يعرض الفنان التشكيلي سعيد بوفتاس، إلى غاية 17 فبراير 2013 أعماله بالمكتبة الوطنية بالرباط تحت عنوان «الجسد في قطعLe corps en morceaux «، مستعملا التقنيات المتاحة للتعبير عن حدة شكل الجسد وتموضعاته بمواد مختلفة، من فحم وصباغة وأقلام الرصاص... حيث جعل منه سندا لكل التمظهرات الممكنة في التعبير عن سكناته وتحركاته الصارخة في قالب جمالي يعكس في نفس الوقت معاناة حقيقية بأسئلة عميقة حول الوضع الراهن للكائن في علاقته بالوجود، جسد عار لم يعتمد فيه الفنان فقط على التشريح بتفاصيله، بل كذلك على تكويناته وتحركاته حسب الحالات النفسية التي يوجد عليها، مجردا من الملابس، رغبة منه في عدم تحديد الزمان والمكان، لكي لا يضعه في حقبة تاريخية معينة، تعبيرا عن شمولية القضايا المطروحة، التي تتكرر وتعيد نفسها داخل حلقة مغلقة، فجسد الفنان بوفتاس يحمل دلالات رمزية تنطلق من الداخل بعنفها وتمردها، إلى الخارج بجماليتها، بتقنية تجمع بين حبكة الإنجاز والاضطلاع الدقيق على جزئيات الجسد بطريقة تجمع بين بنائه بالمفهوم الأكاديمي، وبين العفوية المطلقة في استخدام العناصر المؤثثة للتركيبة الإجمالية لهذا الجسد. يقول الفنان محمد القاسمي: «أعمالي يحضر فيها الجسد، جسد مرتبط بالمادة ويتحرك كما تتحرك الكتابة»، لكنها في اعتقادي أجساد ظلالية وانسيابية بطريقة شاعرية لا يمكن تحديدها بدقة متناهية لشبحية أشكالها، فهي تختلط بالألوان والمواد لتشكل وحدة متداخلة في عمومية علاقتها بالعناصر المحيطة بها لتصبح حفريات أبجدية توحي بالحركة، لكنها في الأصل ساكنة وثابتة، بينما الجسد في عمل الفنان بوفتاس، هو قراءة عمودية وأفقية معا، تعكس الصراع القائم بين الحياة والموت، وينفصل عن الخلفية المكونة للسند، الذي جعل منه مساحة بدون معالم محددة، وليس له أهمية أساسية استنادا إلى اللون الأحادي، ليتصدر هذا الجسد الواجهة، في غياب ما يمكن أن يثير انتباه المشاهد، كمحور تكمن فيه الدلالة والمعنى بحمولتهما، ويمتص الملون المكتسح لجل تضاريسه. إن معالجة الجسد عند الفنان بوفتاس، اعتمدت على تقنيات كرافيكية أكثر منها صباغية، تتجلى في محاصرته بتحديد الخط الذي يرسمه ويؤطره، بقوة فعل الأسود كظل يفصل بين عتمة ظل الألوان البنية وتدرجاتها، والضوء بفعل التمازج بين الألوان المكملة الفاتحة كالأصفر..، ليطوقه شكلا ومضمونا بسياج المعاناة والانكسارات، التي اختزلها الفنان في الوضعيات المتفجرة المنعتقة من الانطواءات النفسية والحركية في شموليتها، كجسد كوني يخفي ملامح الوجه، ولا يحمل هوية محددة.