سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المانوزي: الدولة تنتظر موت المسؤولين عن سنوات الرصاص لكشف الحقيقة.. رئيس الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب أكد أن بعض المسؤولين عن الانتهاكات يحاولون إقبار الحقيقة
- أين وصلت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بالنسبة إليكم كعائلات الضحايا؟ أنهت هيئة الإنصاف والمصالحة عملها، ونحن كلجنة عائلات ضحايا الاختفاء القسري ومجهولي المصير والمجتمع المغربي والمنظمات الحقوقية كنا، دائما، نطالب بالحقيقة في هذه الملفات، التي كانت دوما تُشكّل العمود الفقريَّ لملف خروقات حقوق الإنسان في المغرب. ونحن نعتبر أن أخطر الجرائم ضد الإنسانية هو الاختفاء القسري والقتل خارج القانون وما ترَتّبَ عن ذلك من تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان يعلمها الجميع.. وهذه الانتهاكات لم تشمل أعدادا محدودة، بل شملت الوطن بكاملة خلال سنوات الرصاص. وقد اشتغلت مجموعة من العائلات منذ بداية السبعينيات لمدة عقود من أجل الوصول، في سنة 2002، إلى تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، ليعرف المغرب، في بداية التسعينيات، تحولا في مجال حقوق الإنسان بفضل الانفتاح الذي وقع وإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين وأكثر من 300 من ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، 250 من قلعة مكونة وأكدز و31 من تازمامارت. وأعتقد أن هيئة الإنصاف والمصالحة قامت بعمل إيجابيّ، لكنّ التحريات التي كنا نطالب بها من أجل كشف الحقيقة وجبر الضرر كما أرادته العائلات لم تكن في المستوى المنشود.. وقد درست الهيئة أكثر من 15 ألف ملف متعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان، إلى جانب 700 ملف اختفاء قسري، ينتمي أغلبهم إلى الأقاليم الجنوبية. وهناك عدد من أفراد عائلات مختطفين لم يستطيعوا الوصول إلى هيئة الإنصاف والمصالحة ولم يطلبوا أيَّ تعويض أو إنصاف، لأنهم ما يزالوا يعانون من عقدة الخوف، وهناك عدد من الأشخاص الذين توصّلنا بملفاتهم لم تُدرَج أسمائهم أو ملفاتهم لدى هيئة الإنصاف والمصالحة. - كم عدد الملفات التي توصلتم بها ولم تدرَج في قائمة هيئة الإنصاف والمصالحة؟ توصّلنا بحوالي 15 ملفا من عائلات لم تدرج أسماء أقربائها لدى الهيئة، كما أن هناك عائلات لم تتقدم إلى الهيئة ولا تريد أيَّ شيء، ولم تهتمَّ الدولة إلا بالأشخاص الذين طالبوا بالتعويض وجبر الضّرر، أما الذين ظلوا صامتين فإنّ الدولة لم تهتم بهم ولم تبحث عنهم.. ورغم ذلك فقد كشفت التحريات في ما يخص ملف الاختفاء القسري أنّ العدد بالنسبة إلى المجلس الوطني لحقوق الانسان كان 66، ثم نزل إلى 9، وبعد ذلك إلى 6.. وهذه تظل مجرّدَ أرقام، لأنه ليس هناك تدقيق حول ملفات الاختفاء القسري، وعلى سبيل المثال فقد قيل إن قبر المُختطَف بلقاسم وزان يوجد في قلعة مكونة، وطالبنا بالتحليل الجيني فلم تتمَّ الاستجابة للطلب، لأن زوجته تريد أن تتأكد من مما إذا الرفات المدفون في المكان الذي حُدد لزوجها أم لا، وكذلك كان الحال بالنسبة إلى عبد الحق الرويسي وغيره.. - لكن الهيئة قامت بجبر الضرر بالنسبة في معظم الملفات المعروضة؟ صحيحٌ أنّ الهيئة قامت بجبر الضرر المادي للكثير من العائلات التي ما زالت تطالب بالحقيقة، وهنا يمكن أن أتحدث عن ملف محمد بوفوس، الذي أدرِج ضمن اللائحة الأولى للمجلس الاستشاريّ لحقوق الإنسان ضمن خانة الأشخاص الذين تعرّضوا للاختفاء القسري، والذين ادّعت الهيئة أنهم أحياء خارج الوطن، ومع المعركة التي خاضتها الحركة الحقوقية أكدت التحريات قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنه اختُطِف داخل المغرب وتوفي في إحدى «الكوميساريات»، دون إعطاء تاريخ أو سبب الوفاة أو مكان دفن الجثة.. وعوّضوا عائلته، التي تقطن في ضواحي طاطا، والتي أدّت عليه صلاة الغائب دون الكشف عن الحقيقة. وباستثناء حالات قليلة، كحالة الطود التي ظهرت الحقيقة بخصوصها- فإنه في أغلب الحالات لم تظهر خلالها الحقيقة بخصوص ظروف الاختفاء القسري والتعذيب والقتل ومكان دفن الرفات، وهو ما يتسبب في تعذيب نفسيّ كبير للعائلات، وهنا أتحدث عن تجربتي الشخصية، فوالدتي ووالدي يعيشان تعذيبا نفسيا مستمرّا بسبب عدم معرفتهما الحقيقة.. لقد كان هناك تسويق إعلاميّ لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة، ونحن كعائلة نريد معرفة الحقيقة فقط ولا نريد جبر ضرر ماديّ، وسبق أن منحناهم عناوين مسؤولين وأسماء أشخاص لم يسبق أن تم الاستماع إليهم في عهد المجلس الاستشاريّ لحقوق الإنسان، مرورا بهيئة الإنصاف والمصالحة، إلى المجلس الحالي.. وتفرض وزارة الداخلية حصارا على هذا الموضوع، لأنها تريد حلّه بالمساومة دون كشف الحقيقة. ونحن في الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب نعيش المعاناة النفسية والجسدية باستمرار، ونظمنا قوافل في اتجاه عدد من المناطق التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من ضمنها قافلة تنغير وقلعة مكونة في يونيو الماضي، والتي وجدنا فيها مقبرة دُفن فيها عدد من المختطفين الذين تُوفُّوا في هذا المعتقل دون تحديد هوياتهم بناء على التحليل الجيني. كما أن طمس الحقائق امتدّ إلى معتقل تازمامارت، الذي تم هدمه رغم وجود مقابر، لكنها لم تحدد هوية أصحابها بطريقة علمية.. - ما هو عدد الضحايا الذين تم التعرف على رفاتهم بطريقة علمية عن طريق التحليل الجيني؟ باستثناء حالة الطود وحالة أبو فادي، الذي كان معتقلا في قلعة مكونة وتعرّفتْ عليه عائلته ودُفن، وحالة شفيق المدني، الذي قبلت عائلته تسلم رفته بناء على مجهود وأبحاث شخصية قامت بها، فإنّ باقي الحالات، بما فيها شهداء 1981 وشهداء أحداث 1965 توجد قبورهم دون أن يستطيع أحد أن يحدد هوية الرفات المدفون داخل كل قبر، وكذلك معتقلي تازمامارت وأكدز وقلعة مكونة، حيث يعرف مكان القبور دون التمكن من تحديد هويات أصحابها.. - ما الذي يمنع تحديد هوية الرفات المدفون داخل تلك القبور؟ لقد كنا دائما نقول إن الإرادة الملكية راسخة لحلّ هذا الملف، لكنّ هناك مقاومة من طرف عدد من المسؤولين عن تلك الانتهاكات من الذين ما يزالون يمارسون مهامّهم داخل أجهزة الدولة، وهم يشكلون جدارَ مقاومة ضد الحقيقة ويحاولون إقبارَها.. إنّ لدى الدولة إمكانيات لحلّ هذا المشكل، لأن القبور معروفة والعائلات لا تطلب أكثر من كشف الحقيقة عن طريق إجراء التحليل الجينيّ للتأكد من الرّفات وتسلمه ودفنه وتلقي العزاء، من خلال تجسيد توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في ما يخص حقيقة المختفين. - ما السبب الذي يجعل الدولة تمتنع عن تسليم الرفات إلى العائلات؟ في بياناتنا كنا، في أول الأمر، نطالب بالحقيقة فقط، إلا أنه لم يتم كشفها، ففي قضية الحسين المانوزي، مثلا، فإن الدولة تقول إنه يُحتمَل أنْ يكون قد توفي بعدما اختُطِف من جديد في أواسط غشت 1975 من مكان اعتقاله في معتقل «بي إف 3»، ولا تعلم الوجهة التي نُقِل إليها رغم أننا منحناهم أسماء المسؤولين عن المعتقل المذكور في الفترة التي اعتقل خلالها الحسين ورفعنا دعوى قضائية من أجل التحرّي والاستماع إلى الشهود من مسؤولي الدرك الملكي آنذاك.. ويظهر أن إخفاء الحقيقة يدخل ضمن سعي الجلادين إلى الإفلات من العقاب.. ويظهر هذا الحرص على إخفاء الحقيقة، كذلك، من خلال الرواية التي سُوّقت عن قتل المهدي بنبركة وتذويب جثته في «الأسيد»، والتي لم تقبلها عائلته وتُواصل المطالبة بالحقيقة في الملفّ. وما نريده كعائلات هو معرفة الحقيقة وترسيخ المبادئ التي سُجن وعُذب وقُتِل من أجلها هؤلاء المناضلون كي يمضيَّ المغرب في طريق الديمقراطية، فكشفُ الحقيقة يُعدّ تعويضا بسيطا لهؤلاء المناضلين الذين أصبحوا مِلكا للوطن وليس لعائلاتهم فقط.. يمكن أن نحقّقَ عدالة انتقالية قائمة على الصفح، لكنْ بعد كشف الحقيقة كاملة، بما فيها الرفات وكشف أسماء المسؤولين الذين تسبّبوا في تلك الجرائم، ولا يهمّ أمرُ معاقبتهم آنذاك، لأن المهم بالنسبة إلى العائلات هو حقيقة اختفاء أبنائهما. - هل سيكون لمصادقة المغرب على اتفاقية تجريم الاختفاء القسري أثر على حلّ ملف الاختفاء القسري؟ مصادقة المغرب على هذه الاتفاقية أمر إيجابيّ جدا، وإلى يومنا هذا نحن نُعِدّ ملفات لتحيين الملفات العالقة، التي مازال مصير أصحابها مجهولا تماماً، وهي تتوزّع بين ملفات جديدة وأخرى سبق أن عُرِضت أمام أنظار هيئة الإنصاف والمصالحة دون أن تعطيّ بشأنها الحقيقة التي طرحنا بعضها على اللجنة المكلفة بالاختفاء القسري، التابعة للأمم المتحدة، والتي تطلب منا باستمرار تحيين المعطيات المُقدَّمة حول هذه الملفات، على اعتبار أن المغرب صادَق على اتفاقية تجريم الاختفاء القسري والتعذيب، وعليه حلّ هذه الملفات، لأنّ الاختفاء القسري جريمة مستمرة لا تتقادم. - ما دور الأممالمتحدة في حل هذا الملف؟ تطالب الأممالمتحدة المغربَ بحلّ هذه الملفات العالقة كي يصبح دولة حق وقانون ولتلميع صورة البلاد في الخارج، والتي نحن لسنا ضدّها، لكنْ يجب حل تلك الملفات العالقة وتفادي انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان لأنها تؤثر على صورة البلد.. وتقوم الأممالمتحدة بتوجيه مراسلات للمغرب حول الملفات التي تتوصل بها من الجمعيات الحقوقية حول انتهاكات حقوق الإنسان وتنتظر منه أن يقدّم إجابات عنها. - من يملك قرار حل هذا الملف؟ القرار سياسيّ، والدولة هي المسؤولة وعليها إنهاء ملف سنوات الرصاص، ويجب الاقتناع بأنّ حل هذا الملف سيساعد المغرب على المضيّ قدما في طريق الديمقراطية، وأضعف الإيمان: يجب على الدولة أن تُعفيَّ المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الذين ما يزالون في السلطة، لأن بقائهم أصبح أمرا غيرَ مقبول.. ولدينا معطيات حول وجود أرشيف كل المعتقلات السرية حول جميع المعتقلين والمُختطَفين والذين تعرّضوا للاغتيال، حالة بحالة، ولا يمكننا الحديث عنها اليوم.. لكنّ ما يمكننا تأكيده هو أن هناك محاولة لإقبار هذه الملفات من أجل «إقبار» الحقيقة.. وأعتقد أن الدولة تنتظر موتَ المسؤولين عن سنوات الرصاص من أجل كشف الحقيقة، لكن الأوان سيكون قد فات.