أكدت أبحاث عديدة أنّ الطفل قادر على الابتكار الفوري لأنه يولد وهو مزود بدرجة عالية من الوعي، الذي تظهر معالمه في مرحلة الطفولة المبكرة، ما يجعلها ذاتَ أهمية قصوى في تنمية شخصية الطفل ومضاعفة قدراته الابتكارية، ومن ثمة تأثيرها على نموه النفسي -الاجتماعي ومستوى صحته النفسية، حيث تبدأ مع بلوغ الطفل لسنته الثالثة، لتستمر حتى نهاية السنة الخامسة، وتتميز بخصائص تنفرد بها عن غيرها من المراحل، حيث يميل الطفل خلالها إلى تأكيد أهميته وإحساسه بذاته، كما تكثر لديه الانفعالات وتتنوع وتزداد حدتها وتظهر مشاعر الغيرة لديه.. وينتقل في مرحلة الطفولة المبكرة من حالة انفعالية إلى أخرى وبسرعة، وينمو ذكاؤه ونشاطه العقليّ، بتعدد المثيرات، كما يميل إلى المحاكاة واللعب التخيّلي، ما يمَكّنه من حل العديد من الصراعات الداخلية، والتي تتبلور من خلال نشاطاته المتميزة. وتكمن أهمية هذه المرحلة، أيضا، حسب نعيمة الوعاي (مدربة في التنمية البشرية) بكونها فترة تكوينية حاسمة في حياة الفرد، حيث توضع فيها البذور الأولى للشخصية وتتحدد ملامحها المستقبلية، لذلك تحثّ الوعاي الآباء على ضرورة اكتشاف قدرات أطفالهم الإبداعية في سن مبكرة وأيضا تنميتها، بزيادة نسبة الذكاء لديهم بشكل عامّ. فعلى سبيل المثال، تقول الوعاي، فإن الأب الذي يستمع إلى طفله بسعادة ويتحدث إليه ويتحمس لإنجازاته ومشاريعه ويشجع حب الاستطلاع الفطرّي لديه، يساعد في على نمو قدرات طفله الإبداعية وتطورها، إلى جانب أهمية الأمان النفسي، بأن يساعد الأب أو الأم طفلهما على أن «يشعر بالتميز والرضا عما يقوم به، لأن ّمن شأن ذلك أن يجعله يشعر بلذة ما أبدعه، حيث إن الطفل يحتاج إلى الأمان النفسي، للتعبير عن أفكاره بأساليب جديدة وتلقائية، بينما الطفل الذي يسخر والده من أفكاره خاصة، أو يرفض اقتراحاته، فإنه يُولّد لدى ابنه شعورا بأن جلَّ مقترحاته غير جديرة بالتأمل والتطوير، وفق الوعاي، التي حذرت في الآن نفسه من الانعكاسات السلبية لتحطيم معنويات الطفل، إهماله والحط من معنوياته.. وأضافت مدربة التنمية البشرية أنّ على الآباء أن يمنحوا لابنهم فرصة لأنْ يُخططوا لبعض أنشطة الأسرة، وخاصة ما ارتبط منها بعطلة نهاية الأسبوع، وأيضا منحه فرصة لاختيار ملابسه وألعابه، مع ضرورة حصرها في ثلاثة لا أكثر، حسب الثمن والحجم، لأنّ مشاركة الطفل أسرته في القرارات المتعلقة بها تجعله يشعر بقيمته وبأفكاره، «حيث إنك إذا قدرتَ الطفل واحترمتَه كشخص عاقل يفكر فستجد أن دافعه نحو الاستقلال لن ينجرف إلى ما هو غيرُ مستحَبّ لدى الآباء». كما شدّدت الوعاي على ضرورة خوض تجارب عدة مرتبطة بالبيئة المحيطة بالطفل وطرح الأسئلة والتجريب وعدم الخوف من فشل الطفل وتكرار ذلك، لكون الأنشطة العملية واليدوية تتيح له فرصة التعلم من الخطأ، وبالتالي يصبح مبدعا في أفكاره ومهاراته، «فمن الفشل والمهام الصعبة تتولد الأفكار العظيمة، حيث إن جل العلماء والمبدعين والمخترعين تعلموا من المهام الصعبة»، لأن «المحنة تولّد المنحة». ولم تغفل مدربة التنمية البشرية أهمية الرياضات الإبداعية، من قبيل الألعاب الذكية، مشدّدة على أنه «من الضروري خلق لحظات إبداعية، كأنْ يمارس الطفل أنشطته في مكان هادئ وفرديّ من دون مشاركة أحد الأبوين، بخلاف ما يقوم به في المدرسة بشكل جماعيّ، حيث إن جل الأفكار المبدعة والمميزة تنشأ في عقل الطفل، الذي يجب أن يحرص الآباء على حمايته من المشاهدة العشوائية لبرامج التلفزيون واختيار ما يناسبه منها، وفي أوقات محددة». وختمت الوعاي بضرورة تشجيع الطفل على متابعة أفكاره، والتي تضيع الكثير من الإبداعات المنبثقة عنها بسبب فقدانه الثقة بنفسه، والتي تحول دون مواصلة المخترع والمبدع لمشواره الابداعي. وعليه، فإن «إعطاء الطفل الفرص للتعبير عن ذاته يمنحه وسيلة مشروعة ومقبولة اجتماعيا للتخفيف من الضغوط والصراعات ومشاعر القلق وتتيح له، أيضا، فرصة الكشف عن ذاته لزملائه ويكشف الآخرون عن ذواتهم له، وهي الطريقة الصحيحة لنمو مفهوم الذات الحقيقي للطفل من خلال علاقته بالآخرين» .