ظل ملف إصلاح أنظمة التقاعد ملفا ساخنا تتقاذفه الحكومات المتعاقبة دون أن تحسم في سيناريوهاته بسبب حساسيته وكلفته، غير أن خطر إفلاس تلك الأنظمة الذي بدأ يلوح في الأفق، ما لم تتخذ إجراءات إصلاحية استعجالية، يجعل حكومة عبد الإله بنكيران في مواجهة امتحان صعب بالحسم على عجل في السيناريوهات المقترحة لتجاوز حلول ترقيعية لم تعد مجدية. ولئن كان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الحالية، قد رسم خلال مروره الشهري بمجلس المستشارين، الأربعاء الماضي، صورة قاتمة عن مستقبل أحد أبرز صناديق التقاعد (الصندوق المغربي للتقاعد)، بعد أن أشار إلى أنه بات على حافة الإفلاس والعجز عن أداء معاشات نحو 900 ألف موظف مدني وعسكري، فإن السؤال الذي يثور عن طبيعة السيناريو الذي ستتبعه حكومة بنكيران للخروج من ورطة صناديق التقاعد. شهدت السنوات الأخيرة طرح سيناريوهات عدة لتقديم إجابة عن سؤال ما العمل لمواجهة وتفادي شبح إفلاس صناديق التقاعد، كان من أبرزها الدراسة التي أنجزها مكتب الدراسات الفرنسي «اكتواريا»، وكانت محط مناقشة داخل اللجنة التقنية لإصلاح التقاعد. ووضعت الدراسة خمسة سيناريوهات للإصلاح المنشود لنظام التقاعد كان في مقدمتها سيناريو الحد الأدنى من الإصلاح من خلال الحفاظ على التركيبة الحالية لقطاع التقاعد مع إدخال إصلاحات على الأنظمة الحالية بغية ضمان نسبة التمويل المسبق المحددة في 80 في المائة، وكذا توسيع مجال التغطية الاجتماعية لتشمل الفئات المحرومة منها من خلال خلق نظام تقاعد مساهماتي للمستخدمين غير الأجراء في حدود سقف يعادل مرتين الحد الأدنى للأجور. فيما يرمي السيناريو الثاني والمسمى الحد الأدنى للنظام المنشود إلى إدخال إصلاح على مستوى بعض المقاييس التقنية للأنظمة الحالية مع حفاظ الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على طرق اشتغالها الحالية، فيما سيتم تحويل الصندوق المهني المغربي للتقاعد إلى نظام إجباري كمستوى ثان لتغطية أجراء القطاع الخاص مباشرة بعد المستوى الأول المضمون من لدن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويشير السيناريو الثالث، الذي اقترح مكتب الدراسات الفرنسي اعتماده وهو الإصلاح البنيوي المعتدل، إلى ضرورة إعادة النظر في الهيكلة الحالية للقطاع، إذ يقترح إدماج صندوقي النظام العام (الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد) في نظام واحد، فيما سيصبح الصندوق المهني المغربي للتقاعد نظاما تكميليا إجباريا يشتغل ابتداء من الدرهم الأول من الأجر، إلى جانب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويقضي الاقتراح أيضا بإدماج الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد في نظام أساسي وحيد للقطاع العام وذلك في حدود سقف 7 مرات الحد الأدنى للأجور، على أن تعتمد إجبارية النظام التكميلي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد لكل أجراء القطاع العام في حدود 10 مرات الحد الأدنى للأجور، مع الحفاظ على نظام الضمان الاجتماعي كنظام أساسي لأجراء القطاع الخاص. ويتضمن المقترح نفسه خلق نظام تكميلي إجباري يشتغل من الدرهم الأول ويسير من طرف الصندوق المهني المغربي للتقاعد في حدود 10 مرات الحد الأدنى للأجور، وخلق نظام للمساهمات يشتغل وفق تقنية النقط للمستخدمين غير المأجورين وذلك في حدود سقف 3 مرات الحد الأدنى للأجور. وأما السيناريو الرابع المسمى الإصلاح البنيوي، فتقترح الدراسة إدخال متغير وحيد يتمثل في إحداث نظام حسابات ادخار فردية إجبارية كنظام تكميلي لمستخدمي القطاع الخاص في حدود 10 مرات الحد الأدنى للأجور، فيما تنص الإمكانية الخامسة وهي الإصلاح الجذري على إحداث نظام وحيد وطني يشتغل وفق مبدأ الحسابات الافتراضية كمستوى أول، ومستوى ثان يشتغل وفق مبدأ الرسملة الجماعية أو الفردية. وفضلا عن السيناريوهات السابقة اقترحت المندوبية السامية للتخطيط في إطار حل هيكلي توجهين: الأول اندماج جميع صناديق التقاعد في نظام واحد ابتداء من سنة 2015، باستثناء الصندوق المهني المغربي للتقاعد، والثاني اندماج النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق المغربي للتقاعد في نظام واحد، ليضم بذلك جميع المنخرطين في القطاع العمومي. وحسب دراسة المندوبية، سيخضع جميع الأشخاص المنتمين إلى النظام الجديد للقواعد نفسها المتعلقة بالمساهمات ومعاشات التقاعد. وإن كانت العديد من علامات الاستفهام تثور حول السيناريو الذي ستعتمده حكومة بنكيران لتفادي شبح الإفلاس الذي بات يتهدد أنظمة التقاعد، وما قد يترتب عنها من انعكاسات اجتماعية، فقد اغتنم بنكيران جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين الأسبوع الفائت ليكشف عن معالم رئيسة في وصفة حكومته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبدا لافتا أن الحكومة الحالية اختارت نهج وصفة تقوم على رفع سنوات الخدمة لتأخير الإحالة على التقاعد بين سنتين وخمس سنوات حسب اختيار الحكومة، واعتماد نظام تقاعد أساسي وحيد لمعالجة تشتت الأنظمة، وضمان قاعدة مالية صلبة بإدماج الصناديق المهددة مع تلك التي تعرف أريحية، وإحداث قطبين للتقاعد واحد للقطاع العام نظام اختياري أمام العاملين. وبالرغم من أن سيناريو الإصلاح يرتكز على الزيادة في نسبة الاقتطاعات باتفاق مع الفرقاء، إلا أن ما سيثير الجدل في القادم من الأيام هو إبقاء رئيس الحكومة على احتمال خفض أجر الموظفين أو تقليص عددهم كحل محتمل. وبالنسبة لعلي لطفي، الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للشغل، فإن كل السيناريوهات المطروحة هي سيناريوهات متجاوزة ولا تخرج عن الوصفة المطروحة من قبل البنك الدولي، وهي بشكلها المحاسباتي تضر بحقوق ومكتسبات الطبقة العاملة المغربية، معتبرا في تصريحات ل«المساء» أن الوصفة الجاهزة التي قدمها بنكيران لم تأت بجديد وتنم على أنه لم تتم دراسة السيناريوهات بالشكل المطلوب للحفاظ على مكتسبات الشغيلة. وشبه المسؤول النقابي، الطبقة العاملة ب«لحيط لقصير» الذي يسهل تجاوزه وتحميله عبء الأزمة التي تمر منها صناديق التقاعد، فيما تم التساهل مع الاختلاسات التي عرفتها وأكدتها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وكذا التدبير السيء لتلك الصناديق بالمغامرة في استثمارات خارج أرض الوطن في مؤسسات وأبناك دولية ضيعت أموالا طائلة على الصندوق من جهة، وباستثمار أموال الموظفين المدنيين والعسكريين في صندوق الإيداع والتدبير بنسبة ضعيفة جدا لا تتجاوز 1 في المائة، بالإضافة إلى تبذير أموال الصناديق في إنشاء بنايات فخمة بميزانيات ضخمة.