شركات وهميّة، رفض لأداء الديون، ومدير مؤسسة بنكية وزبناء في قفص الاتهام.. والتهمة تبديد واختلاس أموال القرض الفلاحيّ.. هذه هي أبرَزُ ملامح الفضيحة التي هزّت مدينة القنيطرة في أواخر سنة 2010، والتي توبع فيها مدير الوكالة البنكية التابعة لمؤسسة القرض الفلاحي وفلاح وابنته ومستغلّ غابويّ في حالة اعتقال، بتهمة تبديد أموال تجاوزت 7 ملايير سنتيم، إضافة إلى متابعة باقي المتّهَمين في حالة سراح. وقد أدانت غرفة الجنايات الابتدائية في محكمة الاستئناف بالقنيطرة، في 27 فبراير الماضي، مجموعة من المتهمين في ملف اختلاسات وتبديد أموال الوكالة البنكية التابعة للقرض الفلاحي في مدينة القنيطرة، حيث أصدرت في حقّ المتّهَمين أحكاما تراوحت بين سنة حبسا موقوف التنفيذ و10 سنوات سجنا، بعدما وجهت لهم تهمة تبديد واختلاس أموال القرض الفلاحي باستعمال كمبيالات قدمت لمدير البنك على سبيل الضمان للاحتفاظ بها إلى غاية سدادها، لكنّ ذلك لم يتحقق، فاكتشفت القضيّة من طرف لجنة للتفتيش. وقضت المحكمة في حق مدير الوكالة البنكية وفلاح ومستغلّ غابوي بعشر سنوات سجنا وغرامة نافذة قدْرها 100 ألف درهم، وفي حق ابنة المتهم الفلاح ومقاول آخر بثلاث سنوات حبسا نافذة وبغرامة نافذة قدْرها 50 ألف درهم. كما أصدرت المحكمة حكما بسنتين حبسا نافذا وبغرامة نافذة قدرها 20 ألف درهم في حق ثلاثة متهمين، فيما قضت بسنة واحدة حبسا موقوفَ التنفيذ في حق سبعة متهمين، من بينهم نجْلا مستشار برلمانيّ في الجهة وابن شقيقه، وبأدائهم غرامة 10 آلاف درهم. وجاء في تفاصيل الملف أن لجنة تابعة لبنك القرض الفلاحي باشرت تفتيشا في الوكالة التابعة لها، فاكتشفتْ اختلالات خطيرة في تسيير الحساب الخاص للوكالة المتعلق بالكمبيالات المُقدَّمة للاستخلاص، ترتب عنها اختلاس مبلغ ماليّ تجاوَز 7 ملايير سنتيم، بموجب 227 كمبيالة بنكية، حُوِّلت مبالغها إلى عدد من الزبناء دون اللجوء إلى طريقة المقاصة الجاري بها العمل في الإطار البنكيّ. وقد تم العثور على 67 كمبيالة، فيما الباقي - 160 كمبيالة- «اختفى» من البنك. واعتبرت لجنة التفتيش أنّ مدير الوكالة البنكية هو المسؤول الوحيد عن هذا الاختلاس بتواطؤ مع الزبناء، حيث صرف لفائدتهم كمبيالات ليس لها مقابل، إذ إنه بمجرد تسلمها كان يقدّم للزبون مقابلها من الحساب الخاص للوكالة ويسجل قيمتها في الضلع الدائن لحساب الزبون، الذي يستفيد من قيمتها ويحتفظ بالكمبيالات المُقدَّمة ولا يدفعها بالمرة للاستخلاص.. وقد توصلت الشرطة القضائية في الرباط إلى أنّ مدير الوكالة البنكية لم يعد يتردد على مقر عمله واختفى عن الأنظار، حيث ركّزت المراقبة على منزله، ما مكّنها من إلقاء القبض عليه، حيث أقرّ في حينه بضلوعه في اختلاسات كبيرة إثر عمليات بنكية مهمة. وعثرت الشرطة في حوزته على 13 شيكا بنكيا بقيّم مختلفة، وعلى خمس دفاتر للشيكات غير مستعملة في اسمه، صادرة عن بنك القرض الفلاحي، وكذا على أوراق بنكية فارغة وشيك بقيمة 20 ألف درهم. واعتبر مدير الوكالة أن معاملاته البنكية بهذه الطريقة كان الهدف منها الرفع من نسبة قيّم الدخل في حساب الوكالة البنكية، التي عرفت خلال إحدى الفترات تميزا كبيرا، لكنّ تقاعس الزبناء في إرجاع المبالغ المالية إلى الوكالة جعلها تعرف اختلالا في حساباتها البنكية، وأنه من وراء التعامل بالكيفية المذكورة لم يكن يتقاضى المدير أيّ مقابل مادي. وقد فجر المتّهَم أثناء مرحلة التحقيق الإعداديّ قنبلة من العيار الثقيل، حيث صرّح أن البنك كان يتوصل بالفوائد البنكية القانونية عن كل معاملة، وأن البنك المركزي والجهويّ كان على علم بهذه الطريقة، إلا أن ذلك تسبب للبنك في عجز قيمته 7 ملايير سنتيم، حسب ما توصلت إليه لجنة التفتيش، رغم أن العملية كانت تتمّ بشكل قانونيّ وفي إطار بنكيّ، حيث يودع الزبون الكمبيالة لدى الموظف البنكي، فيما يتولى الأخير باقي الإجراءات بشأنها. وقد صرح فلاح توبع في إطار هذا الملف أنه تعرّفَ على مدير الوكالة البنكية وفتح حساب شركة في نفس الوكالة وأخذ يتعامل مع مديرها، إذ إنه دفع للبنك كمبيالات بنكية لتحويل قيّمها إلى حساب الشركة، بعضها مؤجل الأداء وقد استفاد من قيّمها مقدما، موضحا تمهيديا أن مدير البنك كان يقتطع مَبالغ مالية مستحقة عن الكمبيالات ولم يكن يعارضه في ذلك، إلى أن بلغت قيّم المبالغ المالية المُحوَّلة إلى الحساب البنكيّ للشركة 20 مليون درهم.. وقد وقفت المحكمة على صورية مجموعة من الشركات، لكون بعضها تتوفر على رصيد بنكي لا يتجاوز 63 أو 725 درهما، خلافا لما ادّعاه المتهم أمام المحكمة من أن الشركات التي ذكر حقيقية وتُحقّق أرباحا. ومن جهة أخرى، اعترف المتّهَم نفسُه أمام المحكمة بأنّ إحدى الشركات يملكها لوحده وبأن ابنتيه «س. ب.» و «إ. ب.» هما شريكتان وهميتان ليس إلا، مؤكدا ما ورد على لسان بنته المتّهمة الثالثة أثناء المحاكمة من أن الشركة المذكورة وكذا مجموعة من العقارات التي كتبت باسمها هي في حقيقة الأمر في ملك والدها دون سواه. وصرّحت ابنة المتهم أمام المحكمة أنها كانت قد فتحت في الوكالة التي كان يديرها المتّهَم الأول، مدير الوكالة، حسابا بنكيا بعدما رافقها والدها إلى الوكالة، وأنّ الحساب كان باسم شركة متخصصة في الحليب والعلَف، دون أن تتوفر على فكرة حول نشاط الشركة، وأنه ليست لها أي مهمة داخلها، ولا تتوفر فكرة عن مداخيلها ولا تعرف رأسمالها ولا علم لها ولا علاقة لها بباقي الشركات التي يُسيِّرها والدها.. وأوضحت المتّهَمة أن والدها هو المكلف بشؤون الشركة والمسيِّر الوحيد لها، وبأنه لم يسبق أن توصلت بأي حصة من أرباح الشركة، التي زارت مقرَّها مرة واحدة، حيث كانت تبيت بها بين الفينة والأخرى، وأقامت فيها مدة شهرين تقريبا، وأنه لم يسبق لها أن أودعت في وكالة القرض الفلاحي أو مبلغا ماليا أو سحبته.. كما قالت إن هناك مجموعة من العقارات مسجلة باسمها إلا أنها ليست لها في حقيقة الأمر، وهي عقارات مُكوَّنة من عدة شقق سكنية ومحلات عبارة عن مكاتب لا تعرف عددها. وأضافت أنها تسكن شقة اقتنتها بواسطة قرض يؤدي زوجُها أقساطه، مؤكدة أن الشركة والعقارات هي في ملك والدها.