مشروع التأمين التكافلي في المغرب هو حاليا قيد الدرس، والمشروع المقترح حاليا على غرار مشروع المصارف الإسلامية يفتقر قانونيا إلى الاستقلالية، وهو فقط مشروع تعديل للقانون المنظم للتأمين، بالإضافة إلى أنه محدود الصلاحية لأنه لا يمس إلا التأمين العائلي على الحياة، ولا يسمح لشركات التأمين التقليدية بتقديم خدمات في التأمين التكافلي إلا إذا كانت نابعة من فرع مهيأ أساسا لذلك خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة إلى المنتجات المصرفية. وهذا تأكيد على أن البنوك الإسلامية في المغرب لن تؤمن في الوقت الحالي في مؤسسة تأمين تكافلية، وهي من المفارقات الأساسية، لأن البنوك الإسلامية، من جهة، لا يسمح لها شرعا بأن تؤمن في شركة تأمين تقليدية، ومن جهة أخرى لا حظوظ لنجاح شركة تأمين انطلاقا من التأمين على الحياة لأن تنمية هذا القطاع في المغرب كانت نتيجة احتضان البنوك لمؤسسات التأمين. شروط نجاح المصارف الإسلامية - إلغاء نظام الوصاية على البنوك الإسلامية وتعويضه بنظام الاستقلال الذاتي كما هو الشأن بالنسبة إلى البنوك التقليدية؛ - وضع قانون منظم للمصارف الإسلامية، ووضع قانون للتكافل الإسلامي مباشرة بعد ذلك، لأن المصارف تحتاج إلى تأمين، ولا يعقل أن تؤمن في مؤسسة محرمة شرعا، ولأنه -حسب خبير ماليزي- أفضل وسيلة لتقليل مخاطر البنك؛ - تهيئة القانون المنظم للصكوك لأنها وسيلة لتحقيق السيولة النقدية للمصرف على المدى القصير، مقابل ولوج البنوك التقليدية إلى البنك المركزي لتحقيق هذه السيولة بطريقة ربوية؛ - توفير الرأسمال الضروري لانطلاق المصرف والذي يقدر بحوالي 60 مليون دولار، حسب معايير خبراء المالية الإسلامية، مع إمكانية الاعتماد على مساهمة من البنك الإسلامي للتنمية، ومن الدولة، لتشجيع مساهمة مستثمرين خواص؛ - تخفيض الرسوم الضريبية ونسبة الأرباح في الخدمات المصرفية، لوضعها في نفس مستوى الكلفة المسجلة حاليا في البنوك التقليدية؛ - فتح المجال عند الانطلاقة لإعطاء أكثر من رخصة واحدة للبنوك الإسلامية لتجنب حالة الاحتكار السابقة، وبالتالي توفير ظروف المنافسة بين البنوك الإسلامية؛ - إعطاء الرخص للبنوك الإسلامية الأجنبية بعد عملية انتقاء دقيقة لاختيار أحسنها، وتأكيد ضرورة قيامها بدور استثماري أكبر مقارنة بعملياتها التجارية؛ - تهييء الأطر في مجال المعاملات المالية الإسلامية، والاستعانة في ذلك بخبرة البنك الإسلامي للتنمية وخبرة الخبراء الماليزيين وغيرهم في هذا المجال؛ - ويمكن تكرار التجربة عدة مرات مع توجيه كل بنك نحو قطاعات معينة وذات أولوية لضمان التخصص واكتساب الخبرة وتقليل المخاطرة. ثلاثة سيناريوهات مستقبلية محتملة - السيناريو الأول، وهو الأسوأ والأقرب إلى فشل التجربة: أن تسفر المفاوضات الحالية بين الحكومة والبرلمان، من جهة، وبنك المغرب، من جهة ثانية، عن إنتاج قانون للمصارف يقنن بشكل كبير صلاحياته ويجعل البنوك التقليدية هي الوحيدة المتحكمة في إنشاء فروع لها ذات طابع «إسلامي»، ويجعل بنك المغرب ليس فقط مؤسسة محايدة في مصلحة التنافسية الحقيقية بين البنوك، بالإضافة إلى دوره الرقابي الطبيعي لكل المؤسسات الائتمانية بما فيها المؤسسات الإسلامية، بل مؤسسة تخدم فقط مصلحة أرباب البنوك التقليدية، مما سيعيد تجربة دار الصفا في شكل جديد ومضمون قديم، وتبقى كلفة خدماته مرتفعة للحفاظ على أفضلية البنوك الربوية؛ - السيناريو الثاني، وهو ذو بعد اقتصادي إيجابي ولكنه محدود في إطار وطني ضيق: هذا السيناريو هو أقل سوءا، ويستطيع من خلال قانون المصارف الحفاظ على تحرر المصارف الإسلامية من قبضة البنوك التقليدية بعدم فرض شروط تعجيزية لإنشاء مصارف إسلامية من طرف رجال الأعمال المغاربة، وانتقاء أفضل البنوك الإسلامية للتشارك معها، مع السماح قانونيا بإنشاء شركات التكافل لتأمين المصارف، وفتح الباب في آن واحد للقروض بالطريقة الإسلامية عن طريق الصكوك؛ وبذلك ستتسع قاعدة الأبنكة، وستستفيد المقاولات وكذلك الخواص من الخدمات المصرفية الإسلامية؛ - السيناريو الثالث، وينطلق من قراءة دولية وظرفية لبناء المالية الإسلامية في المغرب: هذا السيناريو هو الأكثر طموحا، وفي آن واحد الأكثر واقعية، رغم ظاهره المثالي وهو عدم الاكتفاء بإنشاء بنوك إسلامية محدودة الصلاحيات والإمكانيات، ولكن استغلال الظرفية التاريخية الدولية الحالية لإنشاء مركز مالي دولي إسلامي في الدارالبيضاء. وهذا السيناريو يدخل أساسا في إطار التحديات الذي سيواجهها المغرب في العقدين المقبلين لا محالة: تحدٍّ داخلي اجتماعي واقتصادي من خلال مسلسل ارتفاع دائرة البطالة والفقر، بالنظر إلى عوائق السياسات الإصلاحية في المغرب وتواضع نتائجها بعد سياسة التقويم الهيكلي التي فرضت على المغرب في الثمانينيات؛ وتحدٍّ خارجي بالنظر إلى ارتباط المغرب اقتصاديا وماليا بالسوق الأوربية أساسا وتوقعات الخبراء باحتمال استمرار الأزمة لسنوات، وبالتالي انعكاساتها السلبية المستمرة المحتملة على المغرب. لذا يفترض أن يكون للمغرب تصور مستقبلي للمشاريع الكبرى التي يمكنها أن تحقق نسبة نمو عالية على مدى طويل تتراوح بين 6 و8 في المائة على غرار ما تحققه حاليا الدول الآسيوية لاستيعاب تنامي البطالة والفقر، وبذلك تحافظ على استقراره، السياسي والاجتماعي، الضروري لجلب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في المغرب. وهذا السيناريو يقتضي النظرة بعيدة المدى ويدخل في عداد الحلول الكبرى الممكنة لبناء مستقبل المغرب، خصوصا وقد توفرت بطريقة ظرفية العناصر الموضوعية التالية لنجاح هذا السيناريو: - الوضع الجغرافي للمغرب، وهو وضع فريد من نوعه لأنه في مفترق طرق مركزي من ثلاثة أسواق عالمية: السوق الأوربية والسوق العربية والإسلامية المجاورة والسوق الإفريقية الواعدة مستقبلا؛ - الأزمة العالمية التي تسببت في نتيجتين: انخفاض الطلب على الصادرات المغربية، وتحويلات الجالية المغربية المهاجرة وانحباس التوظيف المالي السنوي لدول الخليج في هذه الأسواق والتي تقدر بحوالي 150 مليار دولار سنويا، مما سبب تراكما ماليا في هذه الدول يفوق 400 مليار دولار، يبحث حثيثا عن بدائل استثمارية بعد أن سدت في وجهه السوق الاستثمارية العربية بسبب الربيع العربي.