لا يزال حدث رحيل عبد السلام ياسين، مؤسس جماعة العدل والإحسان، يتفاعل على الصعيد الوطني، من خلال حفلات التأبين التي يقيمها أتباع الجماعة في عدد من المدن المغربية، ويحضرها ممثلون عن هيئات سياسية ونقابية من مختلف التوجهات، فيما تعرض بعضها للمنع من طرف السلطات. وقال عبد العزيز أفتاتي، النائب البرلماني عن حزب العدالة التنمية بوجدة، إن الراحل كان أستاذا ومربيا ومفكرا ومجاهدا، «أمثاله ومن هم في مستواه ليسوا كثرا.. كان من عيار معين ومن طينة معينة، وبكل إخلاص وصدق، كنا نعتبره مربيا نموذجيا فذّا وعالما مجتهدا وزاهدا في متاع الدنيا ومجاهدا وصاحب صولات وجولات في قول الحقّ إزاء السلطة الجائرة». وأشار خلال كلمته في حفل تأبين الراحل، بمنزل محمد العبادي بوجدة، إلى أن الراحل كان يحظى باحترام وتقدير الجميع، بمن فيهم اليساريون والليبراليون. واعتبر محمد العبادي، عضو مجلس إرشاد الجماعة، أن ياسين «صنع الله» و«آية الله» في هذا الزمان وبحر من حيث أتيته، «لا يمكن أن نستوعب ونعدد خصاله ومناقبه وهي أكثر من أن تحصى في علاقاته بربه وبأهله وبأولاده وبقضية الإسلام والمسلمين وبخلق الله سبحانه وتعالى». وأضاف أن الراحل «لما كان يهاجم الحكام الظلمة بكلام فيه نوع من الشدة ونبرة الإنذار، كان يفعل ذلك لغاية سامية وهي أن يتزحزح المخاطب ويرجع إلى رشده، وليس تنقيصا منه ولا تحقيرا له». وأشار العبادي إلى أن المرشد أوذي في عرضه وعقيدته حيث تم ترويج اتهامات لا أساس لها من الصحة إطلاقا عبر وسائل الإعلام والمواقع، خاصة في 2006 حين نسبت إليه رؤيا لم يحكها ولم يرها أبدا، وذكر بأن المرشد أنقذ بتربيته وسلميته العديد من الشباب من العنف والتفجيرات. وشهد تأبين مرشد الجماعة بطنجة طغيان «الرسائل السياسية» من طرف أحزاب وتنظيمات يسارية موجهة إلى ممثلي حزب «المصباح» الذين حضروا التأبين، دعت إلى إعادة إحياء تجربة مقاومة الاستبداد والفساد، في حين اكتفى ممثلو «البيجيدي» بتعداد مناقب الفقيد والإشادة بمنهاجه التربوي. وإلى جانب الترحم على الشيخ عبد السلام ياسين والإشادة بمواقفه، دعا ممثلو بعض التنظيمات اليسارية إلى التكتل لمواجهة الفساد والاستبداد، حيث دعا الكاتب المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى «الوفاء لأرواح الشهداء وفي مقدمتهم الشيخ عبد السلام ياسين، والاستمرار في مسلسل محاربة الفساد». من جانبهم فضل ممثلو حزب العدالة والتنمية والتنظيمات المقربة منه النأي بالسياسة عن كلمتهم، حيث اكتفوا بالإشادة بخصال الشيخ ياسين، وبتجربته التربوية والفكرية، واعتبر رئيس المكتب التنفيذي الجهوي لحركة التوحيد والإصلاح، محمد اعليلو، أن جماعة العدل والإحسان «تفردت بين حركات الإسلام السياسي الأخرى في العالم، حيث إنها جمعت بين الخصوصيات الإخوانية والصوفية»، فيما انسحب ممثلو حزب الطليعة أثناء كلمة عضو المجلس الوطني ل«لبيجيدي»، محمد أمحجور، وعادوا بعدها للدلالة على موقف سياسي. وقد نددت الجماعة بمنع السلطات لحفلات تأبين في مدن أخرى، كما أشارت إلى أن السلطات في طنجة تعمدت التشويش على الحفل عبر إطلاق أصوات مزعجة من المبنى المجاور لمقر الجماعة، وهي الأصوات التي انطلقت مع انطلاق الحفل وانتهت مباشرة بعد اختتامه. ورغم رفض كل قاعات تطوان فتح أبوابها في وجه حفل التأبين، بناء على تعليمات سلطوية، فقد أصرت الجماعة على تنظيمه داخل أحد منازل المدينة، بحضور فعاليات نقابية وسياسية، وحقوقية، ونددت بسلوك السلطات الساعي إلى منع الحفل. ووصف ممثلو عدد من الهيئات اليسارية الراحل بأنه كان رجلا سياسيا قاد تنظيمه بإصرار على ثبات مواقفه ونبذه للعنف، فيما نوه أحمد المرابط، السكرتير الخاص للزعيم الراحل محمد بن عبد الكريم الخطابي، بخصال الشيخ ياسين، مشيرا إلى أن وفاته جمعت بين التأكيد على جسامة الخسارة الكبيرة برحيله، وبين عزاء المغاربة فيه بما قدمه للأمة من رصيد علمي وفكري وتربوي وجهادي عز نظيره، وإصراره على الحفاظ على وحدة المغرب وسلامته. من جانبه، أكد حسن بناجح، القيادي في جماعة العدل والإحسان، لجوء السلطات في عدد من المدن إلى التضييق على حفلات التأبين التي أقامتها الجماعة، حيث منعت عنها القاعات العمومية بشكل تام، بينما تم تهديد أصحاب القاعات الخاصة، ومنع أيضا نصب خيام العزاء. وذكر بناجح اضطرار أعضاء الجماعة إلى اللجوء إلى البيوت كحل أخير لإقامة حفلات التأبين، كما هو الشأن في أكادير وواد زم وقلعة السراغنة وبرشيد ووجدة وسطات وغيرها، مشيرا إلى أن المنازل نفسها لم تسلم من المضايقات، في استمرار لما بدأ منذ جنازة الشيخ، حسب قول بناجح.