بحضور لفيف من النقاد والصحفيين والمهتمين تم بقاعة الفن السابع بالرباط وسط الأسبوع الماضي عرض الشريط القصير «باب السما» لمخرجه التهامي بورخيص. وقد قدم الناقد السينمائي مصطفى الطالب الأمسية، معتبرا أن أول خروج سينمائي للتهامي بورخيص دلالة على أن الصحافي ليس دائما مهتما بالنقد والمتابعة للأنشطة الثقافية والإبداعية فقط، بل هو أيضا منخرط في الرفع من مجال الإبداع وإغناء الخزانة السينمائية المغربية. من جهته، اعتبر مخرج «باب السما» أن هذا العمل الأول هو بطاقة عبور إلى عالم السينما، التي تغويه بحضورها وحلمها وضوئها، فامتثل لها طواعية لتأخذه في هذا العبور السحري. وفكرة الفيلم، حسب المخرج، انبثقت من الأخبار العديدة، التي تأتيه يوميا بحكم العمل، لتعلن إما منع مسرحية أو فيلم سينمائي أو متابعة فنان تارة باسم الأخلاق وتارة باسم الدين. وبالتالي ف«باب السما»، حسب المخرج، هو التفاتة إلى كل المبدعين الأحرار، الذين يناضلون من أجل الرفع من الذوق الإنساني، والسمو بقيم الجمال عند الفرد، وهو تنديد بكل من يحارب الفنون. «إننا في هذا الشريط القصير- يضيف بورخيص- نؤكد على تضامننا المطلق مع الإبداع ولا شيء غير الإبداع». في الفيلم تقوم نورية بنبراهيم بتجسيد شخصية فنانة تشكيلية تقع في حب شخص يفهم الدين بطريقته الخاصة (محمد الشوبي)، فتجد نفسها ممزقة بين عشقها الأول (الفن التشكيلي)، وبين شخص تقترن به، لكنه لا يقدّر إبداعاتها، ويعتبرها حراما وفق فهمه السطحي للدين. تحاول الفنانة التشكيلية التوفيق بين عشقها للفن وبين عشق شخص لا يقدر الإبداع، وفي الأخير تقوم بالتخلص منه بقتله لتخرج من الضغوط النفسية والتخلص من معاناتها، لكن ذلك لم يكن سوى مجرد وهم للخلاص، حيث كانت تعتقد بأنها بقتله ستتخلص من كل التعقيدات التي تمر بها، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك، فهي قتلت فقط النموذج المصغر في عالمها، أما النموذج الشعبوي، السطحي والمنغلق، الذي يعج به المجتمع المغربي، الذي وإن كان يدعي الحداثة على مستوى المظهر، فهو يظل سجينا للماضي المنغلق والمظلم. في فيلم «باب السما» هناك عودة إلى طرح موضوع الدين والفن برؤية إخراجية تنتصر لقيم الحداثة والقطع مع نظرة المجتمع التقليدي والتدين الشعبوي، وإعطاء موقف واضح من التدين الذي يريد أن يكون وصيا على حرية الفنان المبدع. وقد تمت معالجة هذا الموضوع برمزية كثيفة وحضور قوي للصورة واقتصاد كبير في الحوار. وقد تمت مناقشة الشريط بعد عرضه، حيث صرح الناقد أحمد بوغابة أن الشريط عايشه منذ بداياته، أي في لحظة المونطاج، وقد قام بمجموعة من الملاحظات دون أن يتدخل في آراء العاملين عليه أو يؤثر فيهم، واعتبر في الأخير أن الفيلم جميل ويستحق المشاهدة، فيما اعتبر الشاعر والصحافي محمد بشكار أن هذا الفيلم القصير لا يقاس بالدقائق، وإنما بالزمن النفسي، فيه جدل مبدع بين الصورة والتيماتي ذي البعد التيولوجي أو الديني، لنقل الصورة ببلاغتها التي عوضت كل كلام، بل فتحت لنا، يضيف بشكار، جميعا بابا في السماء، لنسافر في تخييل شاسع، يجعل هذا الفيلم القصير زمنيا والطويل نفسيا مفتوحا على قراءات متعددة. من جانبه، اعتبر اعريوس أن الفيلم مازال يحتاج إلى الاشتغال عليه ليحقق الفكرة المرجوة، وأنه لا بأس من قراءة ثالثة ورابعة من أجل تغييب بعض الشوائب التي تعيق الشريط، إلا أن الناقد منير كان مخالفا لرأي اعريوس، إذ اعتبر أن بالفيلم مقومات جمالية وفنية عالية، تذكره بسينمائيين كبار، وقال إن هذا الشريط القصير تحفة فنية ويجب الاعتراف بذلك. أما الفنان عبد القادر ميكيات فقال: «اندهشت لقدرة الفيلم على تشكيل لغة سينمائية متعددة،على مستوى الصورة، وإطار الكاميرا الذي يتحرك داخله الممثلون وكأنه غير محدد، واختيار أمكنة التصوير والممثلين أيضا، واختيار تيمة اللون الأحمر للانعتاق من أغلال المعتقد الخاطئ، وقدرة الفن على هزم هذا التكلس ضد الفن. هذه فقط بعض الانطباعات التي كونتها في حينها عن فيلم «باب السما». وأضاف «لقد أظهر لنا المخرج ذاك «العملاق» الذي يمكن أن يخرج من قمقمه ليدهش المغرب السينمائي، ونحن في حاجة إلى هذه الأعمال التي أعادت لنا ذاك المساء دهشتنا الجمالية». الفيلم من إنتاج شركة ليسير للإنتاج ودعم جمعيات من المجتمع المدني وبعض الفعاليات التي تهتم بمجال الفن بالعرائش، والتشخيص لكل من محمد الشوبي، نورية بنبراهيم، العربي أجبار، والكاميرا لياسين بن الطالب وبوشعيب الحليف، والمونطاج لهشام رفيع، والصوت لسعيد الطويل، والموسيقى للويس طه مانكو، أما الديكور فتكلف به قريعش العمراني والحراق محمد. فيما تكلفت بالماكياج إيمان المولاوي، والسكريبت لسلوى القندوسي.