على الصفحة الرئيسية لحركة 13 يناير في الفايس بوك، يكتب أحد «الثوار»: «لم نفهم لماذا لم يُلبِّ الشعب المغربي دعوتنا؟». هذا «الثائر»، طبعا، يكتب «فونطازمه» خلف شاشة حاسوب على ركبتيه وهو فوق السرير، متدفئا تحت بطانية، بينما عقله يهيم بالجماهير الهادرة بالثورة تحت مطر ال13 يناير. المغرب بلد «القوالب» بلا منازع. القالب، في كل البلدان العربية، يعني: الشكل النموذجي، وعندنا يعني: المقلب. في المغرب «يقولبوك.. يقولبوك»، سواء بحلاوة اللسان أو حلاوة الشاي. هكذا، ففي كل بلدان المعمور لا تتجاوز أكبر قطعة سكر بضع سنتيمترات، بينما المغاربة يصرون على أن «القالب» يُحلي أكثر. المقلب الذي أوقعت فيه حركة 13 يناير أجهزة الدولة والصحافيين لا يخرج عن هذه الثقافة المغربية. الفرق الوحيد هو أن مغاربة ما قبل الفايس بوك كانوا ينطلقون من الواقع لحبك «قوالب» افتراضية متوهمة، كأن يبيع «بطالي» مغربي مدفعا أثريا في ساحة عمومية لسائحة أجنبية، يأخذ من السائحة العربون ثم ينبهها إلى ضرورة أن تظل تراقب المدفع جيدا حتى يأتي هو ب»الكاميون». مغاربة اليوم يستنفرون «كاميونات» الأمن في ساعات متأخرة من الليل، فيأتي الأمن بالعصي، فيما «الثوار» نيام يحلمون بأن ينقلب المخازنية وصغار البوليس على رؤسائهم الذين ساقوهم في يوم ماطر إلى ميدان الثورة الباردة. «الثورة الباردة»، ويا لمكر الصدفة، هو كتاب لمحمد بلحسن الوزاني، مؤسس حزب الشورى والاستقلال، الذي انتهى، مثل حركة 13 يناير، مجرد ذكرى «وردية»، بالرغم من أن مقراته تفتح في الانتخابات، ويتبادل قادته الاتهامات ببيع التزكيات للغرباء، وفي الأخير يحصل الحزب على مقعد في البرلمان، سرعان ما يطير إلى حزب آخر. لست أدري إن كان زعماء حركة 13 يناير، الأشباح، يعرفون أن حزب الشورى والاستقلال سبق له أن قدم وثيقة تطالب فرنسا باستقلال المغرب، يوم 13 يناير من سنة 1944؟ وهو ما لم تفعله حركتهم، وقبلها حركة 20 فبراير التي لم تترك ولا «كاغيط» واحدا يمكن أن يرقى إلى مستوى الوثيقة التاريخية، والعهدة على المؤرخ عبد الله العروي الذي عيَّر الحركة بأنها مجرد حشد يتكلم ويذهب كلامه في مهب ريح التاريخ. حمقاء بعض أجهزة الأمن في بلدنا، فما زالت تنطلي عليها قوالب فايسبوكية، تحاك بعد منتصف الليل، مع أنها راكمت سوابق مع حركة 20 فبراير التي تأكد للجميع أن محركها كان يدور بزيت الراحل عبد السلام ياسين، والدليل أن الحركة أصيبت بضعف في القلب بعدما أقفلت العدل والإحسان محطة وقودها. يحكي أعضاء حركة 20 فبراير بالدار البيضاء أنه خلال الأيام الأولى لانطلاق احتجاجات حركتهم، اقترب شاب (أصبح اليوم من نجوم 20 فبراير) من شابة كان قد تعرف عليها لتوه، واقترح عليها أن ينتحرا معا برمي نفسيهما في البحر المجاور لمسجد الحسن الثاني، وبذلك يخلقان الحدث الذي من شأنه أن يخرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه في ثورة تاريخية. فكرت الشابة مليا في اقتراح صديقها الجديد كما فكرت في نواياه، وخلصت إلى أن الواقف أمامها تتوق نفسه إلى تأسيس حركة 20 شهراير، وليس 20 فبراير، لذلك اقترحت عليه انتحارا افتراضيا: لنرمِ أنفسنا من شرفة الفايس بوك إلى حافة الإسيميس، حيث يكون بإمكاننا تعميق نقاشنا بعيدا عن عيون «الخوانجية» و»الرفاقجية» الذين كلما رأى أحدهم شابة تتحدث إلى شاب إلا وخاطبها بانفعال زائد: «ناضلي الرفيقة». على الأقل حركة 20 فبراير كانت أقل «قوالب» من نظيرتها 13 يناير التي أوقعت أجهزة الأمن والصحافيين والعديد من الفضوليين في مطبِّ أجمل كاميرا خفية، ولو كانت قنواتنا تعي قمة هذه الثورة الفرجوية لأرسلت كاميراتها إلى «بيوت» الثوار، لتصوير تفاصيل المقلب الذي خطط له شباب «مرفوع»، فانطلى على دولة بكامل أجهزتها. كانت كاميرا 13 يناير ستكون أحسن بكثير من بسالة كاميرا رمضان الخفية.. بسالة بالعربية الفصحى، لأن كاميرا «دوزيم» و»الأولى» تستبسل (أي تعرض عضلاتها) على فنانين لا حول لهم ولا قوة؛ وعندما تكون على وشك إزهاق أرواحهم من «الخلعة»، تقول لهم: كنتم مع الكاميرا الخفية، وتضعهم أمام الأمر الواقع: «الخلعة» مع تعويض بسيط، أو لا نعرض الحلقة! شكرا 13 يناير: لقد كانت كاميراتكم خفية بالفعل، فلم نعرف منكم أحدا، كما كانت ثورة غير مسبوقة في تلفزيون الواقع، لو تعاملت معها الدولة فنيا وليس أمنيا. لكن احذروا التقليد.. غيروا «قوالبكم» وإلا فلن يثق بكم أحد بعد اليوم.