الواقع» بلقطات شذرية، مركزة على التفاصيل ومنجذبة نحو التجريد، وفي بعض الأحيان، تميل للتعبير عن الغياب كأثر للذاكرة البصرية. وفي مادة تقديمية للمعرض، نقتبس من نص جميل للشاعر والروائي حسن نجمي ما يلي «يراكم الفوتوغرافي جعفر عاقيل الأفكار والتجارب مرتقيا سلم المهارة الجمالية والفنية، مستندا إلى مدخراته النظرية والمعرفية، واثقا في خطواته الهادئة والناعمة والعميقة، مقتفيا أثر المشاة في الظل والضوء، في الفضاء والزمن. كأنه يلتقط انعكاس الخطوة على الأرض كما ينعكس ومض خفيف على مرآة الكون. وهو لا يتغيا التوثيق، وإنما يحتفي بالأثر. يدس نظرته الشخصية، بكل خلفياتها المرجعية والتقنية، في آلته الفوتوغرافية متوحدا بها وقد جعلها امتدادا ليديه أساسا (لجسده في النهاية)، يقودها (وتقوده أيضا) نحو تكثيف علاقته بالقدمين اللتين تمشيان. يدان تتأملان قدمين على الرصيف، في الطريق، وفي الوقت. وسواء في المدينة المغربية، أو في المدينة الشيلية، أو في المدينة الفرنسية تظل النظرة نفسها تلاحق الخطوات نفسها: نظرة إنسانية شفيفة لفعل آلة إنسانية لا تتوقف مطلقا منذ أن اكتشفت البشرية المشي ولم تعد تقفز أو تمشي على أربع كما اكتشفت الزراعة والخبز والملح والنار، وعلينا أن نحذر مكر هذا الفوتوغرافي الحاذق». ويضيف نجمي «إنه لا يلهو لهوا فوتوغرافيا مجانيا وهو يلاحق فعلا يوميا يكاد يكون منسيا أو «مبتذلا» لا يفكر فيه أحد (وهل يفكر أحد في مشيته وهو يمشي؟). على العكس، إن جعفر عاقيل يصنع المعنى مركزا على التفاصيل صانعا قيمة وجودية بامتياز. وهيأ نظرته وقدرته الذاتية على تصيد الأثر. الأثر فقط وهو يكاد يمحي من الصورة. يكاد يكون خارج الصورة».